أخبار عاجلة

قيادة جديدة للحزب الحاكم بموريتانيا وترقّب لانطلاقة الحوار السياسي

تشهد الساحة السياسية الموريتانية مع نهاية عام 2025 وقرب استهلال العام الجديد، حراكاً لافتاً داخل حزب الإنصاف الحاكم، يتزامن مع حالة ترقّب واسعة لقرار رئاسي حاسم بشأن مستقبل الحوار السياسي الوطني الذي أعلن عنه الرئيس ولد الشيخ الغزواني، وسط انتظارات بإصلاحات سياسية وإدارية عميقة.

وفي سياق يوصف داخل الحزب نفسه بغير المسبوق، عقد المجلس الوطني لحزب الإنصاف دورة طارئة لمجلسه الوطني أفضت إلى انتخاب محمد ولد بلال مسعود رئيس الوزراء السابق رئيساً للحزب، خلفاً للقيادة السابقة، في خطوة تُفسر بأنها جزء من مسار إصلاحي شامل يهدف إلى معالجة اختلالات هيكلية طالت الهيئات القيادية والقاعدية.
وتطبيقاً للنصوص المنظمة، واستجابة لما يعتبره الحزب «متطلبات المرحلة السياسية»، تم استحداث هيئتين قياديتين جديدتين، هما المكتب السياسي ويضم 78 عضواً، واللجنة الدائمة وتضم 33 عضواً، وتُكلّف بمتابعة العمل الحزبي اليومي ودعم الهيئات القاعدية. وأكد المكتب السياسي الجديد، خلال أولى جلساته، أن الحزب يعمل مع الحكومة على أرضية واحدة لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية «طموحي للوطن»، مشدداً على ضرورة تنزيل مضامين خطابات الرئيس على حياة المواطنين، بما يعزز العدل والمساواة، ويُقرب الإدارة من المواطن، ويُحدث تغييراً في العقليات والسلوكيات داخل الإدارة العمومية. وشدد الحزب على اعتماد مقاربة المكافأة والعقاب، وثمّن ما تحقق للشباب والنساء خلال مأمورية الرئيس، داعياً إلى تعزيز تمكينهما سياسياً واقتصادياً.
ومن بين القرارات التي اتخذتها القيادة الجديدة للحزب، التمديد المؤقت للهيئات الحزبية، مع إلزامها بتنظيم تشاور واسع لإعداد خطة لتجديد بقية الهيئات، في إطار استكمال مسار الإصلاح؛ كما دعا الحزب إلى تقوية بنيته الإدارية والتنظيمية، والتركيز على الهيئات القاعدية لتعزيز العمل الحزبي والمواطنة، وتكثيف التنسيق مع أحزاب الأغلبية لبناء كتلة سياسية قوية داعمة لبرنامج الرئيس.
غير أن مؤتمر الحزب الحاكم توازى مع انتقادات لاذعة وجهها عبد السلام حرمة رئيس حزب الصواب (البعث الموريتاني)، لنظام الرئيس الغزواني حيث اتهم السلطات الحاكمة بالعجز والارتباك في مواجهة التحديات التي تهدد وحدة موريتانيا وانسجامها الاجتماعي، معتبراً أن القوانين التي تُسنّ لا تجد طريقها إلى التطبيق، وأن مواد أساسية من دستور الجمهورية معطَّلة، وفق تعبيره.
وقال ولد حرمة، في كلمة ألقاها خلال الدورة الثانية للمجلس المركزي لحزب الصواب، إن جملة من الترتيبات القانونية الجوهرية لا تزال غير مفعّلة، خصوصاً تلك المتعلقة بمحاربة الفساد والزبونية داخل الإدارة، متهماً السلطة بالإبقاء على ممارسات وصفها بالمناقضة لفلسفة الدولة ومؤسساتها.
وانتقد رئيس الحزب ما سماه استمرار هيمنة «السلطة الفردية» وغياب دور المؤسسات، معتبراً أن مقدرات الدولة تُعبّأ – بحسب قوله – لضمان ديمومة أنماط حكم تقليدية تقوم على القبيلة والجهة والشريحة والطبقة، في ظرف سياسي واجتماعي بالغ الحساسية.
ووصف ولد حرمة الأوضاع المعيشية للمواطنين بأنها تشهد تدهوراً «كارثياً»، رغم الظرفية الاقتصادية التي تتسم، حسبه، بوفرة الموارد وتضاعف ميزانية الدولة مع اكتشاف ثروات معدنية وطاقوية جديدة، معتبراً أن انتشار الفساد وضعف الحكامة حالا دون تحويل هذه الإمكانات إلى رافعة للتنمية والعدالة الاجتماعية.
ورأى رئيس حزب الصواب أن غياب الحكامة الرشيدة ساهم في تغذية خطاب الكراهية والتطرف، الذي انتقل -وفق تعبيره- من استهداف المجموعات الاجتماعية إلى تهديد الأفراد والشخصيات الوطنية، محذراً من تداعيات ذلك على السلم الاجتماعي والاستقرار العام.
وأكد ولد حرمة أن تشجيع حرية التعبير ورفع القيود عن الحياة السياسية والحزبية لا يتعارض مع التطبيق الصارم للقانون، خاصة ما يتعلق بحماية السلم العام، مشدداً على أن من واجب الأحزاب التنبيه المستمر إلى تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وتحدث رئيس الحزب عن «ارتفاع صاروخي» في أسعار المواد الأساسية، واستمرار فوضى الأسعار ومضاربات التجار المحتكرين، إضافة إلى ما وصفه بالتراجع الخطير للمنظومتين التربوية والصحية منذ عقود، في ظل توسع السوق الحرة في قطاعين اعتبر أن من الواجب أن يظلا خاضعين لإشراف الدولة.
كما نبّه ولد حرمة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية خلال الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع سعر صرف اليورو من نحو 400 أوقية إلى قرابة 500 أوقية، بين دورة المجلس السابقة في أبريل 2025 والدورة الحالية، معتبراً ذلك مؤشراً على تعمق الاختلالات الاقتصادية.
وفي الشق الأمني، حذّر ولد حرمة من تكرار حوادث القتل والاغتصاب وسلب الممتلكات في العاصمة نواكشوط، معتبراً أن ذلك أسهم في نشر حالة من الخوف لدى المواطنين، وداعياً إلى مضاعفة الجهود الأمنية للتصدي لما وصفه بتنامي مظاهر الانفلات الأمني.
وبالتوازي مع هذا الحراك السياسي، تظل الأنظار متجهة إلى القصر الرئاسي، حيث ينتظر الفاعلون السياسيون – موالاة ومعارضة – قرار الرئيس بشأن مآل الحوار السياسي.
فقد تسلم رئيس الجمهورية مطلع أكتوبر الماضي التقرير النهائي للمرحلة الأولى من التحضير للحوار، الذي قاده المنسق موسى فال، غير أن أي قرار رسمي لم يصدر حتى الآن بشأن المرحلة التالية.
ويتمحور الجدل حول عدة سيناريوهات بينها الإبقاء على موسى فال وتشكيل لجنة تنظيمية تشرف على الحوار، أو اعتماد مقاربة جديدة كلياً، أو محاولة إقناع حزب الرك بزعامة الحقوقي المعارض النائب بيرام الداه اعبيد، وحزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية بزعامة با مامادو بوكار، بالالتحاق بالمسار بعد أن قررا مقاطعته بدعوى انحرافه عن أهدافه الحقيقية.
ورغم عدم وجود أزمة سياسية حادة، يرى الرئيس الغزواني أن الحوار ضرورة لمعالجة الإشكالات القائمة واستباق الأزمات.
وقد حدّد المشاركون في المشاورات التمهيدية خمسة محاور أساسية للتشاور المرتقب، هي: الوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي، ودولة القانون والديمقراطية التعددية، والحكامة، الجاليات، الهجرة، مع إضافة محاور أخرى تشمل العدالة، والتعليم، والصحة، والاقتصاد، والدفاع والأمن.
وتبرز الإصلاحات الانتخابية كأحد أكثر الملفات حساسية، في ظل غياب المعارضة الديمقراطية عن البرلمان والمجالس المحلية، وانتقادات متواصلة للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتداخل المال والقبيلة والنفوذ الإداري في المسارات الانتخابية.
ويرى مراقبون أن تنظيم انتخابات محلية وتشريعية مبكرة بشروط شفافة ومتوافق عليها، قد يمنح الرئيس فرصة لإعادة ترتيب المشهد السياسي، وتجديد النخب، وإقصاء مراكز النفوذ التي تُتهم بتغذية الفساد والزبونية والقبلية داخل الإدارة.
كما قد تسمح هذه الخطوة بقطع الطريق أمام الطموحات المبكرة لخلافة الرئيس، وهي ظاهرة غير مألوفة في موريتانيا، سبق للرئيس أن حذّر منها خلال زيارته الأخيرة لولاية الحوض الشرقي، ملوّحاً بإبعاد من ينشغلون بالحسابات الشخصية عن تنفيذ برنامجه.
غير أن هذا الخطاب الصارم لم يُترجم بعد إلى إجراءات ملموسة، ما يفتح الباب أمام قراءات متباينة: فهل يراهن الرئيس على التدرج والتريث؟ أم أن موازين القوى داخل الإدارة والمشهد السياسي تعيق تسريع وتيرة الإصلاح؟
في كل الأحوال، يبدو أن الكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية، بينما ينتظر الموريتانيون أن تتحول الوعود المتكررة بالحوار والإصلاح إلى خطوات عملية، تفتح صفحة جديدة في مسار الانتقال الديمقراطي وتعزيز دولة المواطنة مع إطلالة السنة الميلادية الجديدة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات