أدانت محكمة سطيف، شرق الجزائر، الشخص الذي اعتدى على تمثال “عين الفوارة” الشهير، بالسجن لمدة 10 سنوات نافذة، مع غرامة مالية، وإلزامه بتعويض كبير، وذلك في حكم اعتُبر من بين الأكثر تشددًا في مثل هذه القضايا.
ووفق ما نقلته وسائل إعلام محلية، فقد نطقت المحكمة، بعد إجراء المثول الفوري، بالحكم على المعتدي بـ10 سنوات سجنًا نافذًا، وغرامة مالية مقدّرة بـ50 مليون سنتيم. كما تضمّن الحكم كذلك تعويضًا قيمته 300 مليون سنتيم يُدفع إلى الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية.
وقد تُوبع الموقوف بتهمة التعدّي على القوة العمومية أثناء محاولة توقيفه إثر الاعتداء على النصب الأثري. وما زاد من توريط الشخص، تاريخه الجنائي، إذ سبق له تنفيذ اعتداء مماثل على تمثال “عين الفوارة” سنة 2018.
وكان التمثال، الذي يُجسّد امرأة شبه عارية، قد تعرّض، مساء الثلاثاء، الماضي لاعتداء جديد، تسبّب في تحطيم وجه التمثال، الصامد منذ قرن وأربعين سنة في مكانه، والذي أُعيد ترميمه عدة مرات بفعل اعتداءات مماثلة. ومما ظهر في الصور، أن المعتدي ضرب وجه التمثال وهشّم الأنف والعين، مُلحقًا بالمنحوتة أضرارًا بليغة.
وفي ردّ فعل سريع، تمكّنت مصالح الأمن من توقيف الفاعل في عين المكان، واقتياده للتحقيق. وما صعّب مهمة إنقاذ التمثال، أن الجاني ارتكب فعلته في ساعة متأخرة من الليل، حيث كان المكان شبه خالٍ من المارّة. وأظهرت صور ومقاطع فيديو، تم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، عملية التخريب وتدخل عناصر الشرطة في اللحظات الأولى لتوقيف المعتدي.
وقد أعادت هذه الواقعة إلى الأذهان ما حدث في كانون الأول/ديسمبر 2017، حين استُهدف التمثال في عملية مماثلة أثارت، آنذاك، جدلًا كبيرًا في الساحة الوطنية، وتطلّبت تدخل خبراء للقيام بعملية ترميم دقيقة. كما تعرّض المعلم لاحقًا لمحاولة تخريب أخرى، ما جعل من استهدافه المتكرر ظاهرة مقلقة.
ويطرح هذا الاستهداف المتكرر للتمثال العلاقة الملتبسة التي ظَلَّ يُمثّلها، حيث يرى البعض أن شكله، الذي يُجسّد امرأة نصف عارية، لا يُعبّر عن هوية المدينة المحافظة، ويطالبون بنقله إلى المتحف، في حين يرى آخرون أنه رمز للمدينة استمرّ معها لعقود طويلة دون أي إشكال.
يُذكر أن تمثال “عين الفوارة”، الذي يُعد من أبرز معالم مدينة سطيف، صمّمه النحات الفرنسي فرانسيس دو سانت فيدال، سنة 1898، خلال الحقبة الاستعمارية، وتم تثبيته فوق نافورة طبيعية تنبع من عين مائية تحمل الاسم نفسه. وقد جُسّدت في التمثال امرأة نصف عارية بأسلوب كلاسيكي، يُمثّل فن النحت الأوروبي آنذاك، ما جعله على مرّ السنين موضوعًا لجدل ثقافي وديني متجدد في الجزائر.
ورغم هذا الجدل، اكتسب التمثال مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية لسكان سطيف، وتحول إلى رمز حضاري وتاريخي، ووجهة سياحية بارزة تجذب الزوّار من مختلف مناطق الوطن، بفضل موقعه الحيوي في وسط المدينة وطابعه الفني الفريد.
تعليقات الزوار
لا تعليقات