أخبار عاجلة

في كل الأماكن يمكن أن يلتقي الجزائري بالموت في هذا البلد الصعب

ليس ما هو أسهل من الموت في الجزائر. هذا ما قد يترسخ لدى القارئ وهو يطالع الجرائد والوسائط الاجتماعية في فصل الصيف بالجزائر، لمدة لا تتجاوز الأسبوع، مباشرة بعد الخروج إلى العطلة المدرسية الطويلة، التي يزداد فيها تحرك الجزائريين، ليرتفع فيها منسوب لقائهم بالموت في كل مكان تقريبا.
موت يمكن أن يلتقي به الجزائري وهو يركب حافلة نقل عمومي مهترئة، كما حصل نهاية هذا الأسبوع بوادي الحراش بالعاصمة، 18 ضحية على الأقل، فرض بعدها رئيس الجمهورية حالة حداد ليوم واحد، ليتكفل وزير داخليته بتوزيع بعض من المال العام تعويضا عن الأضرار التي لحقت بالعائلات، في مجتمع ما زال المواطن فيه قادرا على تقديم صور تضامن نادرة، كما بينها الشباب الذي غامروا بأنفسهم في وادي الحراش لانتشال جثث الغرقى.
موت قد تصادفه في الشارع وأنت تتعرض إلى اعتداء مباغت من قبل عصابات المدن، كما يحصل بشكل روتيني في أكثر من حي شعبي بالمدن الكبرى والمتوسطة، كما ظهر في مدينة عين الفكرون بولاية ام البواقي، على المباشر تقريبا، عندما وثًق أحد المارة عملية اعتداء بالسلاح الأبيض على شيخ ستيني- لم ينس أن يشكر أحمد قايد صالح رئيس الأركان السابق، المتوفى منذ سنوات، تكريسا للثقافة السياسية التي تميز أبناء المنطقة المتماهية بقوة مع الخطاب الرسمي ورموزه. شيخ ستيني تم الاعتداء عليه من قبل شابين أمام المارة، سمحت للقضاء بالتدخل بسرعة، كما حصل لمسنة بسكرية تكلمت الصحافة الوطنية الأسبوع الماضي عن قتلها، بعد تعرضها لسرقة منزلها، أو وأنت تسوق سيارتك مع أبنائك في حوادث الطرق الرهيبة، التي تحولت إلى ديكور يومي لدى العائلة الجزائرية، ترتفع معدلاتها في الصيف، لا داعي للتذكير بأعدادها المعروفة، أو وأنت تشاهد مباراة كرة قدم، كما حصل في ملعب (5 جويلية) منذ شهرين لثلاثة شبان من العاصمة، أو وأنت جالس مع أفراد عائلتك كما عاشه بعض المصطافين ليلا، في شاطئ البلج – تيبازا هذه الأيام.

في كل الأماكن يمكن أن يلتقي الجزائري بالموت في هذا البلد الذي يريد أبناؤه مغادرته، والهروب منه بأي وسيلة وتحت أي ظرف، تعلق الأمر بالفقير المعدم من دون تأهيل، أو الغني والمتعلم، كما هو سائد مع الطلبة المبعوثين من قبل مؤسسات الدولة للدراسة في الخارج لسنوات، الذين يرفضون العودة إلى البلد كقاعدة عامة بعد الحصول على منح طويلة المدى بالعملة الصعبة، من المال العمومي. ظاهرة توسعت لتشمل في المدة الأخيرة بعض الدبلوماسيين – حسب بعض المعطيات الإعلامية – الذين يفضلون عدم العودة إلى البلد بعد انتهاء مدة عملهم في الخارج، تحت ضغط الأبناء والزوجات في الغالب، الذين تعودوا على نوعية الحياة في العواصم الغربية الكبرى، لن يجدوها عند عودتهم إلى البلد.
وضع تلخصه صورة لمواطن جزائري- تم الترويج لها على الوسائط بقوة – حكمت عليه السلطات الفرنسية بالترحيل نحو بلده، وهو يترجى بحرارة رئيس الجمهورية ألا يقبل بعودته إلى البلد. بعد أن ترحم على الشهداء! صورة كاريكاتيرية هي التي تكون قد أوحت للطرف الفرنسي بإنزال أكبر عقوبة يمكن أن تسلط على الجزائري هذه الأيام، الحكم عليه بالعودة إلى بلده، أو منعه من دخول التراب الفرنسي والحصول على تأشيرة البلد، الذي تقول الدعاية الفرنسية التي يروج لها الإعلام اليميني المعادي، إن الجزائريين لا يحبونه. تصور ماذا سيكون عليه الوضع لو أحب الجزائريون فرنسا!
يحصل كل هذا في وقت لم تعد فيه ظاهرة الحرقة، التي تزداد وتيرتها في فصل الصيف، نتيجة تحسن المناخ في المتوسط، تثير أي نقاش جدي عند الجزائري، الذي يتداول معلومات يومية على أسعارها بالبوطي ومدة الرحلة ومكان انطلاقها على الضفة الجنوبية للمتوسط بكل شفافية، في بلد لم تعد فيه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تعانيها تخفى على أحد، منها تلك المرتبطة بحالة العنف التي تستشري فيه. فهل هناك من ينكر أن أزمة توسع المدينة في الجزائر هي المرتع الأساسي لهذا العنف. كما ظهر في عين الفكرون ولاية أم البواقي حوالي 50 ألف ساكن، التي تعيش حالة تضخم فوضوي كان وراءها، على الأقل جزئيا، اقتصاد غير رسمي اعتمد على فاعلين اقتصاديين جدد كان وراءه جزء من سكانها من الشباب، الذين انطلقوا من تجارة الكابة في ميدان النسيج – الصين –تركيا، في غياب أي نشاط صناعي جدي. للتحول لاحقا إلى الاهتمام بالزراعة المتخصصة، الفواكه الموسمية كالتفاح، مست كل منطقة الشاوية كخنشلة وشمال بسكرة وأم البواقي، اعتمادا على فاعلين اقتصاديين جدد، في منطقة عانت من تهميش لسنوات بعد الاستقلال. في وقت تميز بحضور قوي لأبنائها على رأس مؤسسات السلطة المركزية، فضلوا الاستقرار بالمدن الكبرى بالشمال، والانقطاع شبه الكلي عن مناطقهم الأصلية التي تركوها لهؤلاء الفاعلين الاقتصاديين غير الرسميين الجدد، الذين فرخوا «طبقة سياسية» جديدة مشوهة، لتعويض الفراغ الذي تركه الجيل الأول، وهم يعيدون إنتاج شعارات الأوراس الأشم مفجر الثورة! التي عاش عليها أبناء الجهة لسنوات.
المدينة المشوهة بفاعليها الاقتصاديين والسياسيين الجدد ليست السبب المفسر الوحيد لحالة العنف التي يعيشها المجتمع الجزائري في مختلف مناطق البلاد، وليس منطقة الأوراس التي ركزنا عليها نتيجة ارتباطها بما حدث في مدينة عين فكرون، فالديموغرافية التي تميز المجتمع الجزائري بسيطرة الفئات العمرية الصغيرة، كمعطى موضوعي ثقيل، سيستمر تأثيره لوقت طويل، مضافا إليها تجارب العنف التي عاشها المواطن، والانتشار الكبير في استهلاك المخدرات بكل أنواعها، حوّلت السارق إلى قاتل في حالة وطنية تعيش نوعا من التفكك الأسري الملاحظ منذ سنوات، يمكن عده من المحددات الرئيسية التي تفسر تفشي العنف بكل أشكاله، الذي يعيشه المجتمع الجزائري، زاده رسوخا سيطرة الأطروحات الشعبوية المتطرف المنادية بالعنف، كحل أوحد في التعامل مع هذا العنف الذي استشرى في الجزائر، تقربها من بعض بلدان افريقيا وامريكا اللاتينية على وجه الخصوص.
عنف سيكون من الصعب التصدي له والبحث له عن حلول جدية خارج الإطار العام الوطني، بمختلف أبعاده بما فيها السياسي، فكرة لخصها هذ التصريح الذي فاجئني به أحد الشباب، وأنا انتظر منه أن يتكلم عن البطالة والفقر وحتى قلة الترفيه، وتناقص منسوب الحريات في البلد، ليذكر بدل كل هذا، اسم «زعيم حزب سياسي»، وصفه بأنه أكبر سبب يفسر حرقة الشباب في الجزائر. هل هناك تفسير أبلغ وأكثر اختصارا لفهم الأوضاع في هذا البلد من هذا الوصف، بالتداخل بين مستويات التحليل الذي يحيل إليه؟

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات