أخبار عاجلة

انقسام حاد داخل مجلس النواب الليبي حول مفوضية الانتخابات

شهدت جلسة مجلس النواب الليبي، توترًا وجدلاً واسعًا بين رئاسة المجلس وعدد من أعضائه، على خلفية طريقة إدارة الجلسة وآلية التصويت على ملف استكمال مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في مشهد عكس عمق الانقسام السياسي والقانوني داخل المؤسسة التشريعية، وأعاد إلى الواجهة الإشكاليات المرتبطة بشرعية الإجراءات المتخذة، في ظل استمرار الخلاف حول القواعد الدستورية الناظمة للعملية الانتخابية، وتزايد الشكوك بشأن قدرة مجلس النواب على إدارة هذا الاستحقاق دون توافق وطني حقيقي.
وخلال الجلسة، أكد رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح أن التصويت على استكمال مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات «تم وانتهى»، محذرًا من أن أي اتجاه نحو حل المفوضية سيقود بالضرورة إلى تعطيل الاستحقاق الانتخابي بالكامل، قائلاً إن حل المفوضية يعني عمليًا غياب أي انتخابات قادمة، واعتبر أن الخلافات المستمرة حول توزيع المناصب السيادية بين الأقاليم تزيد من تعقيد المشهد السياسي، وتفتح مسارات خلاف جديدة لا مبرر لها بعد التصويت، على حد تعبيره.
وشدد عقيلة صالح على أن الخروج من الأزمة الليبية يمر عبر الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية، مؤكدًا في الوقت ذاته أن القوانين الانتخابية المعتمدة تُعد صحيحة حتى في حال عدم انعقاد لجنة (6+6) بكامل هيئتها المعتبرة، وهو موقف أثار مجددًا الجدل حول مدى التزام مجلس النواب بالإجراءات الدستورية، خاصة في ظل الطعون المتكررة التي طالت مسار صياغة هذه القوانين، واعتمادها في سياق سياسي منقسم.
كما وجّه رئيس المجلس انتقادات حادة للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، معتبرًا أن أحكامها كانت سببًا رئيسيًا في تعميق الانقسام السياسي، ولا سيما الحكم القاضي بعدم دستورية إنشاء المحكمة الدستورية الصادر عن مجلس النواب، واصفًا ذلك الحكم بأنه «كارثي وغير مبرر»، ومشيرًا إلى أن عدم نشر القوانين الانتخابية يكرّس الانقسام المؤسسي، وأن المحكمة العليا باتت، وفق توصيفه، ترفض أي حكم صادر عن المجلس.
ودعا عقيلة صالح إلى تأجيل مناقشة ميزانية المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى جلسة اليوم، على أن يواصل المجلس خلال جلسة الإثنين بحث ملف زيادة مرتبات أفراد المؤسسة العسكرية، في خطوة عُدّت من قبل عدد من النواب محاولة لإعادة ترتيب أولويات الجلسة بعيدًا عن النقاش المحتدم حول المفوضية، وما يحيط بها من خلافات قانونية وسياسية.
في المقابل، شن عضو مجلس النواب عزالدين قويرب هجومًا لاذعًا على رئاسة المجلس، منتقدًا بشدة طريقة إدارة الجلسة وآلية التصويت، ومؤكدًا أن ما جرى لا يعكس ممارسة برلمانية سليمة، وقال إن عددًا كبيرًا من النواب لم تُتح لهم الفرصة لإبداء آرائهم أو التدخل في النقاش، وإن التصويت جرى دون احترام حقهم في المشاركة، واصفًا الجلسة بأنها من أسوأ الجلسات التي شهدها المجلس منذ انضمامه إليه.
وأوضح قويرب أن التصويت تم على ملفات وقوانين لا تزال محل نقاش واسع، وعلى رأسها ملف المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، دون وضوح بشأن اكتمال النصاب القانوني أو اتباع إجراءات تصويت شفافة، معتبرًا أن هذا الأسلوب يقوّض الثقة في مخرجات المجلس، ويعمّق أزمة الشرعية التي تحيط بالمؤسسة التشريعية في ظل الانقسام السياسي المستمر.
وفي سياق متصل، تطرق رئيس مجلس النواب إلى حادثة سقوط طائرة رئيس الأركان محمد الحداد، معتبرًا أن نعيه من مختلف الليبيين يعكس وحدة الشعب الليبي، مطالبًا النائب العام بإحاطة المجلس بنتائج التحقيق في ملابسات الحادثة، في وقت لا تزال فيه التساؤلات قائمة حول ظروف الحادث، وسط مطالبات بالكشف عن نتائج التحقيق بشفافية.
و أكد عدد من النواب التزام المجلس بالاستحقاقات القانونية والدستورية المتعلقة بالعملية الانتخابية، مع إقرارهم بوجود تحديات قانونية ورقابية حقيقية، لا سيما ما يتعلق بدستورية القوانين الانتخابية وسلامة الأرقام الوطنية، وخلال الجلسة عبّر نواب عن دعمهم لتعزيز قدرات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، خاصة فيما يتعلق بصرف الميزانية التي طلبتها لتنفيذ الاستحقاقات المقبلة، وهو الملف الذي من المقرر مناقشته بشكل موسع في جلسة الثلاثاء.
وفي هذا الإطار، قالت عضوة مجلس النواب، سلطنة المسماري، إن المجلس كان دائمًا ملتزمًا بالاستحقاقات الانتخابية رغم الاتهامات المتكررة بعرقلة المسار السياسي، وأضافت أن تصريحات عقيلة صالح بشأن دعم استكمال الإجراءات الانتخابية، بما في ذلك تعزيز قدرات المفوضية وصرف الميزانية اللازمة لها، تؤكد التزام المجلس بإجراء الانتخابات المزمع عقدها في أبريل، وفق ما جاء في بث مباشر لجلسة المجلس.
بدوره، شدد عضو مجلس النواب عيسى العريبي على تأييد النواب لإجراء الانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى لقاءات المجلس مع متظاهرين طالبوا بإجراء الانتخابات خلال الفترة الماضية، وأكد دعم النواب لجهود لجنة إعداد القوانين الانتخابية (6+6)، التي انبثقت عن التعديل الدستوري الثالث عشر، بهدف التمهيد لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، مع التأكيد على ضرورة استكمال مجلس إدارة المفوضية وصرف ميزانيتها لضمان إجراء الانتخابات.
في المقابل، حذّر النائب عبد المنعم العرفي من التسرع في اعتماد القوانين الانتخابية دون معالجة الإشكاليات الدستورية القائمة، مذكرًا بأن لجنة (6+6) تضمنت نصًا يتعلق بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، معتبرًا أن الإصرار على المضي قدمًا دون توافق دستوري قد يؤدي إلى أخطاء قانونية جسيمة، واقترح إجراء تعديل دستوري رابع عشر، مع إلزام بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا بقبول مسار انتخابي واضح المعالم. كما أثار العرفي قضية التزوير في الأرقام الوطنية، مشيرًا إلى اكتشاف نحو 40 ألف قيد وطني مزور حتى الآن، متسائلًا عن إمكانية الاعتراف بنتائج أي انتخابات تُجرى في ظل هذه المعطيات، إلى جانب استمرار النزاع حول دستورية القوانين الانتخابية، في وقت يرى فيه مراقبون أن الإصرار على مسارات أحادية داخل مجلس النواب يعكس سعي سلطات الأمر الواقع في الشرق إلى إعادة إنتاج المشهد السياسي بما يخدم توازناتها، بدل الدفع نحو مسار وطني جامع ينهي الانقسام ويؤسس لانتخابات حقيقية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات