أخبار عاجلة

لماذا تصر مؤسسات رسمية وغير رسمية على تشويه صورة الجزائر؟

صورة الجزائر الخارجية في السنوات الأخيرة ليست على أحسن حال، تكاد تكون في تناقض تام مع تلك الصورة الإيجابية التي خرجت بها من حرب التحرير، وسنوات الاستقلال الأولى. نتيجة لما عاشته لاحقا من أحداث لم تكن دائما كما كان يتمنى الجزائريون لبلدهم. مثلما حصل أثناء ما يشبه الحرب الأهلية، التي عاشها البلد بداية من تسعينيات القرن الماضي، عرفت فيها الجزائر فظاعات من كل نوع، سوًقت لعنف لم يكن الجزائري يتصور ارتباطه بسلوكيات مجتمعه وثقافته. شوهت صورة الحاكم والمحكوم.
رغم هذه التجربة القاسية حافظ البلد على نوع من البريق، نتيجة إنجازاته التي حققها بُعيد الاستقلال في ميادين عدة منها، المستويات الدبلوماسية الدولية التي حافظ على ثوابتها بمرتكزاتها الأخلاقية المعروفة، كما ساد تاريخيا في الملف الفلسطيني والمساهمة القوية في تحرير القارة الافريقية من الاستعمار، عبرت عنه بمواقف مشرفة ضد الحكم العنصري في جنوب القارة، ومساندة حركات التحرر في أكثر من بلد كأنغولا وموزمبيق وناميبيا وغيرها.
تراث تاريخي مازالت ترتكز عليه الدبلوماسية الجزائرية في دعم مواقفها الدولية لحد الساعة، في عالم متغير ومضطرب، لم يعد متوافقا بالضرورة مع المواقف المعروفة للجزائر. زيادة على هذه الكبوات التي عاشتها الجزائر وأثرت سلبا على صورتها الإيجابية التي دشنت بها استقلالها، يمكن إضافة ما يقوم به بعض الجزائريين كأفراد ومؤسسات رسمية وغير رسمية، عبر سياسات وقرارات أقل ما يقال عنها، إنها تساهم بقوة في تشويه صورة البلد داخليا، وعلى المستوى الدولي، زاده الإعلام غير الحرفي الذي ابتلي به البلد، كما حصل على سبيل المثال بمناسبة «الحملة» على السحر في المقابر، التي اندلعت وانطفت بسرعة مريبة بداية هذا الصيف. وكأنها حلقة في مسلسل تسلية وإلهاء موجه للجزائريين، محبوك بحرفية كبيرة. شاهدنا بعض ما يشبهه في السابق، يكون مرتبطا عادة بأزمات سياسية خانقة، يتم البحث عن مخارج لها عبر هذه الممارسات.. أو كما حصل الأسبوع الماضي عندما تم الترويج على الوسائط الاجتماعية لقرار لرئيس بلدية شطايبي الساحلية، منع بموجبه المصطافين من لبس ما سماه بالتبان – بالنسبة للرجال بالطبع، لأن الأمر غير وارد تماما بالنسبة للنساء – في شوارع المدينة أثناء فصل الصيف الحار، التزاما بما سماه رئيس البلدية بالجانب الأخلاقي والآداب العامة والنظام، لسكان البلدية، التي قرر الرجل أنهم محافظون بالسليقة. رئيس بلدية نسي كل هموم المواطنين وصعوبات حياتهم اليومية من كل نوع، ليقرر التدخل السافر في حرية المصطافين الذين يقصدون بلدته الصغيرة صيفا لبضعة أيام، بدل التوجه إلى تونس القريبة، وكأنه يقوم بتكذيب علني وعلى المباشر لسياسة الدولة الداعية لتشجيع السياحة الداخلية، التي تحث المواطنين على قضاء أوقات راحتهم على ساحل بلدهم الواسع وغير المستغل، لا من قبل السياحة الداخلية ولا الدولية، رئيس البلدية نفسه، الذي قرر العودة عن هذا القرار وألغاه في اليوم الموالي، دون أن يخبر مواطني بلديته «المحافظين « عن السر وراء هذا التحول الفجائي. صورة تزداد قتامة نتيجة الكم الهائل من قرارات العدالة السالبة لحرية الجزائريين، لأتفه الأسباب، بدءا من الكتابة في الوسائط الاجتماعية، إلى الغش في امتحانات وصلت العقوبة فيها إلى سنوات قد تساوي عمر المترشح لهذه الامتحانات! طالت الكثير من المواطنين البسطاء، وصولا إلى الأمور الجدية الأخرى كتلك المتعلقة، بمحاربة الفساد كما بينته القضية الأخيرة المرتبطة بالانتخابات الرئاسية، التي تم الحكم فيها على ثلاثة مرشحين لرئاسيات 2020 بمن فيهم زعيم حزب سياسي وزير سابق وامرأة أعمال نافذة. محاكمات يمكن أن تؤدي إذا استمرت على الوتيرة نفسها إلى ملء السجون وتجاوز قدرتها الاستيعابية، بكل ما ميزها من نوعية، (ثلاثة رؤساء حكومات وعديد الوزراء وعشرات الضباط، زيادة على كم هائل من رجال الاعمال) قد لا نجد ما يشبهها في مجتمعات أخرى، ونحن نعاين وجوه السجناء، الذين زاد بينهم عدد رجال السياسة والمال من علية القوم.

على المستوى الدولي سمعة الجزائر على محك أصعب، إذا صدقنا الأخبار المتداولة على الكثير من الوسائط الاجتماعية، وهي تتحدث عن احتجاجات قام بها مواطنو بعض الدول الأوروبية، من بينها إسبانيا ضد المهاجرين المغاربة والجزائريين، على وجه الخصوص، المتهمين بسوء السلوك والعدوانية.. أكاد أجزم أن وراءه أيادي تدبر له، حتى لا يبقى الأمر متعلقا بفرنسا فقط، بل يشمل أكثر من بلد أوروبي، كما أكده طرح أحد البرلمانيين الإنكليز، وهو يتكلم عن ظاهرة النشل التي ربطها ببعض المهاجرين الجزائريين، في هذا البلد الجديد كمكان للهجرة بالنسبة لهم، وحتى قضية سرقة التلفونات الذكية، التي تشير بعض المعطيات المتداولة، إلى أنها تصب في حي بومعطي بالحراش، تصله من كل دول العالم، بما فيها بريطانيا على شكل تجارة شبه علنية في هذا الحي، الذي يتميز أبناؤه على غرار كل أحياء الحراش، القبة وحسين داي بحضور ملحوظ في بريطانيا. في وقت قلًت فيه ظاهرة سرقة التلفونات الذكية في الجزائر نفسها. بعد انطفاء الموجة الأولى عند ظهور التلفونات. قضية بكل تشعباتها تحيل إلى مسألة تسيير ملف المهاجرين – الحراقة، الذين غادروا البلد في ظروف غير قانونية وصعبة، عادة ما يكونون من دون، وكم هائل من التصورات الخاطئة عن شروط الإقامة في هذه البلدان البعيدة، أدت بالكثير منهم إلى السير في طرق ملتوية للتكيف معها. ملف يجد الطرف الجزائري الرسمي نفسه حائرا في التعامل معه بكل ملابساته القانونية والإنسانية، التي يطرحها عليه التعامل مع هذا النوع من الهجرة التي عرفها الكثير من دول الجنوب، غطت على الهجرة الناجحة التي قامت بها فئات أكثر تأهيلا وقدرة على الاندماج في هذه البلدان، وهي تعيش تنوعا بشريا تحاول تسييره بقدر كبير من الصعوبات.
في وقت زاد فيه حضور تيارات يمينية متطرفة بين أبناء البلد، تريد غلق الحدود ورفض الهجرة إليها من دول الجنوب، في جو معادٍ للتنوع قد يدفع ثمنه المهاجر المندمج والمؤهل، الذي يعاين يوميا ممارسات هذه الهجرة الجديدة التي يمكن أن يدفع ثمن سلوكياتها، التي يرفضها، دون أن تكون لديه القدرة للحد منها. موقف العجز نفسه الذي تعاني منه الآلة الدبلوماسية الوطنية التي تجد نفسها مرغمة على الدفاع عن مواطنيها وعدم التنصل عنهم، حتى وهي رافضة لسلوكياتهم في بلاد المهجر. في انتظار تبني مقارنة جديدة تراعي هذه التحولات التي تعيشها الهجرة بكم التشويه الكبير الذي تلحقه بسمعة البلد ومواطنيه الملتزمين بقوانين الإقامة في بلاد المهجر حتى لا يدفع المحرم ثمن المجرم، كما يقول المثل الجزائري المشهور. 

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات