على الجدران المطلية باللون الوردي في جناح علاج سوء التغذية لدى الأطفال بمستشفى ناصر في قطاع غزة، رسومات كرتونية لأطفال يركضون ويبتسمون ويلعبون بالورود والبالونات.
وتحت الصور، مجموعة من الأمهات يرقبن أطفالهن الرضع الذين يرقدون دون حركة أو صوت، معظمهم منهكون للغاية بسبب الجوع الشديد لدرجة أنهم لا يقدرون حتى على البكاء.
وقال الأطباء إن هذا الصمت شائع في الأماكن التي تعالج من يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو علامة على توقف الأجساد عن العمل.
وقالت زينة رضوان، والدة الطفلة ماريا صهيب رضوان البالغة عشرة أشهر “بتضلها مرخية، مرمية، ما بتتحركش، لا بتقعد ولا بتقف على رجليها… يعني لا بتستجيب معاك”. ولم تتمكن زينة من العثور على الحليب أو الطعام الكافي لطفلتها، ولا تستطيع أن ترضع ابنتها لأنها أيضا تعاني من نقص التغذية وتعيش على وجبة واحدة يوميا.
وعلى مدى الأسبوع المنصرم، أمضى صحفيو رويترز خمسة أيام في مجمّع ناصر الطبي، وهو واحد من أربعة مراكز فقط متبقية في غزة قادرة على علاج الأطفال الذين يعانون من الجوع بدرجة خطيرة. وخلال فترة وجود رويترز هناك، جرى إدخال 53 حالة لأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد، بحسب رئيس القسم.
ونفدت مخزونات غزة من المواد الغذائية بعد أن قطعت إسرائيل جميع الإمدادات إلى القطاع في مارس/ آذار الماضي. وتم رفع هذا الحصار في مايو/ أيار، ولكن مع قيود تقول إسرائيل إنها ضرورية لمنع تحويل مسار المساعدات إلى الجماعات المسلحة.
وتفاقم الوضع في شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز مع نفاد المخزونات، إذ حذّرت منظمة الصحة العالمية من تفشي المجاعة، وأصابت صور الأطفال المصابين بالهزال العالم بالصدمة.
وتقول وزارة الصحة في غزة إن 154، منهم 89 طفلا، لاقوا حتفهم بسبب سوء التغذية، ومعظمهم في الأسابيع القليلة الماضية. وقال مرصد عالمي للجوع أمس الثلاثاء إن سيناريو المجاعة يحدث الآن.
وقالت الأمم المتحدة إن حجم ما هو مطلوب لدرء المجاعة وتجنّب حدوث أزمة صحية كبير.
وقال الدكتور أحمد الفرا رئيس قسم طب الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي “نحن بحاجة إلى حليب الأطفال. ونحتاج إلى إمدادات طبية. ونحتاج إلى بعض المواد الغذائية، وأغذية خاصة لقسم التغذية… نحن بحاجة إلى كل شيء من أجل المستشفيات”.
وقال ماركو كيراك، الأستاذ المشارك في كلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية “الأطفال الذين يعانون من أمراض سابقة هم أكثر عرضة للخطر. فهم يتأثرون في وقت أبكر”. وساعد كيراك في وضع المبادئ التوجيهية العلاجية لمنظمة الصحة العالمية لسوء التغذية الشديد.
وقال الفرا إن مستشفاه يتعامل الآن مع أطفال مصابين بسوء التغذية لم تكن لديهم مشاكل صحية سابقة، مثل الطفلة وتين أبو أمونة التي ولدت بصحة جيدة منذ ثلاثة أشهر تقريبا وتزن الآن 100 جرام أقل عن وزنها عند الولادة.
وأضاف “يعني إحنا خلال التلات شهور ما كسبنا غرام واحد، بالعكس تراجعت الطفلة في الوزن”.
وتابع “هناك فقدان تام للعضلات. فقط الجلد فوق العظام، دليل أنه الطفلة دخلت في مرحلة من سوء التغذية الشديد، لو لاحظنا حتى وش الطفلة، يعني فقد النسيج الشحمي الموجود في منطقة الوجنتين لدى الطفل”.
وتشير ياسمين أبو سلطان والدة الطفلة إلى أطراف ابنتها التي يساوي عرض ذراعيها عرض إبهام والدتها.
وقالت ياسمين مشيرة إلى ابنتها، هل ترون؟ هاتان هما ساقاها، انظروا إلى ذراعيها.
نفاد الإمدادات وندرة الأماكن في المستشفى
قال الفرا ومنظمة الصحة العالمية لرويترز إن الأطفال الأصغر سنا على وجه الخصوص يحتاجون لتركيبات علاجية خاصة يتم تحضيرها باستخدام المياه النظيفة، مشيرين إلى شح الإمدادات.
وذكرت مارينا أدريانوبولي، رئيسة فريق منظمة الصحة العالمية للتغذية المعني بالاستجابة في غزة “جميع الإمدادات الرئيسية لعلاج سوء التغذية الحاد الوخيم، بما في ذلك المضاعفات الطبية، تنفد بالفعل… الوضع حرج حقا”.
وأضافت أن مراكز العلاج تعمل أيضا فوق طاقتها الاستيعابية.
وفي الأسبوعين الأولين من يوليو/ تموز الجاري، تلقى أكثر من خمسة آلاف طفل دون سن الخامسة العلاج في العيادات الخارجية لسوء التغذية، وكان 18 في المئة منهم يعانون من سوء التغذية بأشد صورها.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن هذا الرقم يمثل ارتفاعا مقارنة مع 6500 طفل في شهر يونيو/ حزيران بأكمله. ويعد هذا بالفعل أعلى رقم في الحرب ومن شبه المؤكد أنه أقل من الواقع.
وقالت والدة وتين إنها حاولت إدخالها إلى المستشفى الشهر الماضي، لكن المركز كان ممتلئا عن آخره. وبعد عشرة أيام دون أن يتوفر الحليب ومع توفر وجبة طعام واحدة بالكاد في اليوم لبقية أفراد العائلة، عادت الأسبوع الماضي لأن حالة ابنتها كانت تتدهور.
ومثل عدد من الأطفال الرضع في مركز ناصر، تعاني وتين أيضا من الحمى والإسهال المتكررين، وهي أمراض يكون الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بها، ما يجعل حالتهم أكثر خطورة.
وقالت الأم “إذا ضلت هيك (بقيت على هذه الحالة)، هافقدها”.
ولا تزال وتين في المستشفى لتلقي العلاج، حيث تشجعها والدتها على تناول رشفات صغيرة من زجاجة الحليب الصناعي. وقال الأطباء إن أحد الآثار الجانبية لسوء التغذية الحاد هو فقدان الشهية على عكس ما هو بديهي. وتعيش الأم ياسمين نفسها على وجبة واحدة في اليوم يقدمها المستشفى.
وغادر أطفال آخرون قابلتهم رويترز، مثل ماريا (10 شهور)، المستشفى مطلع الأسبوع بعد أن اكتسبوا وزنا، وتم إعطاؤهم حليبا صناعيا ليأخذوه معهم إلى المنزل.
لكن آخرين، مثل زينب أبو حليب (خمسة أشهر)، لم يكتب لهم النجاة.
أصيب جسد الطفلة بالضعف لدرجة أنه لم يعد قادرا على مقاومة العدوى بسبب سوء التغذية الحاد. توفيت يوم السبت بتسمم الدم، وغادر والداها المستشفى يحملان جثمانها الصغير ملفوفا بالكفن الأبيض.
تعليقات الزوار
لا تعليقات