أخبار عاجلة

لماذا فضّل الجزائري يوم الجمعة القيلولة بعد أكل الكسكسي؟

ما زلت أتذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله، كان اليوم الذي أعلن فيه عن تنحي الرئيس المصري مبارك، الموافق ليوم الجمعة 11 فبراير 2011 حين تلقيت مكالمة تلفونية، وأنا نازل بسيارتي إلى السوق وسط الجزائر العاصمة، من أحد قيادي جبهة التحرير يدعوني فيها إلى لقاء مع قيادة الجبهة بالمقر الوطني بحيدرة، دون أن يفصح لي تفاصيل اللقاء، رغم أنني فهمت بصفة عامة أنه مرتبط بما يحصل في بعض الدول العربية بعد انطلاق موجة الربيع العربي الأولى في سنة 2011.
اعتذرت لصديقي الذي تربطني به علاقات إنسانية قديمة، بسبب ذهابي إلى السوق كعادتي كل يوم جمعة، فلم أكن حاضرا على الأقل على مستوى الهندام لمثل هذا اللقاء الذي لم أخبر به مسبقا، مع قيادة جبهة التحرير التي تربطني بها كالكثير من قيادات الأحزاب الجزائرية الأخرى علاقات قديمة، فيها مزيج من العلاقات الإنسانية والسياسية، كما ظهر بمناسبة مشاركتي في الكثير من الفعاليات المنظمة من قبل هذه الأحزاب، كنت أدعى لها بانتظام -على غرار الجامعات الصيفية. مباشرة بعد الانتهاء من المكالمة الأولى وصلتني مكالمة ثانية هذه المرة من أحد قيادي الحزب من الوزراء، أعضاء المكتب السياسي، أكد لي الدعوة لحضور الاجتماع موضحا لي، أن الهدف منه هو التعرف على وجهة نظري فيما يحصل من أحداث في المنطقة العربية، وليس حفل زفاف حتى اتحجج بنوعية لباسي غير اللائق، بمثل هذه المناسبات!

في نهاية الأمر اكتشفت وأنا أصل إلى مقر الحزب، أن الأمر يتعلق «باجتماع رسمي» يحضره الأمين العام للجبهة، وبعض الوزراء، وزميلان باحثان في العلوم الاجتماعية، نظم بهدف التعرف على وجهة نظرنا، نحن الباحثين المتخصصين في السوسيولوجيا والسياسة، فيما يحصل من احداث في المنطقة العربية، بعد وصول شرارتها إلى مصر وليس تونس، التي لم تزعج الأحداث فيها القيادة الجزائرية، رغم القرب الجغرافي.
اجتماع طلب منا الأمين العام الكلام فيه بكل صراحة، والإدلاء بآرائنا مهما كانت نقديتها، دون تحفظ وهو ما حصل فعلا طول مدة الاجتماع، الذي وصلنا اثناءه خبر نية تنحي الرئيس مبارك من منصبه. ليكتفي فيه الطرف الحزبي بالاستماع إلى آرائنا، دون إبداء أي موقف، أو تعليق لمدة أكثر من ثلاث ساعات استغرقها هذا اللقاء، الذي يكون قد نظم وصُوّر لصالح بوتفليقة شخصيا ومصالح الرئاسة. عرفت لاحقا أن الكثير من الحكومات العربية، نظمت ما يشبهه مع باحثين من خارج المجال الأكاديمي الرسمي، الفاقد للمصداقية لدى أصحاب القرار أنفسهم عندما يكونون في مواجهة مستجدات نوعية، كما حصل بمناسبة الربيع العربي. في موجته الأولى، التي مست أكثر من بلد. بشكل مفاجئ وأدت إلى تغييرات مست واجهة الحكم في مرحلتها الأولى. خبر تنحي الرئيس المصري الذي كان له وقع واضح على وجوه أعضاء القيادة الحزبية الحاضرة في الاجتماع، التي يبدو أنها لم تكن تتوقعه. مانحة له أهمية كبيرة لما ما هو حاضر من نقاط تشابه بين النظامين الجزائري والمصري، أكده تطور مسار الأحداث السياسية الكبرى في البلدين. في وقت كانت السردية الوطنية الرسمية عندنا تصر فيه على تميز الحالة الجزائرية، وضعف تأثرها بالحالة العربية العامة. منذ انطلاق الأحداث من تونس لتتكرر بمناسبة الموجه الثانية في 2019.
اجتماع عدت لتفاصيله هذه الأيام وأنا أعيش مثل بقية الجزائريين، ما كان متوقعا أن يحدث في يوم الجمعة 8 أغسطس 2025، الذي كثرت فيه الشائعات عن انطلاق مسيرات شعبية تريد العودة بالجزائر إلى أجواء الحراك الشعبي، لم تكن في الموعد هذه المرة، كان مصدرها في الغالب بعض الأوساط المهاجرة المحسوبة على المعارضة كفرديات تعيش حالة ضعف كبيرة، اكتفت بحضور متواضع على الوسائط الاجتماعية، التي لم يعد ما يروج داخلها حكرا على المواضيع السياسية. دعوات لم يكن لها الصدى المطلوب كما توقعه الكثير من الجهات الشعبية والرسمية في الجزائر. لم يمنع المؤسسة الأمنية من أخذ احتياطاتها لتجنب انزلاق الأمر نحو الأسوأ. في ظل الغموض الذي ارتبط بهذه الدعوات، التي كانت في الأصل متعلقة بمسيرات شعبية لدعم غزة، تم التعبير عنها عبر طلب حزبي لأكثر من عشرة أحزاب متفاوتة القوة والحضور، قريبة جدا بل متماهية مع السلطة، لتنظيم مسيرات شعبية دعما للشعب الفلسطيني في غزة، وهو يتعرض إلى حرب إبادة منذ ما يقارب السنتين.
طلب رفضته مؤسسات النظام السياسي الرسمية، كما كان متوقعا لاعتبارات متعلقة بالتخوف من استغلال هذا الخروج لتأييد غزة لأغراض أخرى متعلقة بالشأن الداخلي، في هذا الوضع السياسي الغامض المفتوح على الكثير من الاحتمالات. في تناقض صارخ مع خطابها السياسي -الإعلامي الوطني والدولي المؤيد للقضية الفلسطينية، كما حاولت أن تقوم به في مجلس الأمن الدولي. رفض سيزيد في تقزم أدوار هذه الأحزاب وابتعاد المواطن عنها، بكل تأكيد، وهي تعيش حالة بطالة وفقدان لأدوارها، بما فيها الشكلية التي كانت تقوم بها إزاء القضايا الدولية، كما كان يحصل في السابق وهي تدعو المواطنين للتضامن مع قضية الشعب الفلسطيني بالإجماع الدائم، الذي تجده لدى المواطن الجزائري.
مقابل مؤسسات نظام سياسي رسمي ما زالت في منطق الرفض لكل ما يأتي من المجتمع- بعد عملية تحييد الأحزاب والنقابات والجمعيات والإعلام والبرلمان، التي كان يمكن أن تساعد صاحب القرار على التواصل مع هذا المجتمع الذي يعرف تحولات عميقة، زادت في أزمة التعرف عليه وقراءة مطالبه. تفسر لماذا قرر أن تكون جمعة 8 أغسطس عادية رغم أنف من دعوا للخروج في مسيرات، قرر عدم التوجه لها مفضلا عنها برنامج جمعته الاعتيادية المقسم بين المسجد والبحر وأكل الكسكسي. للركون لاحقا إلى حصة قيلولة طويلة، قد تدوم فترة لا يعلم أحد مداها في ظل هذا الفراغ السياسي الذي يعيشه الشارع السياسي، الذي لا تثق في هدوئه الظاهر مؤسسات النظام السياسي، نتيجة خبرتها التاريخية مع هذا الشعب المشاكس، يجعلها تعيش حالة خوف منه حتى وهو يدعي الخروج في مسيرات لتأييد شعب غزة المنكوب.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات