قد يبدو ما أقوله غريبا للبعض، ولا اخفي انني ترددت في كتابة هذه الفقرة، لانني ادرك ان الذين سيقرأون لن يتقاسمو معي نفس الفكرة. حسنا، مر أسبوع تقريبا على بداية الحرب، مالذي تغير؟ لاشيء بالنسبة لنا، كان العالم غارقا في كورونا، هناك اموات في الدولة الفلانية، هناك حجر في الدولة الفلانية. الجرعة الثالثة مهمة. اللقاح الصيني فعال.. كان العالم منكمشا، يبحث عن مخارج من تلك الورطة. حتى مجيء كورونا كان صادما، مختلفا، مميزا، مبدعا. لم تكن الأحداث قبل ذلك تصيب العالم الغربي، حروب في الشرق، يتسيدها الامريكان. بنفس سيناريوهات هوليود، هم مخلصو البشرية من الشر. يتحملون كل المشاق من اجل أن يبثو السلم في العراق!! او في مكان آخر!! وفي الحقيقة كلها هرطقات لاتغني الدول النامية في شيء.

جاءت كورونا بشكل سريالي، عجيب، غريب. باسلوب آخر يوزع الموت على الجميع دون استثناءات. ربما هي الحدث الوحيد الذي تساوت فيه الارواح في هذا العالم. مابعد كورونا هو هذه الحرب على اوكرانيا، التي كانت لتنشب قبل ثماني سنوات، لا اعرف تحديدا مالذي أخر ذلك. ربما لان بوتين يبحث عن ممثل يتقن الضحك على العالم، هناك من يشكك في كون زلنسكي يعمل لصالح بوتين، ويريد جر اوروبا الى الحرب لاغير. على كل لنترك هذا الاحتمال جانبا. روسيا في هذه السنوات، التي نددت فيها ببشاعة تعامل هذا البلد مع المستعمرتين.. حيث قتل روسيون كثر، ولعل اهم حدث قبل الحرب والذي يخفيه الاعلام الوقح، ان البهلوان زلينسكي قام بحظر الروسية في بلاده مع انها اللغة الام لهؤلاء، كيف تقمع شعبا، وتدفع بهم الى السجون لانهم تحدثو لغتهم الام؟ هذه النقطة بالذات امقت كل ديكتاتور يقوم بها، لانها تلد شعبا معاقا، مضطهدا، تابعا، ضعيفا.. هي ذريعة كافية لتحرير الانسان من هذا الاستغلال السافل.

في هذه الايام قرأت بجانب متابعتي للاخبار الكثير من المنشورات العاطفية التي تصدر عن اشخاص من العالم الثالث، حيث ان صورة امرأة حسناء تعانق حبيبها في محطة ميترو، او في الحدود، تشكل له صدمة نفسية بليغة بحسب منشوره. وهو الذي يعيش في مجتمع يعتبر المرأة التي لاتلبس حجابا وثيابا تظهر اناقتها عاهرة. وهذا نوع آخر من الاحتلال، احتلال ليس ناعما اطلاقا، بل هدام جدا ومنتج للحثالة. كما انني اعدت قراءة رواية لاحد المعارضين الفارين من "بطش" الكرملين، على حد وصف الصحافة الفرنسية له. الذي يشكك في ديانة بوتين، التي لايركز عليها احد، بحيث أنه يعتقد او لديه معلومات ما ان بوتين اعتنق الاسلام. هو الذي ينتمي الى الكنيسة الكاثوليكية. وربما هذا مايجعلني شبه متأكد خاصة ان معاملته للشيشان الفتية مثل معاملة الجزائر لتونس.

شخصية بوتين دقيقة جدا، ولا شيء يحدث بالصدفة، ديانته الاسلامية من جعلت الشيشان ينتفضون ويشاركون في حربه على اوكرانيا. الآن طردت روسيا من سويفت، وتم حظر طائراتها المدنية، والكثير من العقوبات التي صاغتها بلدان التحالف الهمجي، لكن هذا لن يغرقها أبدا في الفوضى كما يعتقدون، لديها نظام بديل، ولدى الصين نظام بديل يمكن العمل به، ثم ان الغاز يمكنه المرور عبر الصين ومن ثم الى بقية البلدان التي تستفيد منه، او بالاحرى يمكن الصين ان تحتكر الغاز الروسي. ليس هناك ما يؤخر روسيا، بل سيجد الغرب أنفسهم في ورطة، وسيحاولون العودة الى افريقيا للاستفادة من الغاز والقمح وسيدفعون من اجل تطوير الزراعة، لكنهم سيجدون الإصبع الوسطى، لانهم دمرو كل شيء، وآخر مافعلته فرنسا في الايام الفارطة ان قصفت عرسا لاحدى القبائل المالية.

ثم ان الازمة كبيرة بينها وبين الجزائر. مايشبه القطيعة. الروس بلد لديه عقل اكتسبه من تعثر الاتحاد السوفييتي، واظن أنه سيصل الى النقطة التي دمرته بنفس الاذرع التي كانت تقوم بدفنه هناك، وسيكون الجهاديون في صفه هذه المرة، لأنه سيهدد بنسف اسرائيل، وتحرير فلسطين. في الأيام القادمة سنرى محمود عباس يبارك احتلال اوكرانيا، وسنشاهد العرب ينضمون افواجا. امريكا بلد ذكي، يحفز كل حلفائه على التورط، وفي الاخير سيلعب دور الوسيط لايجاد الحلول. هناك قوة يخشاها الامريكان، هي الصين، وقد افشت كل الاسرار حول المباحثات الامريكية الصينية، التي عرضت فيها الاولى خيار الحياد.

 الصين لن تخون روسيا ابدا، هذا القطب الجديد ستمثله الجزائر في شمال افريقيا والساحل والشرق الاوسط، سيلجأ العرب الى هذا النظام الجديد، لهذا تحدث تبون ذات يوم.. لي يمس "الكويت او السعودية.." مسني.. واول التائبين هي الامارات التي خرج ولي عهدها اليوم ليكرر بان بلاده تحترم دفاع روسيا عن امنها. سوف نعيش في عالم افضل، عندما تنتصر الشيوعية، حليفة الانسان. الشيوعية التي برهنت للعالم مرة اخرى، ان الانسان آخر اهتمامات العالم الغربي الاناني، الذي تحدث فيه قادة بصريح العبارة " هؤلاء اللاجئون اوكرانيون وليسو كالآخرين.." هذه العنصرية سيدفعون ثمنها بشكل باهض، ثم أن دعوات زلنسكي لتشكيل فيلق اجنبي فضحت تورطهم في تجنيد ارهابيين خطيرين كانو يحاربون مع داعش، وهذه ورقة سرعان ما تنزع عن قضيتهم الفاشية ورقة التوت.. على كل حال ايها العاطفيون لا تستبقو الاوضاع فتضيع آرائكم.. من المفروض قبل اخذ راي عاطفي تلقي نظرة على صفحات الجزائريين هناك وغيرها من بلدان المغرب الكبير، وحتى العرب الآخرين، والافارقة، خاصة الزنوج الذين دفعو من الحافلات، ومن الميترو وحتى في الحدود يطردون للعودة ليمر الاوكران وغيرهم من الاوروبيين، هذه العنصرية المقيتة تكفي لنضع تعاطفنا جانبا.

هذا العالم الغربي الباهت الذي تقمص كثيرا وجه الملاك، فقد ذريعته تلك وظهر بوجه آخر. من الغريب جدا ان اقرأ لاسبانية تتحدث عن الازمة وتصف الغرب باقذع الاوصاف، واقرأ لجزائري ينتصر للالة الامبريالية الوحشية. ومن الغريب جدا ان يصدق الدعاية الاعلامية الرخيصة للاوكران الذين تخلى مئات الالاف منهم عن بلده في اول يوم من الحرب. المهم بالنسبة لنا نحن هو الموقف الرسمي للجزائر، وأظن أنه واضح عندما نعود قليلا الى الخلف، تحديدا الى حادثة اغلاق الانبوب الذي يمر عبر المغرب. ونترقب ان تصعد الجزائر وحتى ان تضع قواتها في الصحراء الغربية.

د.م