أخبار عاجلة

ماذا نعرف عن حرب المخدرات في الجزائر؟

من يتابع الإعلام الوطني في السنوات الأخير، يلاحظ دون شك، اهتمام أكبر بمسألة استفحال انتشار استهلاك المخدرات بين الجزائريين، سلطة ومواطنين، عكس ما كان يحصل في وقت سابق لم تكن فيه ظاهرة انتشار المخدرات محل اهتمام رسمي أو شعبي، تم السكوت عنها لغاية استفحالها في السنوات الأخيرة، حين وصلت إلى كل الفئات العمرية من الجنسين، بمن فيهم الشباب وحتى الأطفال حسب تصريحات بعض المسؤولين، الذين تكلموا عن وصولها لدى تلاميذ المرحلة المتوسطة وربما قبلها، ما أدى بالسلطات العمومية إلى التفكير في تشديد العقوبات، اقترح آخر نص قانوني الوصول فيها إلى الإعدام بالنسبة لتجار المخدرات، الذين يسوقون سمومهم بالقرب من المدارس. هذا الاقتراح يجد من يدافع عنه، من قوى سياسية وشخصيات على مستوى البرلمان، قوى أقرب لمنطق اليمين الشعبوي، في تركيزها على مظاهر الداء، مع إهمال واضح للأسباب العميقة والملابسات المتعلقة بالظاهرة.
بعد استفحال استهلاك المخدرات، الذي عرف تطورات نوعية عديدة، على رأسها ذلك الحضور القوي للمخدرات الصلبة كالكوكايين، التي كانت غائبة عن السوق الجزائرية المعروف عنها تقليديا، أنها أكثر استهلاكا للقنب الهندي، في وقت برزت فيه أنواع المهلوسات الصناعية ذائعة الانتشار في السوق الجزائرية، بين الشباب، لتعرف الجزائر في السنوات الأخيرة تطورا مهما في هذا الصدد تحولت فيه من بلد عبور، كان المغرب هو الممول الأكبر للقنب الهندي، كمنتج دولي معروف، تم دمجه كجزء في لعبة الصراع بين البلدين. كما تركز على ذلك الرواية الجزائرية، وهي تشير إلى كم المحجوزات من المخدرات في الجهة الغربية من البلاد، المهربة من هذا البلد الذي يملك سياسة رسمية متسامحة جدا مع استهلاك المخدرات منذ وقت طويل، يمكن معاينتها بالعين المجردة داخل البلد.

المسألة الحدودية هنا مهمة جدا، ونحن نلاحظ الربط بين الأزمة الأمنية ـ السياسية على مجمل الحدود ـ وليس مع المغرب فقط – وتهريب المخدرات بكل أنواعها التي تصل إلى السوق الجزائرية، زاد الطلب الداخلي عليها، من دول الساحل التي اختلط فيها الأمني – السياسي بظاهرة المخدرات، كانت وراءها الجماعات الإسلامية، التي انخرطت بقوة في هذا النوع من التجارة، بعد تأكدها من فشل مشروعها السياسي الأصلي، على غرار كل الجماعات التي انطلقت في مرحلتها الأولى، كمجموعات بمطالب سياسية لتتحول إلى منطق العصابات الدولية المخترقة للحدود، تكلمت بعض المصادر الإعلامية عن تواصل لها مع سلسلة تهريب دولي تصل لغاية أمريكا اللاتينية. سلسلة مرتبطة بأوروبا والشرق الأوسط عبر التراب الليبي الواسع والمخترق، الذي يمكن أن يضاف له التراب السوداني المضطرب لأمد طويل، كما توحي بذلك الأوضاع السياسية في هذا البلد – القارة المرشح للتحول إلى مجال للصراع الدولي. عصابات بدأت بتجارة التبغ لتصل إلى المخدرات، مرورا بتجارة البشر كمنشط رئيسي للهجرة السرية. كما تؤكد المعطيات اليومية التي تنشرها المؤسسات الأمنية الوطنية والدولية.
انتشار المخدرات وتوسع استهلاكها داخل المجتمع الجزائري، لا بد من البحث له عن أسباب عميقة لا تكتفي بالقشور في غياب الاهتمام الصارخ بالبحث العلمي بهذا الموضوع المهم، الذي وصلت تداعياته إلى كل مجالات الحياة داخل المجتمع، فالعنف الذي نلاحظه في شوارع مدننا له علاقة مباشرة بالانتشار الواسع في استهلاك المخدرات، تحول بموجب هذا الانتشار، السارق والسائق إلى قاتل. الشيء نفسه على مستوى حوادث الطرق، التي استفحلت بشكل مرعب في الجزائر في السنوات الأخيرة، رغم التحسن في نوعية الطرق والسيارات، ما زال يتحدث الخطاب البيروقراطي الرسمي عنها في خانة أسباب متعلقة بالعامل البشري، ناهيك من ظاهرة المال السهل المترتب عن هذه التجارة، بكل آثارها السلبية على العلاقات الاجتماعية بين الناس والمؤسسات داخل المجتمع، بكم التهرب الضريبي الذي تخلقه، والرشوة والتفاوت الاجتماعي الصارخ، وكل أنواع الفساد ـ بما فيها المرتبط بالسياسة والانتخابات – الذي يلعب فيها مال المخدرات دورا محوريا كما تبينه يومياتنا.
الأزمات من كل نوع التي تعيشها العائلة الجزائرية، لا اعتقد أنها بعيدة كذلك عن انتشار ظاهرة المخدرات، بمنسوب الطلاق المرتفع داخلها، وكل أنواع الاضطراب الذي تعيشه بين أبنائها، في وقت زاد فيه الحديث عن انتشار استهلاك المخدرات عند البنات في مجتمع لم يكن يعرف مثل هذه الظواهر، عندما كانت مقتصرة على الذكور، فقد درست ودرّست في الجامعة لأكثر من ثلاثة عقود، لم ألاحظ فيها إلا طالبا واحدا، كان الحديث يدور حول إدمانه في منتصف السبعينيات بجامعة كبرى مثل جامعة الجزائر بآلاف الطلبة. المؤسسة نفسها – بوزريعة – التي أصبح فيها بائع المخدرات في السنوات الأخيرة يقف أمام باب مدخلها الكبير ومعه كلب كبير يخيف به منافسيه من التجار الآخرين أمام الملأ (عيني عينك) أخبرني أكثر من زميل أنه تاجر مخدرات معروف بالحي، يأتي بالقرب من الجامعة لتسويق سلعته!
تحصل هذه التطورات الخطيرة في وقت يمكن أن يلاحظ فيه المراقب المحايد تساهلا مريبا مع ظاهرة انتشار المخدرات، أصبح الحديث عنها في التلفزيون في شهر رمضان، الذي تزيد فيه معدلات الاستهلاك، أمرا مقبولا، بل قد أقول مطلوبا كجزء من ذلك الاقتراب من الواقع، الذي يحث عليه رجال السينما كانفتاح على المجتمع وتقرب من الواقع، وهذا ما رأيناه في الإنتاج التلفزيوني المغاربي خصوصا، والعربي عامة، ففي الإنتاج التلفزيوني التونسي – على سبيل المثال فقط – يتحدث عن «الزطلة» بمناسبة ومن دونها، في زمن زادت فيه معدلات التدين الاجتماعي الشكلي المتعايش مع هذه المعدلات العالية من استهلاك المخدرات، التي تم القبول بها كجزء من «الثقافة الوطنية» ما دام الامر لا يتعلق باستهلاك الخمور بما فيها تلك المنتجة محليا، تيمنا بالأغنية الشعبية المعروفة لدى أهل الراي التي تتكلم عن الويسكي القاوري، الذي يجب منعه ورفع أسعاره، حتى يبقى فقط في متناول بعض المحظوظين من الفئات المنافقة الحاكمة، التي لا تتورع عن اتخاذ مواقف معادية من البيرة، لتفسح المجال واسعا أمام أنواع المخدرات القاتلة تفتك بالمجتمع.
مواقف غبية يروج لها التلفزيون الجزائري عند القبض على شاب يحتسي بيرة في خلوته، وكأنه تم القاء القبض على آل كابوني تاجر الخمور الأمريكي الشهير.
فئات حاكمة ضحية رؤية أنثروبولوجيا تتساهل مع استهلاك المخدر بطابعه الفردي، والمستور، مقابل الرفض الذي تبديه إزاء استهلاك الخمور بالجماعية والعلنية الذي يحيل اليها كنمط استهلاك عصري – من بقايا مرحلة الاستعمارية يقول البعض – ما زالت تنظر اليه هذه العقلية كثقافة بعيدة عن مجتمعاتنا التقليدية. التي حُبب لها استهلاك المخدرات وكره لها شرب البيرة.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات