تُواصل أسعار اللحوم في الجزائر محافظتها على الارتفاع في شهر رمضان، بالرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لضبط مختلف المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، وأبرزها استيراد هذه المادة من الخارج، الأمر الذي يُحتّم على الجهات المعنية البحث في الأسباب الحقيقية لفشلها المستمر في خفض أسعار اللحوم.
وجراء الارتفاع المستمر لأسعار اللحوم بنوعيها البيضاء والحمراء وحتى الأسماك، أصبح المستهلك الجزائري يضطر للتخلي عن حاجياته من البروتين الحيواني الضروري، رغم أهميته في المحافظة على جسم سليم وطاقة يحتاجها في مهامه اليومية.
لا يوجد انخفاض
تشير النشرية الدورية المنشورة من قبل وزارة الفلاحة إلى أن أسعار اللحوم في الجزائر استمرت في أثمانها المرتفعة،رغم مختلف الإجراءات التي اتخذتها الحكومة،حيث أشارت إلى أن سعر لحوم البقر المحلية قد وصلت إلى 1832 دينارًا بتاريخ 27 أذار،/مارس الجاري، فيما كانت عند 1821 دينار ًا في اليوم الذي سبقه في محلات البيع بالتجزئة.
وتشير نشرية الأسعار ذاتها إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الدجاج قد وصل إلى 507 دينار، فيما كان بتاريخ 26 آذار /مارس الجاري عند 504 دينار، أي أنه ارتفع هو الآخر رغم مرور أكثر من أسبوعين من شهر رمضان، والتي كانت تعرف في السنوات السابقة تراجعًا مقارنة بالأسبوع الأول من الشهر ذاته.
وانخفضت أسعار لحم الدجاج في الأيام الماضية عند بعض الجزارين حتى إلى 390 دينار، لكن عاودت للارتفاع بمستويات قياسية، وهو ما يؤكد الاضطراب المسجل في أسعار هذه المادة التي يزداد الطلب عليها جراء الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم الحمراء.
وسبق للمنسق الوطني للمنظمة الوطنية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه فادي تميم أن قال لـ"الترا جزائر" قبل بداية رمضان أن أسعار اللحوم لم تعرف استقرارًا رغم الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة، مبينًا أن أسعار الكيلوغرام الواحد من لحم الدجاج التي انخفضت إلى 340 دينارًا في القصابات، عادت لترتفع لتتعدى 40 دينارا، فيما لم تنخفض أسعار اللحوم الحمراء الطازجة المحلية مطلقًا.
تكاليف مرتفعة
من جهته، أرجع نائب رئيس المكتب الولائي للجمعية الوطنية لمربي الدجاج اللاحم بولاية الشلف، فيدال مولود، ارتفاع أسعار الدجاج إلى زيادة تكلفة تربية الدجاج اللاحم في السنوات والفترة الأخيرة، مشيرًا في حديثه أن سعر القنطار الواحد من الأعلاف يتعدى اليوم 7800 دينار، فيما وصل سعر الكتكوت الواحد إلى عتبة 230 دينار.
وأعلن الديوان الوطني لتغذية الأنعام الثلاثاء الماضي وجود وفرة في كتكوت الدجاج اللاحم، و بجودة عالية وأسعار تنافسية عبر فروع المجمعات الجهوية لتربية الدواجن، بسعر يصل إلى 150 دينارًا باحتساب جميع الرسوم.
لكن مولود فيدال في تصريح صحفي أن هذه ليست المرة الأولى التي يبيع فيها الديوان كتاكيت بهذه الأثمان، إلا أن الكمية المعروضة تبقى على الدوام قليلة ولا تلبي الطلب الموجود في السوق الجزائرية، لذلك يلجأ مربو الدواجن إلى شرائها من عند خواص بأسعار تتعدى 200 دينار.
وأشار فيدال أن الأمراض الفيروسية والبكتيرية التي أصبحت تصيب الدواجن في السنوات الأخيرة تؤثر هي الأخرى على الأسعار ووفرة المنتوج في الأسواق، كونها تتسبب في نقص وزن الدجاج، إضافة إلى المضاربة والرفع في الأسعار التي يعتمدها بعض الجزارين الذين لا يخفضون الأسعار عند نزولها لدى المربين وتجار الجملة.
ويرى عضو للجمعية الوطنية لمربي الدجاج اللاحم أن جعل اللحوم البيضاء في متناول المستهلك الجزائري يتطلب من الحكومة العمل على تقليل تكلفة الإنتاج بتوفير الكمية الكافية من الصيصان ليتلاءم العرض مع الطلب، إضافة إلى فتح مخابر جهوية أو ولائية لتحديد طبيعة الأمراض الفيروسية والبكتيرية التي تصيب الدواجن، خاصة وأن بعض الولايات أصبحت اليوم أقطابا في تربية الدواجن مثل برج بوعريريج وسطيف وباتنة والبويرة والشلف وعين الدفلى وتيارت وسيدي بلعباس، إضافة إلى ضرورة وجود إحصاءات حقيقية ودقيقة حول المنتوج الوطني من الدواجن بشكل دوري.
نقص في الإنتاج
أعلنت الحكومة قبل حلول الشهر الفضيل استيراد كميات معتبرة من اللحوم الحمراء الطازجة أو في شكل عجول وكباش موجهة للذبح من عدة دول كالأرجنتين ورومانيا، فقد تم استيراد 3 ألاف رأس ماشية من هذه الأخيرة مؤخرًا على سبيل المثال، إلا أن ذلك لم يكسر أسعار اللحوم الحمراء، فحتى المستوردة التي تقرر بيعها بـ1200 دينار في القصابات بيعت في بعضها بأعلى من ذلك حتى وصلت حتى 1350 دينار.
ويرجع الخمسيني حكيم وهو صاحب شركة لبيع اللحوم الحمراء بالجملة بالعاصمة هذا الارتفاع بالأساس إلى افتقار الجزائر للثروة الحيوانية الكافية التي تغطي الطلب المحلي، معتبرا الأرقام التي كانت تقدم سابقًا بالمغلوطة
ويتوافق هذا الرأي مع ما توصلت إليه وزارة الفلاحة بعد الإحصاء الذي اجرته العام الماضي، والذي قدر عدد المواشي بالجزائر بـ17 مليون رأس بدل رقم 30 مليون رأس الذي كان يتم تداوله في العقدين الماضيين من قبل الجهات الرسمية.
ويشتغل حكيم في مجال توزيع اللحوم الحمراء منذ مدة، حيث تشتري مؤسسته عجولًا من مالي والنيجر عن طريق المقايضة، ثم تقوم بتسمينهم وتربيتهم بولاية أدرار لمدة تصل حتى ستة أشهر قبل تسويقهم لحمًا طازجًا في الولايات الشمالية.
ويرى حكيم أنه لو شجعت السلطات اقتناء الماشية والعجول من الولايات الجنوبية والدول المجاورة بالشكل اللازم لساهم ذلك في خفض أسعار اللحوم الحمراء، حيث دعا إلى تمكينهم من نقل هذه المواشي إلى الشمال حية وعدم اشتراط ذبحها بالجنوب كما هو مطبق حاليا.
وتمنع السلطات تسويق هذه الماشية المستوردة عن طريق المقايضة حية في الشمال مخافة أن تتسبب في نقل أمراض إلى الثروة الحيوانية بالولايات السهبية والشمالية، كونها لا تتوفر على البطاقة البيطرية الكافية عنها، لذلك تشترط ذبحها بالولايات الجنوبية كون الماشية الموجودة بتلك المنطقة من السلالة ذاتها، إضافة إلى أن ذبحها هناك يمكن من إخضاعها للتحاليل اللازمة قبل تسويقها وطنيا، فيما يرى العاملون في هذا المجال أن ذلك يزيد من تكاليف الإنتاج كون نقل الماشية حية إلى الشمال لا يتطلب وسائل خاصة، إنما مجرد شاحنة، لكن نقلها مذبوحة يتطلب وسائل تبريد ومخاطر كثيرة قد تؤدي إلى فسادها.
ويشير حكيم الذي يشتغل في هذا المجال لسنوات إلى أن تراجع الثروة الحيوانية في الجزائر مرده أيضًا تخلي كثير من المربين عن هذه المهنة، وعدم وجود اليد العاملة الكافية التي تشجع على الاستثمار في هذا المجال، حيث ينفر الجيل الجديد من العمل في مجال تربية المواشي.
لقد أثبتت السنوات أن الارتفاع المتواصل في أسعار اللحوم مشكلة لا يمكن معالجتها بالاستيراد المتواصل من الخارج، إنما بالعمل على تلبية الطلب الوطني محليًا، وعليه وجب الحكومة أن تعي أن تحقيق الأمن الغذائي الذي تصبو إليه لا ينحصر في شعبة الحبوب والخضر والفواكه فقط، إنما أيضًا في تمكين الجزائري من اقتناء كل أنواع اللحوم بالكمية التي يريد ويحتاج.
تعليقات الزوار
لا تعليقات