أخبار عاجلة

جون أفريك: هكذا عاشت ليلى عسلاوي الرئيسة الجديدة للمحكمة الدستورية في الجزائر “حياتين”

قالت مجلة “جون أفريك” الفرنسية إن ليلى عسلاوي، البالغة من العمر 80 عامًا، والتي عيّنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على رأس المحكمة الدستورية، عاشت “حياتين”، الأولى انتهت يوم 17 أكتوبر 1994، أما الثانية فقد بدأت في اليوم التالي، تحت وطأة ذلك الإثنين المشؤوم.

في ذلك اليوم، كان زوجها، محمد رضا، يعمل في عيادته لطب الأسنان بحي باب الواد في الجزائر العاصمة، حين اقتحمت مجموعة من الشبان المكان وطعنوه عدة مرات، تاركين إياه غارقًا في دمائه. وكانت الجزائر قد دخلت، منذ عامين، في حرب أهلية أودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص.

وبعد أشهر من اغتيال زوجها، وأثناء عودتها إلى عملها كقاضية في محكمة الجزائر، علمت ليلى عسلاوي أن أجهزة الأمن ألقت القبض على أحد منفذي الهجوم. فتوجهت إلى المستشفى حيث كان الجاني، البالغ من العمر 25 عامًا، يحتضر متأثرًا بجراحه، واستجوبته عن دوافع جريمته. وعلى فراش الموت، روى لها تفاصيل الاغتيال دون أي ندم، قائلاً لها، بحسب ما نقلته في شهادة نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية: “عليكِ أن تشكريني، زوجك كان شيطانًا. بفضلي، هو الآن في الجنة.”

منذ ذلك الحين، تقول “جون أفريك”، تغيّر كل شيء في حياة ليلى عسلاوي وابنها الصغير.

قبل 17 أكتوبر 1994، كانت تلك المرأة النحيفة ذات الشخصية الصلبة قد عاشت حياة أولى؛ وُلدت عام 1945 في الجزائر العاصمة وسط عائلة وطنية، وفقدت والدها وهي في السابعة من عمرها. حصلت على شهادة من معهد العلوم السياسية عام 1967، ثم إجازة في الحقوق عام 1968. عملت قاضية في محكمة الجزائر، ثم في المحكمة العليا، ودرّست في جامعة الجزائر. ودخلت معترك السياسة لأول مرة عام 1989، عندما عُيّنت مستشارة في ديوان وزير العدل علي بن فليس.

 

وزيرة رغمًا عنها

 

شهد يوليو 1991 تحولًا جديدًا في مسيرتها، إثر إعلان حالة الطوارئ، بعد الإضراب الذي نظمته “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” (الفيس)، فقام الرئيس الشاذلي بن جديد بتعيين سيد أحمد غزالي رئيسًا للحكومة، الذي عرض عليها حقيبة وزارة الشباب والرياضة، قائلًا لها: “ستبقين فقط ستة أشهر أو أقل، لأن عمر هذه الحكومة قصير. هل تقبلين العمل معي؟ أريد امرأة على رأس وزارة الرياضة”.

وافقت دون تردد، غير مدركة أنها دخلت، كما تصف “جون أفريك”، “بركة تماسيح”. فقد كانت الجزائر تمر بمرحلة اضطرابات سياسية انتهت بفوز الإسلاميين في الدور الأول من الانتخابات التشريعية في ديسمبر 1991. وبرز السؤال المصيري: هل يُستكمل الدور الثاني رغم خطر وصول الإسلاميين إلى الحكم، أم يجب توقيف العملية الانتخابية؟ فاختار الجيش إيقاف المسار الانتخابي.

استقال الشاذلي، واندلعت التمردات المسلحة، ودخلت البلاد في دوامة الإرهاب. واختارت ليلى عسلاوي أن تتموقع في صفّ من عُرفوا لاحقًا بـ”الاستئصاليين”، الرافضين لأي حوار مع الجماعات المسلحة أو ممثليها السياسيين.

وتلقت هي وعائلتها تهديدات بالقتل، ما اضطرها للإقامة في “نادي الصنوبر”، مقر السلطة الآمن. ثم انتقلت إلى كتابة الدولة للتضامن الوطني والأسرة، لكن الأمر لم يدم طويلًا.

 

اختبار سياسي وموقف حاسم

في سبتمبر 1994، دخلت عسلاوي اختبارًا سياسيًا جديدًا. إذ بدأت السلطة، في محاولة لتخفيف الضغط الإرهابي، التفاوض مع قيادات الفيس المسجونة في سجن البليدة العسكري. لكنها رفضت هذه المبادرة ووصفتها بأنها “غير أخلاقية وغير مقبولة سياسيًا”، وقدّمت استقالتها، رغم محاولات البعض إقناعها بالتراجع.

قالت حينها: “لا وجود لإسلاميين معتدلين أو ناعمين، ولا تفاوض مع القتلة”.

وفي 17 أكتوبر من العام نفسه، اغتيل زوجها. لكنها لم تنكسر، بل جعلت من هذه الفاجعة منطلقًا لحياتها الثانية، التي كرّستها لمحاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي. وأعلنت: “سأحاربهم دائمًا. لقد دفعت الثمن، وما زلت قادرة على الدفع”.

أسست جمعية لضحايا الإرهاب، وشاركت في برامج إعلامية، وجابت أوروبا لتحذير العالم من الخطر الإرهابي، كما أصدرت كتبًا وثقت فيها شهادات نساء جزائريات عشن تلك الحقبة.

 

لا للمصالحة.. لا للنسيان

عند وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم عام 1999، أطلق سياسة “المصالحة الوطنية” التي تضمنت عفوًا واسعًا عن المسلحين. لكنها عارضت تلك السياسة بشدة، واعتبرتها “استسلامًا للإرهاب”، وواصلت رفضها لعودة بوتفليقة لولاية ثانية عام 2004. كما دافعت عن الصحافيين الذين تعرّضوا للقمع، ورفضت الانضمام إلى السلطة رغم الضغوط والإغراءات.

لم تعد إلى مؤسسات الدولة إلا بعد رحيل بوتفليقة ووصول عبد المجيد تبون، حيث أصبحت أولًا عضوًا في مجلس الأمة، ثم عُيّنت لاحقًا عضوًا في المحكمة الدستورية التي تترأسها اليوم.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات