تحولت منطقة السراج غرب العاصمة طرابلس إلى مسرح لجريمة هزّت الأوساط الاجتماعية والحقوقية، بعد مقتل المواطنة وصانعة المحتوى الليبية خنساء المجاهد إثر تعرضها لإطلاق نار مباشر من قبل مسلحين مجهولين. الواقعة التي وثّقتها مقاطع مصوّرة عقب الحادثة، وأظهرت الضحية ملقاة على الطريق بعد أن فارقت الحياة متأثرة بإصابتها، فتحت الباب أمام موجة واسعة من ردود الفعل الغاضبة والمطالِبة بالتحقيق، وسط مخاوف من انعكاس الحادثة على الأمن المجتمعي وملف العنف ضد النساء.
في الساعات الأولى التي تلت عملية الاغتيال، بدأ تداول روايات أولية عن اللحظات الأخيرة للضحية، إذ ظهر أحد الشهود في تسجيل مرئي يؤكد أن خنساء حاولت الهروب والنزول من السيارة مع بدء إطلاق النار، بينما ظلت مركبتها في وضع التشغيل لنحو ساعة ونصف بعد مقتلها، في مؤشر يعزز الشبهات حول طبيعة الاستهداف ودقته. وحتى اللحظة، لم تتضح دوافع الجريمة أو الجهة التي تقف وراءها، ما زاد من حالة الغموض والاحتقان الشعبي.
وأمام الصدمة التي أحدثتها الحادثة، وجّه وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، تعليماته إلى الأجهزة الأمنية بفتح تحقيق عاجل في واقعة القتل. وشدد في مراسلات رسمية موجهة إلى المباحث الجنائية ومديريتي أمن طرابلس وجنزور على ضرورة تشكيل فريق عمل متخصص للبحث والتحري وجمع المعلومات للوصول إلى الجناة. هذه الخطوة اعتُبرت أول تحرك رسمي على مستوى السلطة التنفيذية، إلا أنها لم تخفف من حدة الانتقادات التي طالت الأداء الأمني، خاصة في ظل تزايد الجرائم المشابهة خلال الأشهر الأخيرة.
وعلى الجانب السياسي، أصدر المجلس الأعلى للدولة بيانًا قويّ اللهجة يوم السبت، أدان فيه ما سماها «الجريمة البشعة» التي راح ضحيتها «الخنساء محمد عبدالمجيد»، واصفًا الحادث بأنه «اعتداء خطير على الحق في الحياة وتهديد للأمن والاستقرار المجتمعي». ودعا المجلس النيابة العامة والأجهزة الأمنية إلى تحرك فوري لكشف ملابسات الجريمة والقبض على الجناة، مؤكدًا على ضرورة فرض مبدأ عدم الإفلات من العقاب، وشدد على أهمية فرض سلطة الدولة في جميع المناطق ومواجهة ظاهرة انتشار السلاح خارج الإطار القانوني، لافتًا إلى أن ضعف الردع يشكل بيئة خصبة لتكرار مثل هذه الاعتداءات.
ولم يكتفِ المجلس بالإدانة، بل شدد في بيانه على مسؤولية الدولة المباشرة في حماية النساء، داعيًا إلى تبني سياسات وطنية واضحة لمكافحة العنف ضد المرأة وتوفير آليات فعالة للوقاية والاستجابة. كما دعا المواطنين إلى التعاون مع الجهات المختصة والإبلاغ عن أي تهديدات دعمًا للأمن والسلم الاجتماعي، في رسالة تعكس حجم القلق من احتمالات توسع دائرة الجرائم ذات الطابع المجتمعي.
على المستوى الاجتماعي والقبلي، حمّل مشايخ وأعيان الزاوية، في بيان صدر عقب الحادثة، النائب العام ووزارة الداخلية في حكومة الدبيبة، مسؤولية التحقيق العاجل في جريمة اغتيال خنساء، مؤكدين أن التباطؤ في التحقيق «سيفتح الباب أمام سلسلة من الاغتيالات تهدد أمن المجتمع بأسره». وفِي لهجة غاضبة، عبّر الأعيان عن صدمتهم من الجريمة التي وصفوها بـ«البشعة»، مشيرين إلى أنها هزت المجتمع وخلّفت طفلة يتيمة، وشددوا على أن «دم الخنساء لن يضيع»، وأن الحادثة تكشف انهيارًا خطيرًا في منظومة الردع والعدالة، معتبرين أنّ ما حدث بمثابة اعتداء مباشر على السلم الأهلي وتهديد للنسيج الاجتماعي.
أما منظمة رصد الجرائم في ليبيا، وهي إحدى المنظمات الحقوقية المحلية، فقد وثّقت الجريمة وأدانتها بشدة، مؤكدة أن عملية القتل تعد «جريمة خارج نطاق القانون»، وحمّلت حكومة الدبيبة المسؤولية القانونية عن حماية المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ودعت المنظمة النائب العام إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف وضمان محاسبة المسؤولين عنها، محذرة من استمرار الانتهاكات بحق المدنيين في ظل ضعف الإجراءات الأمنية وتزايد حالات الإفلات من العقاب.
وعلى الصعيد الدولي، دخلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على خط التنديد، حيث أدانت بشدة مقتل خنساء المجاهد، التي وصفتها في بيانها بأنها «صانعة محتوى وناشطة اجتماعية كانت تمارس حياتها الطبيعية قبل أن تتعرض لإطلاق نار مباشر أثناء تنقلها بسيارتها». وقدّمت البعثة تعازيها لأسرة الضحية، معتبرة أن الحادث «يسلط الضوء على تصاعد العنف ضد النساء في ليبيا، لا سيما استهداف الناشطات في الحياة العامة». ودعت البعثة السلطات إلى فتح تحقيق «سريع وشفاف»، واتخاذ خطوات جادة لوقف هذا النمط من العنف. كما حثت سكان المنطقة على ضبط النفس وتجنب ردود الفعل التي قد تسهم في رفع مستوى التوتر. وتزامنت ردود الفعل مع تداول معطيات إضافية حول هوية الضحية، إذ تُعد خنساء المجاهد زوجة معاذ المنفوخ، أحد القيادات البارزة في مجموعات مسلحة بمدينة الزاوية، وعضو ملتقى الحوار السياسي الليبي الأسبق والمتحدث السابق باسم ما يعرف بـ»غرفة العمليات المشتركة للدفاع عن المنطقة الغربية». كما عُرفت الراحلة بنشاطها في مجال تصميم الأزياء والتجميل، وحضورها الواسع على منصات التواصل الاجتماعي، ما أضفى على الحادثة بعدًا اجتماعيًا واستقطابًا إعلاميًا واسعًا.
ومع اتساع رقعة الإدانة، يتواصل الجدل في ليبيا حول أسباب الجريمة وخلفياتها، وسط غياب أي إعلان رسمي عن هوية الفاعلين أو دوافعهم. وبينما تنتظر الأسرة والرأي العام نتائج التحقيقات، تتصاعد المخاوف من أن يشكل هذا الاغتيال سابقة خطيرة قد تدفع نحو مزيد من الانفلات وتكرار الاعتداءات، خاصة في ظل انتشار السلاح وضعف المؤسسة الأمنية. وبين المسؤوليات المتبادلة والبيانات الرسمية، يبقى السؤال الأكبر معلقًا: هل تتمكن الجهات المختصة من كشف الحقيقة سريعًا، أم ستضاف خنساء إلى قائمة ضحايا لا تزال ملفاتهم مفتوحة؟
ليبيا تهتز على وقع اغتيال خنساء المجاهد

تعليقات الزوار
لا تعليقات