تعتبر أزمة المخدرات في الجزائر بتداعياتها الأمنية والاجتماعية اختباراً للسلطات يتطلب مواجهة شاملة تعالج الجذور الاجتماعية والاقتصادية لهذه الآفة، حيث كشفت الاختصاصية النفسية زهرة فاسي أن عدد مدمني المخدرات في الجزائر بلغ 3 ملايين، مما زاد العنف والإجرام، بينما ذكرت المديرية العامة للأمن الوطني أنها حجزت كميات كبيرة من المخدرات مؤخراً.
وطالبت فاشي ببرامج توعوية في المدارس وأدوار للمساجد لمواجهة هذه الآفة، إلى جانب تكثيف الجهود الأمنية والتوعوية للحد من انتشارها.
وأثارت تصريحات فاسي جدلاً واسعاً حول حجم أزمة المخدرات في الجزائر بعد كشفها عن بلوغ عدد المدمنين ثلاثة ملايين شخص، محذرة من تداعياتها الخطيرة على الأمن المجتمعي، وربطتها بأحداث العنف الأخيرة التي هزت البلاد.
وجاءت هذه التصريحات بالتزامن مع إعلان المديرية العامة للأمن الوطني عن حصيلة قياسية لمكافحة المخدرات في الثلاثي الثاني من عام 2025، حيث تمكنت المصالح الأمنية من حجز كميات كبيرة بلغت 2 طن و610 كيلوغرامات و886 غراماً من مخدر القنب الهندي، بالإضافة إلى 5 ملايين و557 ألفاً و86 قرصاً من المؤثرات العقلية، إلى جانب 100 كيلوغرام و871 غراماً من الكوكايين و926 غراماً من الهيروين.
وكشفت الجهات الأمنية في الجزائر في يوليو/تموز الماضي عن ترويج واحد من أخطر أنواع المخدرات والمحظور عالميا، وهو عبارة عن طوابع بمختلف الألوان والرسوم تُستهلك كحبوب أو جيلاتين أو سوائل، تم تهريبه عبر الحدود، وأحدث رعبا وسط الجزائريين.
وتمكن أفراد الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بـ"لافونتان" كتيبة الجزائر، من توقيف شخص مشتبه فيه يقوم بترويج مخدرات صلبة نوع جديد حديثة التداول بين أوساط المدمنين.
وحسب بيان رسمي "هذا المخدر هو عبارة عن طوابع ثنائي إيثيلاميد حمض الليسرجيك" أو ما يُعرف بـ"ال.سي.دي"، تمّ ضبطها بحوزة المشتبه فيه، والمقدرة ب2201 طابع بمختلف الألوان والرسوم".
وحسب رئيس جمعية "مستقبل الشباب"، المختصة في قضايا الشباب ومكافحة المخدرات، وعضو الاتحاد الوطني لأولياء التلاميذ، خالد بن تركي فإن "هذا النوع من المخدرات ليس منتشرا بعد في الجزائر".
وأضاف أنه "ليس مثل باقي أنواع المخدرات التي يتعاطاها الشباب الجزائري"، غير أنَّ هذا، حسب بن تركي "لا يمنع أن المهلوسات في وسط الشباب خلال السنوات الأخيرة، في انتشار رهيب، والأرقام صادمة، بالنسبة لعدد المستهلكين وكذا نوعيتهم، فبعدما كانت في وقت سابق حكرا على الرجال، فقد انتشرت معدلاتها بين الإناث بشكل كبير، وكذلك بين الطلبة الجامعيين، وهذا خطير جدا".
ووسع الانتشار غير المسبوق لمختلف أنواع المخدرات دائرة الاستهلاك لتشمل القصر والبالغين على حد سواء، واعتبرت الاختصاصية النفسية أن تداعيات الإدمان انعكست سلباً على الوضع الأمني المجتمعي، مما أدى إلى تفشي العنف الأسري والاجتماعي وازدياد وتيرة الإجرام، بما في ذلك جرائم القتل العمد باستخدام السيوف والخناجر، وظهور ما يعرف بحرب عصابات الأحياء والطرقات.
وشددت فاسي على أهمية تضافر الجهود عبر ثلاث مؤسسات رئيسية، حيث دعت إلى إبرام حصص توعوية دورية في المدارس بتأطير أطباء مختصين، وحثت الأولياء على تعزيز المراقبة الأسرية وربط جسور التواصل مع المؤسسات التعليمية، كما أكدت على ضرورة قيام المساجد بدورها في ربط الخطاب الديني بالواقع المعيش والتحذير من آفات المخدرات.
وأشارت المختصة فاسي إلى أن ظاهرة العنف المرتبطة بالمخدرات تعزى جزئياً إلى عجز الشباب المدمن العاطل عن العمل عن تمويل إدمانه بسبب ارتفاع الأسعار، مما يدفعه إلى اللجوء للسرقات والسطو على المحلات، وهو ما يفسر تزايد حوادث العنف التي يتم تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
كما حملت المختصة المدرسة جزءا كبيرا من المسؤولية، بسبب عجزها عن بناء الفكر التربوي الصحيح عبر مناهجها، وانتشار ظاهرة التسرب المدرسي في سن المراهقة، وهو السن الحساس الذي يفتح المجال أمام الفراغ والضياع.
وقالت زهرة فاسي إن استقالة الأسرة من أداء دورها التربوي لم تكن عن تقاعس، بل بسبب تسارع الأحداث وتعقيد الظواهر، وهو ما جعل الكثير من الأولياء عاجزين عن التعامل مع أبنائهم أو السيطرة على هذه الانحرافات.
من جانبه، أوضح رياض سالمي، عضو جمعية ولاية العاصمة لمحاربة المخدرات، أن عمل الجمعيات يرتكز على محورين أساسيين: يتمثل الأول في التوعية المباشرة عبر التقرب من الشباب في مختلف الفضاءات، بينما يرتكز الثاني على تنظيم أنشطة تربوية ورياضية تمكن الشباب من اكتشاف مواهبهم وتستبدل الفراغ بأنشطة مفيدة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات