خيّم حزن عميق على الجزائر إثر الفاجعة الأليمة التي وقعت مساء الجمعة، بعد سقوط حافلة لنقل المسافرين من فوق جسر إلى مجرى وادي الحراش بالعاصمة، ما أسفر عن وفاة 18 شخصاً وإصابة أكثر من 20 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة. وقد أعادت هذه الحادثة التي اهتزت لها البلاد إلى الواجهة النقاش الحاد حول واقع النقل العمومي، وتقادم الحظيرة الوطنية للحافلات، وضعف إجراءات السلامة المرورية، وسط مطالب متجددة بمحاسبة المسؤولين عن تكرار مثل هذه الكوارث.
وفي ردود الفعل الرسمية المباشرة، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تضامناً مع عائلات الضحايا، حداداً وطنياً ليوم واحد مع تنكيس الراية الوطنية. كما تنقل وفد رسمي رفيع يضم مدير ديوان رئاسة الجمهورية بوعلام بوعلام، وزير الداخلية إبراهيم مراد، وعدداً من أعضاء الحكومة، إلى جانب والي العاصمة والمديرين العامين للأمن والدرك والحماية المدنية، إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي للاطلاع على حالة الجرحى وظروف التكفل بهم، حيث تم إسداء تعليمات بتوفير كل الإمكانيات الطبية والبشرية اللازمة.
وفي موقع الحادث، كان وزير النقل السعيد سعيود من بين المسؤولين الذين سلّط عليهم الضوء، حيث دعا في تصريحاته السائقين إلى التحلي بالمسؤولية وعدم المغامرة بأرواح المواطنين باستخدام السرعة المفرطة، مذكّراً بارتفاع حوادث الحافلات خلال السنوات الأخيرة. وأكد أن “تجديد حضيرة الحافلات أمر وارد”، موضحاً أن أكثر من 84 ألف حافلة على المستوى الوطني تستدعي التجديد على دفعات في الأشهر القادمة، رغم خضوعها للرقابة التقنية. وأعلن عن فتح تحقيق لتحديد ملابسات الحادث وأسبابه الحقيقية، مشدداً على ضرورة تفعيل إجراءات السلامة.
وفي وقت لاحق السبت، أعلنت وزارة النقل سحب كل حافلات نقل المسافرين المتهالكة، والتي تزيد مدة خدمتها عن 30 سنة، وذلك في مهلة لا تتجاوز ستة أشهر.
وأوضحت الوزارة في بيان لها أنها منحت ملاك الحافلات المتهالكة مهلة ستة أشهر من أجل استبدالها بأخرى جديدة، مؤكدة التزامها بتقديم كل التسهيلات اللازمة لاستبدال الحافلات القديمة، بما يسمح بسلاسة العملية دون تعقيدات واحترام الآجال المحددة.
غير أن هذه التصريحات الرسمية لم تمنع بروز أصوات ناقدة لسياسة النقل المعتمدة حالياً. فقد اعتبر النائب عبد الوهاب يعقوبي أن الحادثة الأخيرة ليست سوى حلقة في “حرب غير معلنة على الطرقات” تودي بحياة مئات الجزائريين سنوياً، واصفاً الوضع بالكارثي. وانتقد في سلسلة مداخلاته غياب رؤية استراتيجية وطنية للسلامة المرورية، قصور الآليات المؤسساتية، تهالك الحظيرة الوطنية للمركبات، منع استيراد السيارات والحافلات الجديدة، واختلالات البنية التحتية للطرقات. وأشار إلى أن الجزائر تتصدر المغرب العربي في عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بمعدل 18,3 وفاة لكل 100 ألف نسمة، وهي أرقام تفوق بكثير تلك المسجلة في دول الجوار وأوروبا.
كما اعتبر يعقوبي أن تعطيل استيراد المركبات وقطع الغيار الأصلية ساهم بشكل مباشر في اهتراء الحظيرة الوطنية وتحولها إلى “خطر يومي”، محمّلاً الحكومة والبرلمان معاً مسؤولية استمرار هذا النزيف البشري. ودعا إلى إطلاق خطة وطنية عاجلة تحت شعار “صفر قتلى”، وتشديد العقوبات على المخالفات المرورية، وتفعيل الرقابة البرلمانية.
وفي السياق نفسه، عبّر مواطنون وناشطون عن غضبهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث شدد كثير منهم على أن قرار غلق الاستيراد زاد من معاناة الجزائريين وجعلهم عرضة لكوارث مميتة بحافلات مهترئة “لا تصلح لنقل المواطنين”. وكتب أحدهم أن “الحافلة التي سقطت لا تصلح في الطرقات”، في إشارة إلى قدم وسائل النقل، فيما رأى آخرون أن السياسة الحالية أدت إلى استفحال حوادث المرور.
من جانبه، اعتبر الناشط الحقوقي ياسين بودهان أن الحادث يجب أن يكون “جرس إنذار حقيقياً”، مؤكداً ضرورة مراجعة القوانين المنظمة لنشاط الحافلات الخاصة، خاصة تلك التي تجاوز عمرها التشغيلي، مع فرض فحوص تقنية صارمة وإنشاء لجان مشتركة لمراقبة النشاط. أما الصحفي ياسين بلمنور، فانتقد محاولة تحميل السائق وحده المسؤولية في حين أن الجسر الذي سقطت منه الحافلة معروف منذ التسعينيات بحفره الخطيرة وصيانته المؤقتة.
وبينما يستمر التحقيق في حادث وادي الحراش، تمنى البعض في تعليقاتهم، أن تشكل هذه الفاجعة نقطة تحول نحو إصلاح جذري في سياسات النقل والسلامة المرورية، وأن لا يطوى الملف بمجرد انتهاء الحداد وتقديم واجب العزاء.
تعليقات الزوار
لا تعليقات