أخبار عاجلة

جدل في موريتانيا بعد إلغاء المجلس الدستوري مواد من النظام الداخلي المعّدل للبرلمان

تواصل في الساحة السياسية الموريتانية الجدل الساخن الذي أثاره قرار المجلس الدستوري القاضي بإلغاء فقرات أساسية من ثلاث مواد في النظام الداخلي المعدل للجمعية الوطنية، بعد أن اعتبرها مخالفة لأحكام الدستور، وتقييدًا غير مشروع للصلاحيات الرقابية والحرية في التعبير التي يتمتع بها النواب.
وفي 30 تموز/يوليو الماضي، صوّت البرلمان الموريتاني على تعديل النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وسط جدل واسع بين المعارضة والأغلبية بشأن بعض مواده، خصوصًا تلك التي تضع قيودًا على خطاب النواب تحت قبة البرلمان.
وكما يقضي الدستور، أُحيل النص المعدل إلى المجلس الدستوري لمراجعته قبل دخوله حيز التنفيذ، حيث اعترض المجلس على فقرات بعينها من المواد 45 و80 و55، فألغى الفقرة الجديدة بالمادة 45 التي تقول «يمنع على أي نائب توجيه شتائم أو إهانات أو تهديدات للوزير الأول، أو لرئيس الجمعية الوطنية، أو لأحد أعضاء الحكومة، أو لأي مسؤول سامٍ في الدولة».
واعتبر المجلس أن هذا القيد يتعارض مع مبدأ حرية التعبير المكفول للنواب بموجب المادة 50 من الدستور، والتي تمنحهم حصانة تامة عن الآراء التي يبدونها أثناء ممارسة مهامهم البرلمانية.
وفي المادة 80 ألغى المجلس الدستوري الفقرة التي تقول «تنتهي الدورة الاستثنائية للجمعية الوطنية تلقائيًا فور الانتهاء من جدول أعمالها»؛ معتبرًا أنها تخالف أحكام المادة 53 من الدستور، التي تحدد بوضوح كيفية إنهاء الدورات البرلمانية، وأن إنهاء الدورة يجب أن يتم وفق إجراءات رسمية وليس تلقائيًا.
وفي المادة 55 ألغى المجلس الفقرة الجديدة وهي «أي نقاش أو مساءلة أو توجيه سؤال شفهي أو كتابي حول قضايا معينة تتعلق بمؤسسات أو شخصيات محددة، إلا وفق ضوابط يحددها مكتب الجمعية الوطنية».
ورأى المجلس أن هذا التقييد يحد من الدور الرقابي للبرلمان على الحكومة، المنصوص عليه في المادة 74 من الدستور، ويمس بحق النواب في مساءلة السلطة التنفيذية دون قيود غير منصوص عليها في النصوص الدستورية.
وأكد المجلس أن الفقرات الملغاة تتعارض مع مواد الدستور التي تحمي حرية التعبير وتضمن مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، كما أن تحصين المسؤولين جاء مخالفًا للقانون رقم 021/2022 المتعلق بحماية الرموز الوطنية، مشدداً على أن القوانين والأنظمة يجب أن تتوافق تمامًا مع الدستور لضمان سيادة القانون واستقرار المجتمع.
وقوبلت هذه التعديلات بترحيب واسع في نواب المعارضة الذين سبق أن صوتوا ضدها، ووصفها النائب يحيى اللود (دائرة أمريكا) بأنها «نصر صغير وسط هزيمة كبيرة»، مشيرًا إلى «أن أغلب المواد المثيرة للجدل بقيت على حالها، وأن المجلس أضعف الدور الرقابي للنواب بقبوله أجزاء أخرى من النص المعدل».
ووصف النائب المعارض محمد الأمين سيدي مولود، القرار بـ«الإيجابي والموفق»، معبّرًا عن أمله في أن تشمل الإلغاءات باقي التعديلات التي تعيق التحقيق والمساءلة البرلمانية.
أما النائبة البرلمانية المعارضة كاجاتا مالك جالو، فقد علقت على قرار المجلس الدستوري قائلة «في 30 يوليو الماضي، صوتنا نحن عشرة نواب من المعارضة، ضد النظام الداخلي الجديد للجمعية الوطنية، ولم نفعل ذلك فقط برفع الأيدي، بل صوتنا ضده وقوفًا أيضًا».
وأضافت: «كان بعض الناس يتساءلون عن سبب عدم لجوئنا إلى المجلس الدستوري لرفض النظام الداخلي، وربما يغفلون عن أمرين: أولهما أنه ليس لدينا الأغلبية المطلوبة لمخاطبة المجلس الدستوري، والثاني حتى لو كان لدينا العدد الكافي، لم يكن ذلك ضروريًا، لأن النظام الداخلي للجمعية الوطنية لكي يُعتمد نهائيًا يجب أن يمر بالمجلس الدستوري؛ واليوم يجب أن نثمن قرار المجلس الدستوري الذي رفض بعض المواد لعدم دستوريتها».
وأضافت: «قد يساهم هذا القرار في فتح أعين هذه الأغلبية الميكانيكية، التي بدل أن تجعل البرلمان يؤدي دوره الحقيقي في مراقبة السلطة التنفيذية، تقزم دوره ليكون مجرد جهاز تابع للحكومة».
واعتبر المحامي يعقوب السيف «أن قرار المجلس الدستوري يشوبه تناقض مع سوابق دستورية للمجلس نفسه منذ 1992، حيث سبق أن تبنى مواقف أكثر اتساقًا في قضايا مشابهة».
وقال: «قرار المجلس الدستوري رقم: 003/ 2025 هو رقم بين تلك القرارات التي يتعين عملياً التفكير في وجود صيغة تمكن من نسيانها وحذفها من سجل المجلس، فمكانة وقيمة قرارات المجلس ودوره في ضمان سمو القواعد الدستورية لا يقبل أن يؤتى الدستور من قبله».
ولم ترق التعديلات التي أجراها المجلس الدستوري في نص النظام الداخلي للجمعية الوطنية لنواب المولاة، حيث أكد سيد أحمد ولد صالح، مدير التشريع بالبرلمان، «أن القرار غير مؤسس ومخالف لقرارات سابقة، معتبراً «أن بعض التعديلات الملغاة كانت ضرورية لضبط الخطاب البرلماني». ويرى محللون أن قرار المجلس الدستوري أعاد طرح قضية التوازن بين حماية كرامة المؤسسات والمسؤولين من جهة، وضمان حرية التعبير والدور الرقابي للبرلمان من جهة أخرى.
كما أنه يكشف عن استمرار التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في موريتانيا، حيث يرى منتقدو النظام الداخلي المعدل من طرف المولاة أن بعض التعديلات كانت تهدف إلى تحجيم المعارضة داخل البرلمان، بينما يصفها المدافعون عنها بأنها ضرورية لمنع «الانفلات اللفظي» وضمان سير الجلسات بشكل منظم.
وفي انتظار اكتمال واعتماد التعديلات النهائية على النظام الداخلي بعد هذا الإلغاء، يبقى النقاش محتدمًا بين دعاة توسيع صلاحيات النواب وحماية حرية خطابهم، وبين من يرون ضرورة وضع حدود لضبط الممارسات والسلوكيات تحت قبة البرلمان.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات