أخبار عاجلة

وصول موجة جديدة من اللاجئين الماليين إلى الشرق الموريتاني

في وقت تشهد فيه منطقة الساحل تصعيداً غير مسبوق في العنف والاضطرابات، تواجه موريتانيا من جديد، تحديات إنسانية وأمنية معقدة جراء تدفق موجات جديدة من اللاجئين الفارين من الوضع المتدهور في مالي، خاصة في مناطقها الشرقية عند حدود ولاية الحوض الشرقي.
وبينما لم تتحدث الحكومة الموريتانية عن الوضع لحد الآن، أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن وصول أكثر من ألف لاجئ جديد هذا الأسبوع إلى الحدود الجنوبية الشرقية لموريتانيا، هرباً من انعدام الأمن والتصعيد العسكري في مالي، في ظل استمرار العنف من جماعات متطرفة وجماعات مسلحة مختلفة.
ووصفت المفوضية ظروف الحياة لهؤلاء اللاجئين بأنها «صعبة للغاية»، مع ارتفاع أعداد النساء والأطفال والمسنين بين الوافدين الجدد.
ومنذ عام 2012، يشهد شمال ووسط مالي أزمة أمنية حادة تغذيها أعمال العنف التي تمارسها جماعات بينها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (المنتمية لتنظيم القاعدة) وتنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى الجماعات الإجرامية المحلية والصراعات بين الفاعلين المسلحين، ما دفع مئات الآلاف إلى الفرار.
ويأتي هذا التدفق الجديد في سياق موجة مستمرة من النزوح، حيث تُشير تقديرات المنظمات الدولية إلى أن أكثر من 169,000 لاجئ مالي يتواجدون في موريتانيا حتى منتصف عام 2025، وهو رقم ارتفع بشكل حاد في السنوات الأخيرة بسبب تدهور الوضع في مالي.
وكانت موريتانيا قد سجّلت دخول أكثر من 1,100 لاجئ مالي خلال الأسبوع المنصرم وفقاً لمصادر أمنية، مما رفع إجمالي الوافدين منذ 24 تشرين الأول/ أكتوبر إلى نحو 7,310 شخصاً، في أرقام يُعتقد أنها أقل من الواقع الفعلي نتيجة دخول العديد منهم عبر نقاط غير رسمية يصعب تتبعها وتسجيلها.
وتقع معظم هذه التدفقات في مقاطعات مثل باسكنو والنعمة بولاية الحوض الشرقي، وهي مناطق تعاني أصلاً من ضعف الخدمات الأساسية ونقص الموارد. ويعيش الكثير من اللاجئين في مخيم امبره المكتظ الذي تجاوز طاقته الاستيعابية، إضافة إلى تجمعات خارج المخيم في قرى حدودية منتشرة، ما يجعل الوضع الصحي والغذائي وخدمات المياه والصرف الصحي فوق قدرة النظام الإنساني الحالي.
وأكدت تقارير متعددة من وكالات الإغاثة أن الضغط على البنية التحتية المحلية كبير جداً، حيث تتطلب الاحتياجات الأساسية دعماً دولياً إضافياً لتغطية الغذاء، والمياه، والصحة، والحماية، والتعليم، خصوصاً مع ارتفاع نسبة النساء والأطفال بين اللاجئين، الذين يشكلون غالبية الوافدين الجدد.
وفي مواجهة هذا الضغط، أعلنت مؤسسات دولية مثل البنك الإفريقي للتنمية تخصيص منحة عاجلة بقيمة 500,000 دولار لدعم الاحتياجات الإنسانية للمجتمعات المضيفة واللاجئين في الحوض الشرقي؛ وتشمل هذه الاحتياجات تحسين خدمات المياه والنظافة والصحة.
كما لم تتأخر المفوضية الأوروبية في تقديم مساعدات إنسانية إضافية تبلغ ملايين اليورو للمساهمة في دعم السكان النازحين واللاجئين، فضلاً عن خدمات التسجيل والحماية الأساسية.
ويتداخل البعدان الإنساني والأمني بشكل متزايد، إذ إن استمرار النزاع في مالي لا يدفع الناس فقط إلى الفرار، بل يُنشط أيضاً شبكات التهريب والمخاطر الأمنية على طول الحدود، في سياق فوضى مسلحة تجعل من تأمين الحدود وإدارة التدفق البشري تحدياً مزدوجاً للحكومة الموريتانية؛ كما أن ضعف الإمكانيات يعرّض اللاجئين والمجتمعات المحلية لمخاطر إضافية مثل الأمراض، واستغلال الأطفال، وتهديدات تتعلق بالحماية.
وعلى المستوى الوطني، تتزايد المطالبات بزيادة الدعم الحكومي والمجتمعي لتحمل هذه الأعباء، إذ يشير المواطنون في مناطق الاستقبال إلى أن الموارد المائية والزراعية والصحية بدأت تُواجه ضغطاً كبيراً جراء العدد المتزايد من السكان، ما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية مستقبلية إذا لم تُسد الثغرات بسرعة.
وبينما تكافح موريتانيا لإيجاد توازن بين واجبها الإنساني والتحديات الأمنية والاقتصادية، تظل الأزمة في مالي قنبلة موقوتة تدفع المزيد من المدنيين إلى الحدود الشرقية.
ويبدو أن التصدي لهذه الأزمة يتطلب استجابة دولية أوسع وأسرع تلبية للاحتياجات المتصاعدة، مع تعزيز قدرات الدولة الموريتانية والمجتمعات المحلية على حد سواء، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية خطيرة في قلب منطقة الساحل.
ويعكس هذا الواقع المستجد حجم التحدي الذي تواجهه السلطات الموريتانية والمجتمعات المستضيفة، خاصة في ولايات الحوض الشرقي، حيث تتزايد الحاجة إلى المياه والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية.
ورغم التزام موريتانيا بنهج إنساني قائم على الاستقبال والحماية، فإن استمرار تدفقات اللجوء بوتيرتها الحالية يطرح إشكالات جدّية تتعلق بقدرة الاستيعاب المستمر لا سيما في ظل محدودية الإمكانات الوطنية؛ كما أن الطابع الديمغرافي لغالبية الوافدين، من نساء وأطفال، يفرض أعباء إضافية تتطلب تدخلات متخصصة وعاجلة في مجالات الحماية الاجتماعية والدعم النفسي والخدمات الأساسية.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحّة إلى تحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته في تقاسم أعباء هذه الأزمة، عبر تعزيز الدعم الإنساني والمالي لموريتانيا، وتكثيف تدخلات الشركاء الدوليين والمنظمات الأممية؛ فالتعامل مع هذه الظاهرة لا ينبغي أن يقتصر على الاستجابة الطارئة، بل يتطلب مقاربة شاملة تدمج البعد الإنساني بالتنموي، بصورة تشمل اللاجئين والمجتمعات المستضيفة في آن واحد، بما يضمن الاستقرار الاجتماعي ويحدّ من التداعيات الأمنية والاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات