أخبار عاجلة

آلاف الموريتانيين يلغون حجوزات عطلهم في الخارج ويستجيبون لإكتشاف كنوز السياحة في الداخل

بعد سنوات من الاعتماد على آلاف الزبائن الموريتانيين كل موسم صيف، تجد شركات الطيران والمواقع السياحية في إسبانيا والمغرب نفسها هذا العام أمام مشهد غير مألوف: المقاعد فارغة نسبياً، والحجوزات أقل من المعتاد.
وليس السبب أزمة اقتصادية ولا قيود سفر، بل قرار فئة واسعة من الموريتانيين، وفي مقدمتهم كبار المسؤولين، قضاء عطلهم في الداخل استجابة لرسالة حازمة من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي دعا إلى وقف “الهجرة السياحية” نحو الخارج وإعادة اكتشاف كنوز البلاد الطبيعية والتراثية.
ووجّه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خلال اجتماع أخير للحكومة، دعوة صريحة للوزراء وكبار المسؤولين إلى الكف عن قضاء إجازاتهم خارج البلاد، معتبراً أن هذه العادة “غير مناسبة” وتعكس صورة سلبية، وكأن موريتانيا تخلو من أماكن تستحق الاكتشاف والزيارة.
وقال الرئيس إن على المسؤولين أن يكونوا قدوة، ويمضوا عطلهم مع أسرهم في مناطقهم الأصلية وبين أهلهم، بدلاً من الهجرة السياحية الموسمية إلى الخارج.
وتأتي هذه الرسالة في وقت يعرف فيه شهر أغسطس هجرة جماعية لآلاف الأسر الموريتانية، خاصة من الطبقة الميسورة، إلى المنتجعات الإسبانية والمغربية لقضاء العطلة الصيفية.
وبالتوازي مع هذه الدعوة، شهدت نواكشوط أمس إطلاق موسم السياحة الساحلية، بإشراف السيدة الأولى مريم محمد فاضل الداه، تحت شعار: “الساحل… مهد الطبيعة وفضاء الاكتشاف”، في تظاهرة نظمتها وزارة التجارة والسياحة الموريتانية لترويج الوجهات الداخلية، وبخاصة الشواطئ الممتدة من نواذيبو إلى انجاكو.
ولم يكن الموسم مجرد مهرجان تقليدي؛ فقد جمع بين عروض فلكلورية وفروسية، وموكب للجمالة، وأجنحة للصناعات التقليدية والثقافة المحلية، إضافة إلى وثائقيات عرّفت بالمحميات والمواقع السياحية.
وأكدت وزيرة التجارة والسياحة، زينب بنت أحمدناه، أن الهدف هو إعادة اكتشاف الذات وتعزيز الانتماء، معتبرة أن الشواطئ الموريتانية “كنوز طبيعية لا تضاهى”. فيما شدد وزير الثقافة، الحسين ولد مدو، على أن السياحة الداخلية باتت خياراً استراتيجياً يتطلب تنسيق الجهود بين القطاعات.
وأعلن القطاع الخاص، ممثلاً برئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين زين العابدين الحاج، عن أرقام لافتة تتمثل في وجود 121 فندقاً، و752 مطعماً داخل مختلف المدن الموريتانية؛ كما أكد إلغاء 21 ألف تذكرة سفر للخارج استجابة لدعوة الرئيس، فضلاً عن استثمارات في النقل والبنية التحتية السياحية.
وبين رسالة الرئيس الحازمة، وفعاليات الموسم الساحلي الزاخرة، يبدو أن موريتانيا تراهن هذا الصيف على كسر عادة السفر إلى الخارج، وفتح شهية الموريتانيين على اكتشاف كنوز بلادهم، من الرمال الذهبية إلى أمواج الأطلسي.
أثارت دعوة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لأعضاء الحكومة وكبار المسؤولين لقضاء عطلتهم الصيفية داخل البلاد، موجة من التعليقات في صفحات التواصل وفي الصحافة والمواقع الإخبارية الموريتانية، التي تناولت الموضوع من زوايا سياسية واقتصادية واجتماعية.
وأثارت دعوة الرئيس الغزواني لأخذ العطل في الداخل بدل الخارج تفاعلاً من المدونين والمواقع الإعلامية بين من حيا هذه الدعوة ومن شكك في الاستجابة، وبين من أكد أن الوزراء وكبار المسؤولين استجابوا لأوامر الرئيس لكن أسرهم لم تتراجع عن رحلات العطلة في إسبانيا الوجهة الرئيسية للموريتانيين في كل صيف.
واعتبر الفقيه والكاتب محمد الصحة ديدي “أن دعوة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لقضاء العطلة الصيفية في الداخل تأتي، من حيث المبدأ، في سياق طبيعي بعد خمس سنوات من الإلزامات والتوجيهات الرئاسية الرامية لبناء دولة الإنصاف، والاستماع الدائم لتقارير أداء القطاعات الحكومية، ورغبة صادقة في إنعاش الروح الوطنية وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي”.
لكن ديدي طرح تساؤلات صريحة: هل الداخل الموريتاني، بواقعه الحالي، مؤهل فعلًا لأن يكون فضاءً للراحة والمتعة؟ أم إن الصورة على الأرض بعيدة تمامًا عن الرواية الرسمية؟ لافتًا إلى أن الواقع الذي يعيشه سكان الداخل هو انقطاع المياه والكهرباء، وغياب المستشفيات المجهزة والطرق الآمنة والمدارس المؤهلة، وانعدام أبسط مقومات الكرامة الإنسانية.
ووصف الكاتب المشهد المأساوي للداخل بأنه مكان قد تضطر فيه المرأة لوضع مولودها على التراب تحت شجرة، في غياب الطبيب والسرير والضماد، معتبرًا أن الترويج للسياحة في ظل هذه الأوضاع يبدو وكأن الناس قد شبعوا وأمنوا وتداووا وكسوا، ولم يتبق سوى أن “يصطافوا”.
ورأى الكاتب “أن الأولى بالحكومة، بدل دعوة المواطنين لقضاء عطلتهم في الهجير، أن تتوجه بندائها إلى كبار الموظفين ورجال الأعمال والسماسرة الذين راكموا ثروات من المال العام، ليعيدوا ما استولوا عليه ويصلحوا ما أفسدوا، وينصفوا المحرومين، قبل مطالبتهم بالسياحة والترفيه”.
ووصفت وكالة “أنباء أنفو” المستقلة قرار الرئيس الغزواني بأنه رسالة سياسية قوية، معتبرة أن الرئيس لم يكتف بوصف سفر النخب وعائلاتهم إلى الخارج بأنه “سلوك غير مناسب”، بل ربطه بصورة سلبية عن الوطن، وكأن الوطن يخلو من مقومات تستحق الزيارة.
وأشارت الوكالة إلى أن الرئيس حث المسؤولين على أن يكونوا قدوة للمواطنين، عبر تمضية العطلة مع ذويهم وفي مناطقهم الأصلية.
وتحت عنوان “لماذا الآن؟ “، لفتت الوكالة إلى أن توقيت دعوة الرئيس ليس عفويًا، بل يرتبط بجملة من الاعتبارات المتداخلة؛ فهي اقتصاديًا، تحمل رسالة واضحة بضرورة توجيه إنفاق النخب إلى الداخل في ظرف دقيق تحتاج فيه قطاعات السياحة والخدمات إلى دعم مباشر، وسياسيًا تأتي في سياق مسعى الغزواني لتكريس صورة القائد القريب من المواطنين وكسر الانطباع المتداول عن تراجع نفوذه، أما اجتماعيًا فهي محاولة لردم الفجوة بين السلطة والشعب عبر خطوة رمزية توحي بالمشاركة في هموم وتقاليد الناس، وتشجع على إعادة اكتشاف مكونات الهوية الوطنية من خلال قضاء العطل بين الأهل وفي ربوع الوطن”.
لكن الوكالة تساءلت في الختام عن مدى قدرة الغزواني على فرض هذا التوجه في السياق الحالي، حيث تتسم النخب السياسية والإدارية بولاءات متشابكة وعلاقات أقل انضباطًا مما كانت عليه قبل عقود، معتبرة أن الأيام القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الطبقة الحاكمة بالرسالة الرئاسية، أو الاكتفاء بالتعامل معها كتوصية بروتوكولية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات