أخبار عاجلة

الجزائر توطد علاقاتها مع إيطاليا بعقود ضخمة زكارة في فرنسا

تسجل العلاقات الجزائرية- الإيطالية في السنوات الأخيرة، تحولاً لافتاً جعل من روما الشريك الأوروبي الأول للجزائر، متقدمة على عواصم كانت لعقود تتصدر واجهة المبادلات السياسية والاقتصادية مع الجزائر، وفي مقدمتها باريس.

ويرتبط هذا التحول بعدة عوامل، أبرزها التغيرات الجيوسياسية في منطقة المتوسط، وملف الطاقة الأوروبي بعد الحرب في أوكرانيا، إلى جانب سعي الجزائر إلى تنويع شركائها وتوسيع هوامش استقلالية القرار الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي هذا السياق، جاءت زيارة الدولة الثانية التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى جمهورية إيطاليا (أجرى زيارات أخرى لحضور ملتقيات دولية)، بدعوة من رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني، تزامنا مع انعقاد الدورة الخامسة للقمة الحكومية الجزائرية- الإيطالية رفيعة المستوى.

وفي الشق السياسي من الزيارة، أكد الرئيس تبون، خلال ندوة صحافية مشتركة مع ميلوني، أن زيارته إلى روما تشكل “لبنة جديدة في صرح العلاقات النموذجية” بين البلدين، مبرزاً أنها تندرج ضمن “سياق عمل وتنسيق متواصل لتعزيز وتوسيع الشراكة الثنائية وفق مقاربة واقعية قائمة على المصالح المتبادلة”.

وأعرب الرئيس الجزائري عن اقتناعه بأن القمة الجزائرية- الإيطالية وما انبثق عنها من اتفاقات ومبادرات، تفتح آفاقاً جديدة نحو شراكة استراتيجية ذات بعد مستدام، تعكس عمق الروابط السياسية والتاريخية التي تجمع البلدين.

من جانبها، وصفت رئيسة الوزراء الإيطالية الرئيس الجزائري بـ”الكفاءة الكبيرة”، مشيرة إلى أن العلاقات الجزائرية- الإيطالية “تتقوى باستمرار”. وذكّرت ميلوني بالدور التاريخي الذي لعبته الجزائر في دعم إيطاليا، كما استعادت محطات من التضامن الإيطالي مع الجزائر خلال فترات حرجة من تاريخها، ما يمنح حسب تعبيرها عمقاً خاصاً للعلاقات الثنائية.

كما توقفت ميلوني عند مشروع “إنريكو ماتيي”، الذي اعتبرته جسراً إستراتيجياً بين الجزائر وروما، ويكرّس تقارباً غير مسبوق بين البلدين، لاسيما في المجال الطاقوي، حيث تسعى إيطاليا لأن تصبح منصة لتوزيع الغاز الجزائري في أوروبا، ما يمنح الجزائر موقعاً محورياً في إستراتيجية الطاقة الأوروبية.

وكترجمة لهذه الديناميكية الاقتصادية، رافق الزيارة انعقاد منتدى الأعمال الجزائري- الإيطالي، الذي شهد مشاركة مكثفة لرجال الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين من كلا البلدين، واستعرض خلاله الرئيس تبون المؤشرات الجديدة للاقتصاد الجزائري، مؤكداً أن الجزائر تعتبر إيطاليا “شريكاً أساسياً وجاداً” في دعم مسار الإصلاحات الاقتصادية.

وتم خلال المنتدى توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات في قطاعات حيوية، من بينها مذكرة تفاهم بين مجمع سوناطراك وشركة “إيني” الإيطالية، لتعزيز التعاون في مجال المحروقات والانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة. وتستهدف هذه الاتفاقية زيادة إنتاج الغاز عبر عقود جديدة، وتمديد صادراته نحو إيطاليا، مع استحداث مشاريع مشتركة في مجال الطاقات النظيفة.

إلى جانب قطاع الطاقة، شهدت القمة توقيع اتفاقيات تشمل الزراعة، الصيد البحري، التحويل الغذائي، تربية الأسماك، الاتصالات، الدفاع، الاعتراف المتبادل برخص السياقة، والتعاون في مجالات الإغاثة ومكافحة الحرائق والبحث والإنقاذ في البحر، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم تتعلق بحقوق ذوي الهمم وتطوير الاستثمار. وقد وقعت وكالة ترقية الاستثمار الجزائرية مذكرة تفاهم مع شركة “إنفيتاليا” الإيطالية لتعزيز التعاون في جذب رؤوس الأموال.

وكان القطاع الصناعي أبرز المستفيدين من العقود، حيث وقّعت شركة ستيلانتيس الجزائر اتفاق شراكة مع شركة “سيجيت” الإيطالية لإنتاج قطع بلاستيكية موجهة لمصنع فيات بطفراوي بوهران، بالشراكة مع المؤسسة الوطنية للبلاستيك والمطاط. وتندرج هذه الاتفاقية ضمن مسعى توطين المناولة الصناعية في قطاع السيارات، ورفع نسبة الإدماج المحلي إلى أكثر من 30 بالمئة.

كما تم الإعلان عن اتفاق إطار بين شركة “دانيايلي” الإيطالية والشركة الوطنية سيدار الحجار لإنتاج الصلب، لتجهيز مصنع درفلة جديد بطاقة إنتاجية تبلغ 800 ألف طن سنوياً، إلى جانب شراكات أخرى لإنتاج الأسمدة العضوية من نفايات الجلود لأغراض التصدير، وتوطين تصنيع أجزاء داخلية للسيارات موجهة لنماذج “فيات باندا غراندي” و”فيات دوبلو”، فضلاً عن مشاريع ناشئة في مجال تصنيع الحزم والكابلات الكهربائية الموجهة لصناعة السيارات.

وفي الجانب الرمزي والبروتوكولي للزيارة، خص الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا نظيره الجزائري باستقبال رسمي في القصر الرئاسي “كورينالي”، وأجريا محادثات ثنائية توسعت إلى وفدي البلدين. كما من المنتظر أن يلتقي الرئيس الجزائري البابا ليو الرابع عشر في دولة الفاتيكان والذي كان قد عبّر في عدة مناسبات عن ارتباطه بالجزائر ورغبته في زيارتها باعتبارها موطن القديس أوغسطين.

وتأتي الزيارة، بما تضمنته من محاور سياسية واقتصادية وثقافية، في وقت تشهد العلاقات الجزائرية الأوروبية تدهورا على خلفية اعتماد المفوضية الأوروبية قرارات تصنف الجزائر ضمن قائمة الدول عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال إلى جانب لجوئها مؤخرا إلى إجراءات التحكيم ضد الجزائر التي يتهمها بتقييد عمليات الاستيراد ما حرم شركات أوربية من حصص سوقية معتبرة.

وينظر إلى التقارب الجزائري- الإيطالي بعين الريبة في باريس، حيث لم يتردد عدد من المتابعين الفرنسيين في وصف التحركات الإيطالية بأنها طعنة في الظهر لفرنسا، خاصة في ظل الأزمة القائمة بين الجزائر وباريس. ويُنظر إلى إيطاليا على أنها تستثمر هذا الفتور لتوسيع حضورها في المنطقة وتعزيز موقعها كشريك مفضل للجزائر، وهو ما يُثير حفيظة دوائر سياسية وإعلامية فرنسية ترى في ذلك تراجعًا لنفوذ تقليدي كانت تحتكره فرنسا لعقود.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات