في خضم استعدادات المشهد السياسي المغربي للانتخابات التشريعية المقبلة (2026)، وما يرافقها من مشاورات استهلتها وزارة الداخلية بلقاء الأحزاب لطرح مقترحاتها ومختلف تفاصيل هذه المحطة التي ستُجرى في موعدها الدستوري، توقف تقرير صادر عن «العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان» تحت عنوان «وضعية حقوق الشباب في المغرب» عند مشاركة هذه الفئة المهمة من المجتمع في العملية الانتخابية، كما تطرق إلى ضعف تمثيليتها في المؤسسات المنتخبة.
التقرير الذي أُنجز بمناسبة اليوم العالمي للشباب الذي يوافق 12 من آب/ أغسطس من كل سنة، تضمن عدة محاور منها: الشغل والبطالة والتعليم وأيضًا الصحة النفسية وغيرها، وكان المحور المخصص للمشاركة السياسية أساسيًا بالنظر إلى انخراط الدولة والفاعلين السياسيين في الاستعداد لاستحقاقات 2026.
ويبدو أن استعراض التقرير لأرقام حضور الشباب في الانتخابات السابقة جاء من باب اعتباره مدخلًا لمعرفة أفق هذه المشاركة، التي يسود فيها «عزوف واسع»، كما أن «نسبة تسجيلهم في اللوائح الانتخابية انخفضت»، إلى جانب «ضعف حضورهم في الهيئات المنتخبة وقيادات الأحزاب».
واستهل التقرير هذا المحور بالإشارة إلى أنه رغم «تكرار الدعوات لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، فإن تمثيلهم في المؤسسات المنتخبة ما يزال ضعيفًا، وهو ما يترجمه الواقع وتؤكده الأرقام». وسجل في هذا السياق أنه في الانتخابات الجماعية (البلدية) لسنة 2021، لوحظ «عزوف الشباب عن العملية الانتخابية»، وفي رأي الهيئة الحقوقية فإن ذلك «يطرح تساؤلات حول مدى ثقتهم في المؤسسات السياسية وقدرتها على الاستجابة لتطلعاتهم».
واستشهدت «العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان» بما تضمنه تحليل تركيبة القوائم الانتخابية الذي ورد في تقرير لـ»مركز تيزي» لسنة 2024، والذي تضمن عدة ملاحظات، أولها أن نسبة الشباب المسجلين بلغت 30 في المئة من إجمالي الهيئة الناخبة البالغ 13.4 مليون ناخب سنة 2011. وحسب التقرير، فإن تفسير ذلك يكمن في تسلسل أحداث ذلك العام، أي «الربيع العربي وامتداده المغربي، حركة 20 شباط/ فبراير».
وعادت هذه النسبة لتسجل انكماشًا بلغ 25 في المئة سنة 2016، ثم 27 في المئة في 2021، وانحدرت إلى 20 في المئة وفقًا للأرقام المتاحة في آذار/ مارس من العام 2024. وفي رأي الهيئة الحقوقية، فإن ذلك يوضح أن هناك «قبة حديدية تحدّ بشكل دائم – وبنيوي بلا شك – من اندماج الشباب في الحياة الانتخابية وبالتالي الديمقراطية».
ولفهم أكبر لمسألة عزوف الشباب عن العمل السياسي، أبرز التقرير أنه من المهم جدًا التأكيد على أن حضور هذه الفئة الهامة على مستوى المؤسسات المنتخبة «يظل ضعيفًا ويشكل تراجعًا بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة». وفي رأي الهيئة الحقوقية، فإن هذا «أمر طبيعي ونتيجة حتمية لما عرفته الساحة السياسية من تطاحنات وحسابات ضيقة جعلت من الشباب حطبًا لها، وحولتهم من ثروة ديمقراطية يمكن استثمارها في ترسيخ المبادئ الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، إلى حطب نار الخلاف والشقاق وتصفية الحسابات والاستغلال خلال الحملات الانتخابية».
ويوضح التقرير أن ما يكرّس هذه النتائج هو حضور الشباب على مستوى قيادات الأحزاب السياسية، الذي «يظل ضعيفًا جدًا»، مما يؤكد على ضرورة «اتخاذ إجراءات ملموسة لتعزيز تمثيل الشباب في الهيئات المنتخبة والقيادات الحزبية».
ولقراءة هذه «المعضلة»، كما يسميها معظم متتبعي المشهد السياسي من باحثين وفاعلين، قال الباحث السياسي عبد الله أبو عوض، متحدثًا لـ»القدس العربي»، إن مفهوم المشاركة السياسية عند الشباب يختلف إلى عدة مستويات: «فئة ترى أن المشاركة السياسية هي عامل أساس لتوفير متطلباتهم الخاصة واحتياجاتهم الحياتية من تشغيل واستثمار، بينما فئة ترى أن العمل السياسي يقتصر على المحطة الانتخابية، كآلية لتوفير المكتسبات وتحقيق بعض الامتيازات، لمعرفتهم المسبقة بأن (حيتان الانتخابات) إنما تستخدمهم لتلك المحطة دون غيرها».
أما الفئة الثالثة «فتكاد تكون منعدمة، وهي التي تؤمن بالعمل المؤسساتي الحزبي في المشاركة السياسية، لكنها تُحارب من داخل الأحزاب بطريقة منظمة من طرف (شيوخ السياسة)، وعليها أن تتوفر على عاملين رئيسيين هما الصبر والعمل لتحقق ذاتها بعد حين».
وتعتبر الفئة الرابعة «أن السياسة عامة هي ممارسة لتضييع الوقت، ما دامت الأحزاب السياسية تفرغ الاهتمام بالتنظيم الداخلي الكهل والقديم الذي يجعل من الأحزاب السياسية جزءًا من الأملاك الخاصة بهم».
وفي رأي الأكاديمي أبو عوض، فإن «واقع المشاركة السياسية للشباب يحتاج إلى توعية عامة تنبني على الحق الدستوري لكل شاب في أن يمارس السياسة بما يعيد الثقة لهذه الفئة لتلج بمصداقية العمل السياسي». وأضاف أنه على «الأحزاب أن تخجل من تاريخها الذي يعيد نفس الوجوه في الانتخابات»، موضحًا أن «السياسي المحنك هو من يبقى في السياسة ليصنع الخلف، وليس من يختبئ في السياسة، لأن تاريخه الذي لن يُمحى مع التاريخ، سيبقى شاهدًا عليه باعتباره ما كان قبل السياسة وما بقي بعد العمل والاحتكار السياسي». وتابع قائلاً: «لحد الآن، بعض الأحزاب تتذرع بتفعيل دور الشباب في المشهد السياسي، لكنها ارتكبت خطأ الانتقاء فيمن يمثل الشباب في العمل السياسي، لتجعل من اختياراتها دَفعة في ترسيخ هروب الشباب من الممارسة السياسية والانتماء للأحزاب».
ولتجاوز هذه العقبة المتعلقة بحضور الشباب في المشهد السياسي، يؤكد أبو عوض «أنه ما دام هناك وصاية من بعض شيوخ الحزب على الحزب، فلا فرصة للشباب إلا فيمن كان له ولاء خدماتي خاص، أو تحت رعاية معينة في الوقت الراهن».
تقرير حقوقي يثير نقاش محموم حول أسباب عزوف الشباب عن السياسة في المغرب

تعليقات الزوار
لا تعليقات