في الوقت الذي قضى فيه المغاربة نهاية الأسبوع في شوارع العاصمة الرباط، تلبية لدعوات المشاركة في مسيرات تضامنية مع فلسطين، حيث كان السبت والأحد موعدا لأمواج بشرية رفعت علم فلسطين ونادت باسمها وطالبت بالحق لأهلها؛ كان هناك بالتوازي مع غضب الشوارع في الواقع، غضب ثقافي في الشوارع الرقمية، بسبب مقال نشره الكاتب المغربي الفرنسي الجنسية، الطاهر بنجلون، في صحيفة “لوبوان” ذات التوجه اليميني.
وهاجم بنجلون في مقاله، حسب ما تداولته مواقع إخبارية، “المقاومة الفلسطينية” المتمثلة في “حركة حماس” بل حسب التعبير الوارد في ورقة نشرها موقع “لكم” نقلا عن مقال بنجلون، فإن ما قامت به “حماس” خلال هجومها على إسرائيل لم تكن لتفعله الحيوانات، كما وصف رجال المقاومة الفلسطينية بأنهم “بلا ضمير، بلا أخلاق، ولا إنسانية”، كما تحدث عن انتهاء القضية الفلسطينية في اليوم الذي شنت فيه “حماس” هجومها على مستوطنات إسرائيلية.
المقال المذكور الذي لم يتردد الكاتب الحاصل على جائزة “كونغور” في نشره، أثار غضبا عارما في صفوف المثقفين والكتاب والإعلاميين المغاربة، ورد عليه المفكر والكاتب إدريس هاني في منصة خاصة على تطبيق التراسل الفوري “واتساب”، قائلا باللغة الفرنسية ما معناه “من يستطيع تحديد يوم وفاة قضية نبيلة… قضية أغلى حتى من جائزة (غونكور) وبعض الثرثرة في نقطة دون النقاط على الحروف؟”، ويقصد ترجمة صحيفة “لوبوان” التي تعني النقطة، وختم بالقول “فعلا تستحق بصق (حنظلة) الصغيرة بامتياز!؟”.
“الفيسبوك” حمل الكثير من الردود القوية والقاسية، وتعتلي تدوينة كتبها الشاعر والناقد صلاح بوسريف الواجهة، حين خاطب بنجلون بالقول “شكرا الطاهر بنجلون، حين اعتبرت إسرائيل ضحية، واعتبرت المقاومة إرهابا، وما فعلته (حماس) ليس، سلوكا حيوانيا، بل ما دون الحيواني، وأن القضية الفلسطينية انتهت. وهذا كلامك”.
وتابع بوسريف سائلا بنجلون “أين كنت خلال عقود من التهجير، والذبح، والقتل، والدمار الذي تمارسه إسرائيل على الفلسطينيين، بأحدث وأعتى وسائل القتل والمحو والدمار، وما قتل من أطفال ونساء وشيوخ، وما جرف من حقول القمح والزيتون، وما سرق من بيوت وأراض من أصحابها لتتحول إلى مستوطنات، وما حدث في صبرا وشتيلا..”، وزاد متسائلا “فمن الضحية ومن الجلاد، ومن الحيوان، ومن دون الحيوان… فطوبى لمن فضحت أقنعتهم وجوههم”.
الإعلامية والكاتبة المغربية سعيدة شريف، نشرت بدورها تدوينة ردا على مقال بنجلون، مبرزة أن “المأساة الحقيقية، كما يقول محمد الشرقاوي في هذا المقال، ليست في إنسانية احتكارية من أجل الإسرائيليين وضد غيرهم، بل أن تتساهل الثقافة ويتراجع المثقفون عن مبدئية القيم برمتها، أو تفصيل الإنسانية حسب مقاسات محددة ووفق اعتبارات معينة”.
وبغصة جلية أضافت شريف “على مر أكثر من ثلاثين عاما، لم أتخيل أن هذا الأديب الموقّر سيقف في طابور المطبّعين اللاهثينلشد عضد إسرائيل، وتقديم قرابين الوفاء والولاء لنصف الحقيقة، ونصف الحق، ونصف الإنسانية”.
واختصر الكاتب والشاعر بوعلام الدخيسي مسافة “الصدمة” من مقال بنجلون بقوله “صراحة، لم أجد ما أقوله” ونشر برفقة التعليق صورة للطاهر بنجلون ومعها عنوان مثير من مقالته.
أما أحمد حموش فقد قال “لم أصدق وأنا أقرأ مقال الطاهر بنجلون في (لوبوان) الفرنسية أنه على هذا القدر من الجهل!”، وأضاف موضحا “أفهم أن يتبنى صف إسرائيل والغرب- ولي جوائزه ونعمه- لكن بهذه الطريقة؟..”، وختم بالدارجة المغربية ما معناه “الصراحة ليس طاهرا ولا أي شيء، وأنا عشقي الأبدي للطاهر بلفرياط”، وهذا الأخير هو اسم بطل مسلسل مغربي شهير، وتعليقا على هذا التدوينة قال متابع “الق نظرة على ما قاله آمين معلوف أو ما كتبه كمال داود في هذا الصدد وسيغمى عليك”.
وبالنسبة للكاتب والأكاديمي يحيى اليحياوي، فإن “الطاهر بنجلون يقول بجريدة (لوبوان) الفرنسية، لتوصيف رجال (طوفان الأقصى): (لا.. هؤلاء ليسوا حيوانات.. الحيوانات لم تكن لتفعل ما فعلته حماس.. إنهم بلا ضمير، بلا أخلاق، ولا إنسانية).. ثم يستنكر بقوة (الإصابة التي لحقت بالإنسانية جمعاء جراء هجوم حماس على الإسرائيليين)، (انتهى الاقتباس)…”.
ويوضح اليحياوي في تدوينته، أن “هذا كلام صادر عن رجل لا يستحق الرد… لكنني سأقول له التالي: إذا كان ثمة من يرفع شعار (كلنا إسرائيليون) ثم (كلنا فلسطينيون)، فأنا أتشرف برفع شعار: (كلنا حيوانات)، لأنها صفة تضعني ضمن خانة الرجال…”، وختم بالدارجة المغربية “كن أنت فقط ابن أدم”.
المزيد من التدوينات التي تحولت إلى “طوفان” أغرق مقال الطاهر بنجلون، وأعادت إلى الأذهان الكثير من الآراء السابقة في أدبه وما يكتبه من روايات.
تعليقات الزوار
لا تعليقات