تفادت حركة «جيل زد» الشبابية المغربية تنظيم أي وقفات أو مسيرات احتجاج سلمية، الجمعة، نظرًا لارتباط اليوم نفسه بافتتاح البرلمان وبالخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي محمد السادس أمام البرلمانيين.
وأعلنت الحركة عدم القيام بأي إضراب أو احتجاج، احترامًا للمؤسسة الملكية وللخطاب المذكور، وقالت في بيان «إننا نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار».
وأوضحت أن عدم تنظيم أي شكل احتجاجي سلمي يوم الجمعة «لا يعني تراجعا عن مطالبها المشروعة، بل هو تعبير عن الانضباط الواعي والمسؤولية الوطنية التي يتحلى بها شبابنا».
وأعلنت في بيان جديد أن التظاهرات لن تنظم يومي السبت والأحد، مشيرة إلى أن هذا القرار جاء بعد ساعات طويلة من النقاش والتشاور مع خبراء ميدانيين ونشطاء من مختلف المدن، واستنادا إلى قراءة دقيقة للوضع الميداني والظرف الراهن.
ولفتت الحركة الانتباه إلى أن هذا التوقف المؤقت «خطوة استراتيجية، تهدف إلى تعزيز التنظيم والتنسيق، وضمان أن تكون المرحلة المقبلة أكثر فعالية وتأثيرا، بعيدا عن أي ارتجال أو استغلال خارجي».
وأكدت أن مطالبها الثابتة لن تتغير، وعلى رأسها «محاسبة الفاسدين، وتحميل الحكومة مسؤولية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة». وكانت مجموعة «جيل زد 212» استأنفت حراكها مساء الخميس المنصرم، حيث نظمت أمام مقر البرلمان في الرباط وقفة احتجاجية جددت فيها الدعوة إلى إصلاح قطاعي التعليم والصحة ومحاربة الفساد. كما طالبت عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، بالاستقالة، بسبب ما اعتبرته الحركة الشبابية فشلا في الاستجابة لانتظارات المواطنين والوفاء بالوعود التي قطعتها أحزاب الأغلبية الثلاثة على نفسها خلال الانتخابات التشريعية للعام 2021.
وشكّلت ميادين مدن مغربية أخرى فضاء تصدح فيه أصوات الشباب بالمطالب التي تعتبرها الأحزاب المغربية، بما فيها الحكومية، مطالب مشروعة، محذّرة ـ في الوقت نفسه ـ من «الركوب عليها» من لدن أحزاب المعارضة. كما دعت النشطاء الشباب إلى فتح قنوات الحوار مع المؤسسات الحزبية والعمومية، للتفاعل الإيجابي مع الاقتراحات والمطالب المطروحة.
في سياق متصل، احتلّ الشق الاجتماعي حيزا وافرا في الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، التي تعدّ الأخيرة في عمر البرلمان الحالي، بما أن البلاد ستشهد استحقاقات انتخابية عام 2026.
وأوضح ملك المغرب أنه «لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس، بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، ما دام الهدف هو تنمية البلاد، وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا».
واستطرد قائلا: «لقد دعونا في خطاب العرش الأخير، إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية. وهي من القضايا الكبرى التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني»، مشيرا إلى أن المغرب يفتح الباب من خلال الديناميات التي أطلقها العاهل نفسه، الباب أمام تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر».
وتابع: «كما نعمل على استفادة الجميع، من ثمار النمو، ومن تكافؤ الفرص بين أبناء المغرب الموحد، في مختلف الحقوق، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها».
وأكد أن مستوى التنمية المحلية هو المرآة التي تعكس بصدق مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن الذي يعمل الجميع على ترسيخ مكانته، موضحا أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية توجه استراتيجي، يجب على جميع الفاعلين الالتزام به، ورهان مصيري، ينبغي أن يحكم مختلف السياسات التنموية. ودعا إلى تسريع وتيرة العمل وإضفاء أثر أقوى على الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية التي وجه الحكومة لإعدادها، وذلك في إطار علاقات رابح ـ رابح بين المجالات الحضرية والريفية.
وخصّ بالذكر: تشجيع المبادرات المحلية، والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وبالتأهيل الترابي.
وجاء الخطاب صادما للعديد ممن كانوا يتوقعون أن يتفاعل العاهل المغربي مع مطالب حركة «جيل زِد»، بينما رأى آخرون أن الملك لا يعمل وفق السياقات الظرفية ولا تحت ضغط منصات التواصل الاجتماعي، بل إن خطبه ومواقفه ورؤاه تنسجم مع المنطق المؤسسي والدستوري.
الباحث محمد جدري يذهب إلى القول إن العاهل محمد السادس أجاب على مطالب الشباب بطريقة دستورية ومؤسساتية، واضعًا خريطة طريق واضحة للجميع، وذلك من خلال تأكيده على أن البرلمان يجب أن يمارس أدواره الدستورية بروح الجدية والمسؤولية، لا بمنطق الحسابات الانتخابية الضيقة.
كما استنتج الباحث نفسه في تدوينة على «الفيسبوك» أن من ضمن خلاصات الخطاب الملكي، التشديد على أنه «لا تناقض بين مغرب المونديال والمشاريع الكبرى ومغرب التنمية المحلية. بل المطلوب أن يكون التكامل هو القاعدة، حتى يستفيد كل مواطن من ثمار النمو والإنجاز».
وتطرق إلى أهمية تحقيق تنمية عادلة ومتوازنة، انطلاقًا من التنبيه إلى أنه لا يمكن تحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد دون مساهمة كل جهات البلاد وأقاليمها. ومن ثم، تقتضي المرحلة نفسًا جديدًا وجيلًا جديدًا من البرامج التنموية، خاصة في المناطق الجبلية والواحات، عبر تأهيل البنيات التحتية، وتحسين التعليم، وتجويد الولوج إلى الخدمات الصحية، ودعم المبادرات المولّدة لفرص العمل.
وفي قراءته للخطاب الملكي خلال افتتاح البرلمان، ذكر الباحث والإعلامي رشيد البلغيثي أن العاهل المغربي أشاد بأداء المؤسسة التشريعية والبرلمانيين، حيث لم يطلب من البرلمان تغييرا جذريا في المنطلقات التشريعية التي ينطلق منها والمحددة للقوانين التي يصادق عليها، بما يجعل هذه الأخيرة أساسا لسياسات تنتصر لخدمة عمومية عنوانها الجودة والمجانية والولوجية والديمومة (الصحة، التعليم، الفساد..) بل دعا البرلمان (ولأنها السنة الأخيرة بالنسبة لأعضاء مجلس النواب، يقول الملك) إلى تكريسها والعمل «بروح المسؤولية، لاستكمال المخططات التشريعية، وتنفيذ البرامج والمشاريع المفتوحة».
ولاحظ البلغيثي أن الدعوة واضحة لاستكمال المخططات لا الى مراجعتها وإلى تنفيذ المُسَطَر سلفا من سياسات لا إلى مساءلة جدواها. وفي تفاعل مباشر مع شعار مركزي من شعارات «جيل زد»، يتمثل في أولوية الصحة على تنظيم البطولة النهائية لكأس العالم لكرة القدم في 2030، رأى الملك ـ يضيف البلغيثي ـ أنه «لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية» لأن الهدف، حسب العاهل المغربي، هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا.
وأشار إلى أن الفقرة الأكثر وضوحا، في الخطاب، هي تلك التي تحدث فيها الملك عن «المغرب الصاعد» بوصفه عنوانا للقضايا الكبرى «التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني». وقال: «هنا يتبنى الملك السياسات التي تحدد راهن المغرب ومستقبله ويعلنها سياسة حكم لا حكومة ويرى أن المشكل في وتيرتها (ومن ثم دعا الى تسريعها) لا في طبيعتها».
وختم البلغيثي تدوينته بالقول: يبدو أن خطاب الملك قد كتب بمداد الهيبة الذي لا يخضع فيه الملك لِـ «الإملاءات الظرفية». فَـ «المغرب الصاعد» لن يكترث للمغرب الواقف ولا القاعد.
"جيل زِد" يحمل الحكومة المغربية مسؤولية الأوضاع المتدهورة ويؤكد على محاسبة الفاسدين

تعليقات الزوار
لا تعليقات