أخبار عاجلة

ربراب الذي لاحقته السوسيولوجيا بعد السياسية

يعيش رجل الأعمال الجزائري يسعد ربراب كإنسان ورب عائلة وصاحب أكبر مشروع اقتصادي في الجزائر، أحلك فترات حياته هذه الأيام، هو الذي يملك أكبر ثروة مالية في الجزائر قدرت بخمسة مليارات دولار، احتل بموجبها موقع ثالث أغنى رجل في افريقيا والأول في الجزائر. ثروة نجح في بنائها كممثل لأول جيل ناجح لعائلة ريفية متواضعة، من داخل تجربة اشتراكية، قيل لنا إنها حاربت بشتى الطرق بروز رجال أعمال أقوياء في القطاع الخاص، الذي خرج من رحم هذه التجربة الاقتصادية، التي بنيت اعتمادا على القطاع العمومي المملوك للدولة في اقتصاد ريعي. كما حصل في تجارب مشابهة في العالم، على غرار الاتحاد السوفييتي. تميزت العلاقات داخلها بالتوتر وعدم الشفافية في أغلب الأحيان، بين السياسي والمالي.
يسعد ربراب ابن تقموت أعزوز بولاية تيزي وزو -81 سنة – الذي زادت مصاعبه بعد تحوله إلى رجال أعمال معروف وحاضر في أكثر من قطاع نشاط اقتصادي، تراوح بين الزراعة والصناعة والخدمات، توّجها ببناء مؤسسته العملاقة المعروفة (سيفيتال) التي توظف 18000 مستخدم، بين أبناء مجتمع جزائري لا يقبل بسهولة أشكال التميز والنجاح الفردي. الشركة التي لم تكتف بالسوق الجزائرية، بل توجهت إلى التصدير، كما كان الأمر مع مادة السكر والزيت، التي تحولت المؤسسة إلى منتج كبير لها احتكر السوق الجزائرية بهذه المواد ذات الاستهلاك الواسع.
يسعد ربراب الذي تخبرنا الوقائع أن مساره السياسي لم يكن سهلا، ومن دون مطبات، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، حين اتهمه رئيس الحكومة الأسبق عبد السلام بلعيد (1992) بشكل علني بالتسبب في إسقاط حكومته بالتواطؤ مع حلفائه من ضباط الجيش النافذين، من أبناء جهته – وهو يلمح إلى الجنرال محمد تواتي. القرب من مراكز القرار، لم يشفع له، رغم ذلك، بتوسيع مجالات حضوره نحو نشاطات جديدة أخافت الكثير منه، كان ينوي الاستثمار فيها كالإعلام السمعي البصري، بالاستحواذ على مؤسسة الخبر الصادرة بالعربية – بما فيها تلفزيون kbc بعد تجربة يومية مع ليبيرتي بالفرنسية، التي عرفت كمنبر قريب من المعارضة الديمقراطية، حسب التصنيف الجزائري المشهور للساحة السياسية – الإعلامية. أغلقها الرجل لاحقا (2022) كمؤشر حسن سيرة وسلوك بعد ضغوط كبيرة عليه. مشروع لو نجح كان سيؤهله للتحول إلى أحد وجوه الأوليغارشية الجديدة، التي عبرت عن نوايا للهيمنة السياسية على الساحة الجزائرية. برز بقوة خلال سنوات حكم بوتفليقة الأخيرة، التي تميزت بضعف الدولة كمركز قرار واضطراب كبير في أداء مؤسساتها الكبرى. مشروع تم فيه الجمع بين المال، السياسة والإعلام من قبل مجموعة من رجال الأعمال الجدد، عبروا عن ملامح نزعة هيمنة أوليغارشية بدأت في التشكل بسرعة في الحالة الجزائرية، كانت قريبة من النموذج الذي ظهر في الاتحاد السوفييتي. لتستمر صعوبات الرجل مع بعض مراكز القرار السياسي والعسكري، وهي تعيش حالة اضطراب، أدى في نهاية الأمر إلى سجنه خلال محطة الحراك لمدة سنة تقريبا 2019. بتهم ذات علاقة بالتسيير، يكون قد اقترفها كمسير لهذا المجمع الصناعي الكبير. حالة عداء مع بعض مراكز القرار، استمرت تطارده مع ابنائه لغاية اليوم. عبّرت عن نفسها بالترويج لتلك الشائعات، التي تكلمت عن أدوار سياسية لرجل الأعمال، سواء تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية، أو بمحطات سياسية أخرى مهمة تمت الإشارة فيها، إلى أدوار مفصلية لرجل الأعمال يسعد ربراب ومؤسساته العملاقة، تكون قد أخافت مراكز القرار الرسمي، التي لم تتعود على المنافسة التي تأتيها من خارج النظام، خاصة عندما يتعلق الأمر بعالم الأعمال. الذي وجد صعوبات في ترويضه ومنحه مكانة رسمية معترفا بها، في وقت كانت فيه جهته تعيش غليانا سياسيا.
المصير نفسه عرفه الابن البكر عمار، الذي منع بقرار من العدالة بحر هذا الشهر من القيام بأي نشاط اقتصادي ومالي كمسير لمشاريع العائلة التي ورثها عن الأب كبكر للعائلة المكونة من أربعة اخوة واخت واحدة متزوجة من ابن الوزير الأول الأسبق رضا ملك. مثلما حصل مع الأب قبله حين فرضت العدالة نفسها على الأب الانسحاب من على رأس تسيير مؤسسته، التي بناها كجيل مؤسس. انطلق بالعمل في القطاع العمومي كالكثير من رجال الأعمال الجزائريين، الذين لم يعرف عنهم عمق تاريخي كأرباب عمل خواص.
مؤسسة لم تتمكن من الابتعاد عن منطق التسيير العائلي بكل نقاط قوته وضعفه. رغم حجمها الكبير وطابعها العصري، لم يسمح لها بالإفلات من هذه الآفة التي يعيشها القطاع الاقتصادي الخاص بما عرف عنه من سيطرة للعائلة على مقاليد الأمور. فرضتها على شكل علاقات وقيم في مجال التسيير. كما أظهرته الازمة الخانقة التي تعيشها هذه المؤسسة العملاقة إثر انقسام جيل الأبناء بعد ابتعاد الأب -المؤسس بقرار من العدالة الجزائرية، زاده تعقيدا زواج الرجل للمرة الثانية، كما أكد ذلك الكثير من المصادر الإعلامية وهي تربط بشكل واضح بين هذا الزواج وأزمة التسيير التي تعانيها المؤسسة العائلية، التي أوكلت قيادتها الأب يسعد إلى بكره عُمار كما جرت العادة داخل العائلة الجزائرية التقليدية، التي تمنح تفضيلا لبكر العائلة، دون أن تبعد البنت التي استمرت في أخذ مكانتها في هذا المشروع العائلي، ساعد عليه التحسن الكبير في المستوى التعليمي المتخصص لهذا الجيل لعائلة ربراب، بمن فيها البنت، الذي انطلق فيه الأب يسعد في دراسته للمحاسبة التي درسّها في بداية حياته المهنية، قبل التوجه إلى عالم الأعمال.
لنكون أمام هشاشة سوسيولوجية تكون قد ألقت ظلالها على المجال الاقتصادي والمالي داخل هذا الوسط العائلي القبائلي، الذي لم يكن معروفا عنه تعدد الزوجات كما هو حاصل في مناطق أخرى من الجزائر. يكون فيها الزواج الثاني والثالث وربما أكثر هو المشروع الذي لا مفر منه أمام الأب ميسور الحال. يعبر من خلاله على ثرائه كصاحب نعمة جديد. ظاهرة ليست منتشرة في منطقة القبائل تحديدا، التي تميز أبناؤها بضعف ظاهرة تعدد الزوجات، كانت لها نتائج مدمرة على آل ربراب ومشرعهم الاقتصادي، أكدته الأرقام التي أعلنت عنها الصحافة وهي تتكلم عن تدهور الوضع المالي للمؤسسة ـ مصادر صحافية ذكرت ما نسبته أربعين في المئة انخفاضا في رقم أعمال المجموعة – ومغادرة الكثير من الأطر للمؤسسة التي بدأت تعرف الكثير من علامات الهشاشة على مستوى التسيير واتخاذ القرار. نتيجة تصدع مركز القرار الأول بطابعه العائلي والصعوبات التي يجدها مع محيطه الرسمي، ليس من المستبعد أن تكون له تداعيات سلبية على مسألة تدفق الاستثمارات الأجنبية نحو السوق الجزائرية، إذا تأكد هذا المسار السلبي لمؤسسة (سيفيتال). من باب أن البلد الذي لا ينجح فيه أبناؤه من المستبعد أن ينجح فيه الغريب.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات