أخبار عاجلة

المعارضة الموريتانية ترفض تعديلات في النظام الداخلي للبرلمان

أشعلت التعديلات الجديدة على النظام الداخلي للجمعية الوطنية الموريتانية موجة جدل سياسي حاد، بعد أن صوّتت الأغلبية الحاكمة ونواب التيار الإسلامي لصالحها، في حين اعتبرتها المعارضة خطوة نحو تكريس الاستبداد وتقليص هامش الحريات داخل المؤسسة التشريعية.
وقد اتهم نواب معارضون حزب «تواصل» ذا المرجعية الإسلامية بـ»خيانة الديمقراطية» و«الانحياز للسلطة»، في مشهد يعكس تصاعد التوتر داخل البرلمان.
وأثارت هذه التعديلات ردود فعل غاضبة من أطياف واسعة في صفوف المعارضة، رغم تصويت حزب «تواصل»، الذي يتزعم المعارضة، لصالح التعديلات.
وشملت التعديلات التي تمت المصادقة عليها مواد أساسية تنظم العمل البرلماني، من بينها قواعد تشكيل لجان التحقيق، ورفع الحصانة، وطرد النواب، وضوابط العقوبات، ومدد انعقاد الدورات، وهو ما اعتبرته المعارضة محاولة لتضييق الخناق على النواب وتقليص صلاحياتهم الرقابية.
ومن أبرز ما شملته هذه التعديلات، المادة 123 التي تنص على إمكانية تشكيل لجنة تحقيق بمبادرة من 7% من النواب، على أن ينتموا إلى فريقين برلمانيين على الأقل، كما فرضت التعديلات قيوداً زمنية على تشكيل هذه اللجان، ومنحت مكتب الجمعية صلاحية تقييم مقترحاتها ورفضها إذا لم تحز الأغلبية.
أما العقوبات التأديبية، فقد شملتها المادة 80 وما يليها، حيث تم ضمن التعديلات الجديدة، تشديد الإجراءات ضد النواب الذين يُتهمون بالإخلال بالنظام أو ازدراء المؤسسات أو التحريض، حتى إن العقوبات تصل إلى الطرد لعدة أشهر والحرمان من العلاوات.
واعتبر نواب المعارضة أن التعديلات «كمامة دستورية» تحول دون ممارسة الدور النيابي بحرية»، ملوحين بالطعن فيها أمام المجلس الدستوري.
وفي أولى ردود الفعل، وصف النائب المعارض محمد الأمين سيدي مولود التعديلات بأنها «موجة قمع واستبداد»، معلناً نيتهم الطعن فيها أمام المجلس الدستوري.
أما النائب محمد بوي ولد محمد فاضل، فاتهم التعديلات بـ «قتل البرلمان» وتحويله إلى «ثكنة عسكرية»، موجهاً انتقادات لاذعة لفريق حزب «تواصل» المعارض، بسبب تصويته لصالح التعديلات.
وانتقدت النائبة مريم بنت الشيخ، التغييرات التي أدخلت على النظام الداخلي الجديد، مشيرة إلى أنها «ضيّقت على النواب ولم تترك لهم مجالاً للكلام»، بينما تساءلت عن مصير المادة 90 من الدستور، التي تكفل حرية النائب في التعبير دون مضايقة.
وذهبت النائبة قامو عاشور إلى أبعد من ذلك، معلنة أنها لن تصمت «سواء طُردت أو سُجنت»، مؤكدة أنها «ستستمر في فضح الوزراء الذين يمارسون بالفساد»، حسب تعبيرها.
واعتبر النائب المعارض خالي ديالو، أن التعديلات تمثل «نهاية النقاش الديمقراطي» ودعا المجلس الدستوري إلى التحرك لإلغائها، قائلاً إن البرلمان بات «يُدار بعقلية الثكنة العسكرية».
ولم يقتصر انتقاد هذه التعديلات على النواب، بل إنها شملت مدونين وكتاباً مهتمين بالشأن السياسي.
فقد وجه الدكتور أبو العباس ابرهام، الأستاذ الجامعي البارز، انتقادات لهذه التغييرات، مضيفاً في تدوينة له: «من المؤسِف أنّ يتصدّر الدفاع عن حرية التعبير في البرلمان اليوم ناسٌ لا يؤمِنون بحرية التعبير أصلاً، بل يؤمِنون بالتعزير والحبس على الرأي وتفتيش الناس، حتّى في حقّ القُصّر والمراهقين، وجلّ مطالبِهم هي السجن على الرأي».
وقال: «في زمن الانحطاط لا تُحسن الطبقة الحارِسة صون المبادئ الحافِظة للأمّة، بل هي تأكل من أصنام التمر».
وأضاف: «نظام غزواني ديكتاتوري يقوم على قمع التعبير وحظر الخلاف؛ وما فعله من إغلاق البرلمان هو عملية ممنهجة؛ وآن الأوان لهبّة وطنية ضدّ أفعالِه؛ ومن المستحسَن أنّ تأتي تلك الهبّة من مؤمِنين حقيقيين بحرية التعبير، لا من متاجِرين بها».
وتسلط هذه التعديلات الضوء على عمق التوتر القائم بين الأغلبية والمعارضة داخل الجمعية الوطنية، كما تثير تساؤلات حول التوازن بين ضرورة تنظيم العمل البرلماني والحفاظ على حرية النائب في ممارسة دوره الرقابي والتشريعي، وهو ما يجعل الأيام القادمة مرشحة لمزيد من الصدام داخل أروقة البرلمان، وربما خارجه.
وستتحكم هذه التعديلات التي أقرت بأغلبية كبيرة في مسار النقاشات داخل قبة البرلمان، في ظل تصاعد التوتر السياسي بين الكتل، وتخوف متزايد من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقليص مساحة النقاش والتعددية تحت قبة البرلمان، ما قد ينعكس على المشهد السياسي برمّته في المرحلة المقبلة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات