تسبب الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر، في إخراج الخلاف بين الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته اليميني المتشدد برونو روتايو إلى العلن، حيث رفض الأول استقبال الثاني الذي كان يتأهب لإمداده بحزمة اقتراحات تستهدف معاقبة الجزائر، في موقف يعكس رفض الرئيس الفرنسي لسياسة التصعيد في هذا الملف.
ووفق ما نقلته مصادر إعلامية فرنسية، فقد تقرر في اللحظات الأخيرة تأجيل اللقاء الذي كان مرتقباً بين الرجلين مساء الخميس 24 تموز/يوليو، حيث قرّر ماكرون تكليف الوزير الأول فرنسوا بايرو باستقبال روتايو.
وجاء هذا التطور، في أعقاب مقابلة مثيرة مع مجلة “فالور أكتويل” التي تعبر عن صوت اليمين المتطرف، نُشرت قبل يومين فقط من الموعد المؤجل، تحدث فيها روتايو بأن الماكرونية “ستنتهي برحيل إيمانويل ماكرون”، قائلاً إن هذا التوجه “ليس حركة سياسية ولا أيديولوجيا، بل مشروع شخصي لرجل واحد”.
وأضاف أن “الماكرونية بنهجها الوسطي تغذي العجز السياسي”، معلناً أن مشاركته في الحكومة لا تعني انخراطه في هذا المشروع، بل جاءت من منطلق “تحمّل مسؤولية وطنية في مواجهة خطر اليسار الشعبوي”.
وأثارت هذه التصريحات سخط قصر الإليزيه، الذي اتخذ قراراً بتأجيل اللقاء دون تحديد موعد جديد، فيما أرجعت مصادر سياسية مطلعة في تصريحات لجريدة لوفيغارو، سبب التأجيل إلى رغبة ماكرون في تفادي مواجهة محتملة كان يخطط لها روتايو حول ملف الجزائر، الذي يشهد تعقيدات مستمرة، خصوصاً ما يتعلق بإعادة المهاجرين المرحّلين وتجميد التعاون القنصلي.
وكان روتايو يعتزم وفق مقربين منه، تقديم جملة من الاقتراحات خلال اللقاء مع ماكرون، تشمل: تجميد الأصول الجزائرية في فرنسا، إعادة النظر في سياسة منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين، واتخاذ تدابير انتقامية ضد شركات الطيران الجزائرية، مع المطالبة بالعودة إلى الموقف الذي تبناه فرانسوا بايرو في شباط/ فيفري الماضي، بعيد الهجوم بالسكين الذي نفذه مهاجر جزائري خاضع لأمر ترحيل.
وفي غمرة ذلك، أكد مقرّبون من ماكرون أن الوزير روتايو كان يستعد لاستخدام لقائه مع الرئيس لفرض وجهة نظره حول طريقة إدارة الملف الجزائري، خاصة في ظل التصعيد الأخير واتهامات متبادلة بين باريس والجزائر، ما دفع ماكرون إلى قطع الطريق على ما اعتبره محاولة لـ”تصفية حسابات سياسية داخل الحكومة”.
وبينما لم يُحدَّد بعد موعد جديد للقاء الرئيس بالوزير، توجه روتايو مساء الخميس إلى قصر ماتينيون لعقد اجتماع بديل مع فرانسوا بايرو، أحد أبرز الوجوه السياسية في الأغلبية، في خطوة فسّرها البعض بأنها محاولة للحد من تصاعد التوتر وتجنب مزيد من الانقسام داخل الجهاز التنفيذي.
وفي رد فعله، اختار روتايو التقليل من أهمية إلغاء الاجتماع، موضحاً خلال زيارته إلى أحد مراكز الشرطة في الدائرة العشرين بباريس أن “اللقاء سيتأجل فقط، لأن هناك عدة ملفات سنناقشها لاحقاً”، مشدداً على أنه لا يرى “أي سبب لمغادرة الحكومة ما دامت قراراتها تصب في المصلحة الوطنية وتتماشى مع قناعاته”.
وكانت هذه الخلافات، قد فاقمت السجال داخل الأغلبية الرئاسية، إذ خرجت وزيرة التربية إليزابيث بورن، الرئيسة السابقة للحكومة، لتهاجم روتايو عبر منصة “إكس”، مؤكدة أن تصريحاته “تقوّض الأسس المشتركة للأغلبية” وتضعف الجبهة الموحدة في مواجهة “التطرف السياسي”. وأضافت أن “العمل المشترك يتطلب احتراماً متبادلاً”، مشددة على أن “الماكرونية هي أيديولوجيا وحزب سياسي في آن واحد”.
وانضمت وزيرة التحول البيئي السابقة، أنياس بانييه-روناشر، إلى قائمة الذين ردوا بغضب، معتبرة أن الماكرونية “تمثل خيار الفعل في مواجهة الشعبوية، والوحدة في مواجهة الانقسام، وهي التي حافظت على تماسك البلاد في وجه الأزمات”.
ويُظهر هذا التطور أن الخلاف بين الرجلين تجاوز حدود التصريحات الإعلامية، ليأخذ طابعاً مؤسساتياً، في ظل تمسك روتايو بخطابه المتشدد ورفضه الكامل لأي مهادنة مع السلطات الجزائرية، مقابل حرص ماكرون على إبقاء قنوات الاتصال مع الجزائر مفتوحة رغم توتر العلاقات.
مواقف روتايو وردود الجزائر
ولا يتردد روتايو في استخدام كامل صلاحياته من أجل تنفيذ رؤيته حتى ولو على حساب الانسجام الحكومي مستغلا عجز الرئيس عن إقالته بسبب عدم تمتعه بأغلبية صريحة، فقد قرر قبل أيام استهداف 44 شخصية جزائرية بمنعها من السفر والإقامة في فرنسا، وذلك بهدف الضغط على الجزائر بشأن ملف الهجرة غير النظامية وقضية الكاتب المسجون بوعلام صنصال.
وكشفت مجلة باري ماتش الفرنسية، في تقرير لها أن وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو شرع في تنفيذ ما وصفته بـ”إجراءات صارمة” تستهدف شخصيات رفيعة من النخبة الجزائرية، في إطار سياسة “رد تدريجي” تهدف إلى إرغام الجزائر على قبول استعادة مواطنيها الذين تعتبرهم باريس “خطرين” ويتواجدون على الأراضي الفرنسية بشكل غير قانوني. وتشمل هذه الإجراءات، بحسب التقرير، إلغاء الامتيازات الدبلوماسية التي كانت تسمح لـ”النخبة” الجزائرية، من سياسيين وعسكريين واقتصاديين، بالتنقل أو الإقامة أو حتى العلاج في فرنسا. وبلغ عدد الشخصيات المستهدفة بالمرحلة الأولى من هذه القيود 44 شخصية جزائرية، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 80 مع نهاية اليوم ذاته، وفقا لمصادر المجلة.
وفي موقف ثان، أعلن روتايو عزمه توجيه تعليمات إلى المحافظات الفرنسية “بعدم الاعتداد بجوازات السفر التي تصدرها القنصليات الجزائرية للمواطنين الجزائريين لغرض الحصول على تصاريح الإقامة”. مبرزا أن هذه الوثائق لن تُعتمد ضمن أي طلبات للتسوية أو الإقامة على التراب الفرنسي.
ودفع ذلك الخارجية الجزائرية إلى الرد عبر مصدر مأذون اعتبر أن تصريح الوزير الفرنسي يتصف بطابع تعسفي وتمييزي، ويُعد إساءة لاستعمال السلطة، لا سيما أنه يتعارض صراحة مع التشريع الفرنسي نفسه، ما يجعل الموقف غير مؤسس قانونياً ولا يستند إلى أي قاعدة من القانون الفرنسي.
وأوضح المصدر أن عدم الاعتراف بهذه الجوازات، على النحو الذي جاء في تصريح وزير الداخلية الفرنسي، يشكل مساساً مباشراً بحقوق المواطنين، ويعكس انزلاقاً خطيراً نحو ممارسات تمييزية، لا تخدم العلاقات الثنائية ولا تراعي الالتزامات القانونية والإدارية القائمة بين البلدين.
وفي قرار آخر، عمد روتايو وفق ما كشفت عنه الخارجية الجزائرية، إلى منع الأعوان المعتمدين بسفارة الجزائر في باريس من الوصول إلى المناطق المقيدة بالمطارات الباريسية بغرض التكفل بالحقائب الدبلوماسية.
وقالت وزارة الشؤون الخارجية، في بيان رسمي، إنها أخذت علماً “بكثير من الاستغراب” بهذا الإجراء الذي يُعد “مساساً خطيراً بحسن سير عمل البعثة الدبلوماسية الجزائرية في فرنسا”، وانتهاكاً صريحاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، لا سيما المادة 27، الفقرة 7، التي تنص بوضوح على حق أي بعثة دبلوماسية في “إيفاد أحد أفرادها لتسلم الحقيبة الدبلوماسية من ربان الطائرة بصورة مباشرة وحرة”.
وأوضح البيان أن السلطات الجزائرية باشرت، فور وقوع الحادثة، خطوات دبلوماسية على محورين، إذ استقبلت وزارة الشؤون الخارجية في الجزائر القائم بأعمال سفارة فرنسا من أجل طلب توضيحات، في حين تواصل القائم بأعمال السفارة الجزائرية بباريس مع المصالح المختصة بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية للغرض نفسه.
وكشفت الوزارة أن المساعي التي قامت بها الجزائر في كل من الجزائر العاصمة وباريس أفضت إلى التأكيد أن هذا الإجراء تم اتخاذه من طرف وزارة الداخلية الفرنسية “دون علم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية”، و”في انعدام تام للشفافية ودون أي إشعار رسمي”، ما يخالف تماماً القواعد الأساسية للممارسات الدبلوماسية.
وفي ختام البيان، أكدت الجزائر أنها قررت تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بشكل “صارم وفوري”، كما تحتفظ لنفسها بحق اللجوء إلى “جميع السبل القانونية المناسبة”، بما في ذلك إخطار منظمة الأمم المتحدة، من أجل الدفاع عن حقوقها وضمان حماية بعثتها الدبلوماسية في فرنسا.
وتتيح اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، تمكين أعوان السفارات (أي موظفي البعثات الدبلوماسية) من استلام أو تسليم الحقيبة الدبلوماسية مباشرة في المطار، أي من وإلى الطائرة، دون عراقيل أو تفتيش من سلطات الدولة المضيفة. والمعروف أن الحقيبة الدبلوماسية هي وسيلة رسمية وآمنة تُستخدم لنقل الوثائق والمواد الخاصة بالسفارات والقنصليات بين الدولة الموفدة وسفاراتها في الخارج. وتحظى هذه الحقيبة بحصانة مطلقة إذ لا يجوز فتحها أو احتجازها.
تعليقات الزوار
مجرد تساؤل
مجرد تساؤل ما أعظمك يا جزائر!؟ 1- جاءه الرد من زميله وزير الخارجية، جون نوال بارو، عبر منشور في منصة "إيكس"، قال فيه ما نصه: "لا توجد دبلوماسية قائمة على المشاعر الحسنة، ولا دبلوماسية قائمة على الاستياء. هناك فقط الدبلوماسية" انتهى الاقتباس على الرابط التالي: "https://x.com/jnbarrot/status/1946272746645688391" 2- هذا الرجل كان عليه أن يستقيل منذ شهور. فقد سبق له أن هدد في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" يوم:15/03/2025 بالاستقالة إذا تراجعت بلاده أمام الجزائر، في قضية الرعايا الموجودين بصورة غير نظامية. ولحد الآن ليس فقط الجزائر رفضت استقبال أي أحد من قائمة 60 مرحل التي أعدتها وزارته، بل أعادت كل من حاول تهجيره بالقوة. 3- رفضت الجزائر وأسقطت خطاب "المهل والإنذارات والتهديدات" التي صدرت عن رئيس الحكومة الفرنسية يوم:26/02/2025 بإلغاء اتفاقات الهجرة في غضون شهر أو 6 أسابيع. مضت 6 أسابيع أربع مرات، ولم يجرؤ أن يُغير حرفا من أي اتفاقية. 4- الجزائر لم تبق مكتوفة الأيدي بل هي التي بادرت بالتصعيد وزلزلت فرنسا، وأدخلت الفوضى بين أعضاء حكومتها لما طردت 12 دبلوماسيا فرنسيا. صدق جعبوب لما خاطب الفرنسيين بما نصه: "أن زيارة باريس لا هي من أركان الإسلام ولا من مقومات وطنيتنا، وأن رفض منح التأشيرة الفرنسية لن يغلق لا أبوب الجنة ولا أبوب العالم في وجوه الجزائريين، وأن باريس ليست الوجهة الوحيدة لا للسياحة ولا للتعليم ولا للتداوي" انتهى الاقتباس ودليل ذلك زيارة تبون إلى ايطاليا التي فعلت الأفاعيل في الفرنسيين. وصدق تبون لما كان يستشهد ببيت شعر لشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا: قل الجزائر واصغ إن ذكر اسمها***تجد الجبابرَ ساجدين وركَّعا.