أخبار عاجلة

التحاق الجد بالحفيد في ديار الهجرة

عرفت هجرة الجزائريين إلى الخارج عدة تحولات لتظهر بملامح جديدة في العقود الأخيرة. كما تينه الهجرة التي دشنها الجزائريين نحو كندا منذ ثمانينيات القرن الماضي، مقارنة بما كان معروفا عن هجرة الجزائريين إلى فرنسا. إذا اكتفينا بهذه المقارنة بين هاتين الهجرتين، ولم نتكلم عن تلك الأقدم التي قام بها الجزائريون نحو المغرب أو تونس، أو تلك التي قام بها نحو بلاد الشام خلال الحقبة الاستعمارية الأولى.
هجرة إلى كندا تميزت بعدة خصائص من بينها، طابعها النخبوي والمؤهل، مقارنة بالهجرة نحو فرنسا التي كانت أكثر شعبية من حيث طابعها العمالي، وأسبابها الاقتصادية ـ الاجتماعية، ناهيك من ارتباطها القوي بالأبعاد السياسية للجزائريين، منذ مرحلة الحركة الوطنية، التي يمكن القول إنها قد انطلقت عمليا بين صفوف المهاجرين الجزائريين، بكل التبعات التي تولدت عن هذا الربط بين هذه المستويات السوسيولوجية والسياسية، عبرت عن نفسها بذلك الحضور اليساري داخل الفكرة الوطنية ذاتها.
وضع قد لا نجد ما يشبهه ونحن نتحدث عن الهجرة الجزائرية إلى كندا، المتأخرة تاريخيا، التي ارتبطت بظواهر أخرى جديدة من بينها، طابعها النخبوي الذي عكس الانتشار الكبير للتعليم في الجزائر، وبداية ظهور بوادر أزمة البطالة عند الشباب بالتغييرات التي ظهرت على مستوى نظرتهم إلى أنفسهم وإلى الحياة والعالم بصفة عامة وهم يهمون بركوب موجه هجرة جديدة لتحسين مستواهم الاقتصادي- الاجتماعي في هذه البلاد البعيدة، التي لا يربطهم بها إلا عامل اللغة الفرنسية، عندما يتعلق الأمر بمنطقة الكيبك التي هاجر اليها الجزائريون، هروبا من وضع بلدهم الأمني والسياسي المتدهور، قبل بداية التوجه نحو مناطق أخرى بعد التحكم في اللغة الإنكليزية، الذي ظهر في السنوات الأخيرة عند أجيال من الجزائريين والجزائريات، علما بأن التأنيث هنا مهم جدا نتيجة مشاركة المرأة المتعلمة تحديدا، في هذا النوع من الهجرة. هجرة ارتبطت بالكثير من الظواهر الاجتماعية والثقافية، وحتى السياسية الأخرى كما تم التعبير عنه بمناسبة حراك 2019، الذي نافست فيه مدينة مونتريال باريس، كمركز مهم لحراك الجزائريين في الخارج، أعلن عن ميلاد تاريخ سياسي للهجرة الجزائرية في كندا.
السياق التاريخي الذي تمت فيه هذه الهجرة بخصائصها السوسيولوجية، هو الذي قد يفسر ارتباط الهجرة الكندية بالكثير من مظاهر التحول الاجتماعي، كما حاولت أن أعكسه من خلال العنوان المختار لمقالي هذا الأسبوع، وأنا أتحدث عن التحاق الجد بالحفيد، في ديار الهجرة، اعتمدت فيه على ملاحظات يومية تبقى في حاجة إلى دراسات أكثر جدية للهجرة الجزائرية الجديدة، في وقت قلّ فيه الاهتمام العلمي بموضوع الهجرة، بما فيه القديم المرتبط بفرنسا ودول أخرى، على أمل أن تكون المواضيع المرتبطة بالهجرة الجزائرية إلى كندا محفزا لانطلاق تعاون جامعي وبحثي جزائري – كندي يهتم بهذا الموضوع الذي يعني البلدين والشعبين.

فقد لاحظت، على سبيل المثال، أن الهجرة إلى كندا طورت عملية تجنيد الجد الذي يلتحق بالابن وبالحفيد في بعض الأحيان، عكس ما كان معروفا عن هجرة الجزائريين إلى فرنسا في مرحلتها الأولى على الأقل التي كان يقوم بها الفلاح – العامل كفرد، فضّل أن تبقى عائلته مقيمة على التراب الجزائري بمن فيهم الزوجة والابناء لغاية مرحلة الاستقلال التي سمح فيها العامل بانتقال أبنائه وزوجته معه إلى التراب الفرنسي، عكس المهاجر إلى كندا الذي أنجز مشروع الزواج بالموازاة مع الهجرة إلى هذا البلد البعيد والبارد.
البلد الذي طرحت فيه مسألة الإقامة الدائمة للعائلة الجزائرية الكثير من التحديات، مرتبطة بما اكتشفته المرأة الجزائرية من حقوق جديدة تتمتع فيها بالكثير من الحقوق، التي استفادت منها الجزائرية المهاجرة والتي -عادة ما تكون مؤهلة تأهيلا عاليا ـ ما سهّل عليها الاستفادة من هذه الحقوق، فأعادت النظر في تقسيم الأدوار دخل الخلية الأسرية، والعلاقة مع الأبناء والزوج. والخروج بالطبع إلى الفضاء العام، الذي تحول إلى إحدى مسلمات السلوك عند المرأة الجزائرية المهاجرة في هذا المجتمع المختلط ثقافيا وإثنيا، الذي تحمي فيه مؤسسات الدولة حقوق المرأة والأطفال. اكتشاف أدى إلى زيادة منسوب سوء التفاهم والطلاق داخل الأسرة الجزائرية المهاجرة، قد يكون تفسيره مرتبط بالمستويات التعليمية للجزائرية المهاجرة، التي كان من السهل عليها اكتشاف هذا العالم الجديد عليها، خاصة عندما لا تتكيف العقلية الذكورية السائدة لدى الرجل الجزائري بالسرعة المطلوبة مع شروط الهجرة وثقافتها الجديدة. التي عادة ما تكون أكثر بروزا أثناء التعامل مع إناث العائلة، في وقت زاد فيه منسوب انتشار الأفكار المنادية بحقوق المرأة على مستوى المجتمعات الغربية، لم تعد مقتصرة على الأبعاد الاقتصادية ـ الاجتماعية، بل الأكثر حميمية كما يظهر على مستوى التربية الجنسية والعلاقة بين الرجل والمرأة، التي تبدو كأفكار «متطرفة «حتى داخل هذه المجتمعات، بين بعض تيارات أقصى اليمين الشعبوي والتيارات المحافظة القريبة من الكنيسة. قرّبت بين ترامب الأمريكي وبوتين الروسي، في وقت زاد فيه تأثير مؤسسات التنشئة الاجتماعية على غرار المدرسة على حساب العائلة، التي فقدت الكثير من قوة تأثيرها، زادتها الأزمة التي تعيشها اضطرابا في الجزائر والعالم.
مؤشرات ديموغرافية أخرى يمكن الحديث عنها في علاقتها بالهجرة الجزائرية إلى كندا البعيدة يمكن ملاحظتها في مطارات الجزائر، بمناسبة نهاية فصل الصيف وعودة المهاجرين إلى كندا، ونحن نشاهد كيف يلتحق الجد بالأحفاد والأبناء لإقامة قد تطول أو تقصر طول السنة، سهلها توفر النقل الجوي وبعض الخصائص الديموغرافية للعائلة، على غرار ارتفاع متوسط معدلات العمر عند الجزائريين (تقترب من الثمانين سنة كمتوسط) – التي تسمح للجد المتقاعد بالتنقل بين القارتين الافريقية والأمريكية، في ظروف صحية معقولة وهو يحاول التكيف مع عوامل المناخ الصعبة.
جد تقول بعض الملاحظات- تبقى دائما في حاجة إلى دراسات تدعمها – أن العائلة بدأت في التوجه لدفنه على التراب الكندي عند وفاته كمؤشر جديد على اندماج مبكر لهذه الهجرة داخل المجتمع الكندي، وهي تتكيف مع عوامل المناخ والبعد الجغرافي والسوسيولوجيا، قد يكون سهله الانتماء الغالب للفئات الوسطى المتعلمة بين المهاجرين الجزائريين، في وقت تعيش فيه الأسرة الجزائرية الكثير من التحولات داخل وخارج البلد، تظهر على شكل أزمات غير متحكم فيها دائما، تعبر عن نفسها أكثر داخل مؤسسة الزواج التي تعاني من الكثير من الضغوط زادت مع الهجرة إلى هذا البلد البعيد والمختلف.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات