ما أثار انتباهي في بيان وكالة الأنباء الجزائرية، وهي تتكلم عن هروب المناضلة والطبيبة أميرة بوراوي من الجزائر عبر التراب التونسي، هي تلك الإحالة التأريخية غير الموفقة سياسيا، التي قامت بها هذه الوكالة الرسمية، إلى هجوم خليج الخنازير في كوبا، الذي حصل في قمة صعود الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وكوبا في عام 1961، عندما قامت المخابرات الأمريكية بتسليح ودعم مهاجرين من أصول كوبية مناوئين للثورة، وللرئيس فيدال كاسترو، إحالة تاريخية تؤكد الصعوبات التي يجدها الطرف السياسي الرسمي في التعامل مع الزمن السياسي الفعلي، ومع مجمل التحولات السوسيو – سياسية الحاصلة في الجزائر والعالم.
ولعل على رأس هذه التحولات التي يجد الطرف الرسمي الجزائري صعوبة في التعامل معها، هي تلك المرتبطة بالهجرة الجزائرية وحاملي الجنسية المزدوجة من الجزائريين، الذين زاد عددهم وتنوعت بلدان إقاماتهم، صعوبات تظهر على شكل تشنج ومبالغة في التعامل مع الأحداث، كما تظهره حالة مغادرة الطبيبة أميرة بوراوي، الذي كان يمكن التعامل بها كحادث «عادي أو شبه عادي»، قامت به مواطنة جزائرية، تعرضت لمضايقات في بلدها الأم، جعلها تفكر في الهجرة إلى بلد اختارت جنسيته، كما فعل ويفعل ملايين الجزائريين، بعيدا عن هذا التهويل الرسمي الذي وصل إلى حد التهديد بقطع العلاقات مع فرنسا، وظهور بوادر أزمة مع الجارة تونس.
تهويل ومبالغة تشارك فيها كل مؤسسات النظام، الذي لا يجد أي نوع من أنواع المساعدة من قبل نخبه الأكاديمية الإعلامية والسياسية التي لا تسعفه في الخروج من أزمته، بل تضيف له أحمالا أخرى وهي تروج لخطابه السياسي والإعلامي، من دون نقد وتمحيص، تعبيرا عن استراتيجية تملق انتهازي لنخب فاقدة للشرعية، تقترب أكثر فأكثر من منطق الذباب الإلكتروني.
صعوبات في التعامل مع الهجرة والمهاجرين، كجزء من الصعوبات الأكبر التي يجدها النظام السياسي في التعامل مع التحولات التي كانت وراءها الدولة الوطنية نفسها، ليفشل في تسيير ما أنجزته هذه الدولة الوطنية، كما هو حال انتشار التعليم بكل التوسع في الطموحات والانفتاح على العالم، الذي يميز الأجيال الشابة من الجزائريين، التي لم تعد قادرة على قبول ظروف الحياة التي يقترحها عليه هذا النمط من التسيير السياسي والاجتماعي – الاقتصادي الذي يميز النظام السياسي الجزائري، الذي يأبى التغيير والإصلاح. فمن هي أميرة بوراوي ولماذا غادرت الجزائر في هذا الشكل غير القانوني؟ ولماذا توجهت إلى تونس، ومن ثمة إلى فرنسا، وكيف حصلت على جنسية هذا البلد؟ أسئلة كثيرة يمكن أن تساعدنا في فهم هذه الحالة بعيدا عن كل تهويل وتشنج، أصبح أكثر شيء يميز سلوكيات النظام السياسي، نخبه ومؤسساته وهي تخاطب الجزائريين والعالم الخارجي. أميرة بوراوي طبيبة متخصصة، ابنة أستاذ طب وضابط سام في الجيش الوطني الشعبي، كان في وقت سابق من مساره المهني، مديرا عاما لمستشفى الجيش، عاشت وناضلت كل حياتها في الجزائر، لتكون بذلك أمام إحدى القضايا المهمة ذات العمق السوسيو – سياسي التي تحيل إليها هذه القضية، فشل النظام السياسي في التعامل مع أبنائه، الذي يظهر على شكل «انشقاق»، هذه القوى الاجتماعية التي كان يمكن أن يكسبها ويحافظ عليها كقاعدة له وداعمة لمشاريعه، وهو الحال نفسه الذي ينطبق على قضية أخرى مشابهة تتعلق بالصحافي القاضي إحسان، الذي كان أبوه هو الآخر ضابطا ساميا في الجيش الوطني الشعبي، يقبع الآن في السجن بعد أن وصلت مغامرته المهنية، التي أرادها مستقلة وبنكهة نقدية إلى مداها الأخير -في شكل مؤقت على الأقل – في ظرف الإغلاق الإعلامي والسياسي الذي تعيشه الجزائر. حالتان يمكن تعميمهما على حالات أكثر تؤكد حقيقة يجب على النظام السياسي ومن يفكر له الانتباه لها، بدل شيطنتها والتركيز على الجانب الشخصي فيها. النظام السياسي يفقد قواعده الاجتماعية، وكأنه أصبح معلقا في الهواء، هنا يكمن الخطر، وليس في كيف «حرقت» أميرة من الحدود التونسية – الجزائرية، ومن ساعدها في هذه الحرقة ومن تواطأ معها على هذه الحدود التي بقيت الوحيدة الممكنة أمام الجزائريين، إذا استثنينا البحر الذي يمكن أن يتحول إلى ملاذ أخير أمام هذه النخب المعارضة لمغادرة بلدها، كما توحي بذلك برقية وكالة الأنباء وهي تتحدث عن خليج الخنازير! فأميرة هي ابنة الحدود، أصول عائلتها تعود إلى منطقة سوق أهراس الحدودية، تزوجت في عنابة – وقد حصلت على جنسيتها الفرنسية من أم زوجها الفرنسية، أو الحاصلة هي الأخرى على الجنسية الفرنسية – وعاشت في العاصمة، فما الغريب أن تنتقل ابنة سوق أهراس إلى تونس، بشكل قانوني أو غير قانوني، كما جاء في وقت سابق على لسان الرئيس التونسي بورقيبة، وهو يرد على بومدين الذي لامه على استقبال العقيد طاهر زبيري قائد أركانه الذي حاول الانقلاب عليه في شتاء 1967 «يا سي بومدين اتصلوا بي الجماعة في الليل واخبروني أن شيئا ما يحدث في الجزائر، قلت لهم افتحوا الحدود والذي يأتي استقبلوه، لم أكن أعرف أن سي الطاهر هو الذي، جاء كان يمكن أن تكون أنت».
ما يجب أن ينتبه له النظام السياسي الجزائري قبل فوات الأوان، أن الجزائريين في حاجة إلى حريات أكبر سيستمرون في التعبير عنها فرديا وجماعيا بأشكال متنوعة، وأن هذا التضييق الحاصل هذه السنوات الأخيرة على الجزائريين وهو يصل إلى أرزاقهم، كما حصل مع أميرة الطبيبة المتخصصة التي تعيش حالة بطالة منذ سنوات، سيضعف الجزائر أكثر كبلد ودولة وطنية، ومجتمع، يمكن أن تخسر فيها معركة المهاجرين الاستراتيجية مع الطرف الفرنسي، الذي تمكن من القيام باختراقات كثيرة فيها، ونحن نعيد قراءة الكلام الذي جاء حولهم في برقية وكالة الأنباء غير الموفقة سياسيا، تحول معركة الخنازير إلى واقع فعلي – لا قدر الله ـ الكثير من الجزائريين يرفضونه، وليس إلى إحالة لمحطة تاريخية قديمة لا تعني الجزائريين مباشرة.
ناصر جابي
تعليقات الزوار
افول وانهيار
النظام العسكرى فى حاجة ماسة الى فرنسا اكثر من غيره، وخصوصا شنقريحة وتبون وبعض الضباط فى الجيش الوثنى ففى حالة تخلى فرنسا عنهم يعنى السجن مثل الدى سبقوهم ، اما ما جاء فى بيان البروبغاندا فى سياق الناشطة بوراوى فهو تلميح لدورها المخابراتى وليس السياسي وهو ماعجل بتدخل فرتسا قبل ان تتفشى الاسرار ، اعراض الانهيار بدأت فى الظهور ..؟
لا مجال للمقارنة!
الإشارة إلى معركة الخنازير من طرف زبانية المرادية هو فقط كلام فارغ من أجل الخرط وااظرط المعهودين في خرجات ومفرقعات جهاز المرادية! لا علاقة للوضع والظروف التي اسست للقيام بعملية الخنازير ضد فيديل كاسترو وهروب السيدة أميرة من جزاءر القمع والانتقام والتنكيل بالمواطن الجزاءري البريء! اولا : فرنسا تاوي ملايين ااجزاءريين على ترابها ومنذ استقلال الجزائر فلا بوم او لحظة حاولت فرنسا أن تجند أحدا منهم لمهاجمت النظام في الجزاءر... ثانيا: فرنسا و الجزاءر تربطهما علاقة جيدة وعادية للغاية ولا توجد اية إشارة من طرف فرنسا أن تقوم بما قامت به السلطات الأمريكية ضد كوبا انذاك! ثالثا: الاحرار الجزائريين في فرنسا او في المنفى هم احرار يكشفون جرائم حكام المرادية بطريقة سلمية واعلانية فقط . لا يوجد أي تحريض على القيام باعمال العنف ضد حكام الجزاءر. فلا هم مؤطرين ولا هم موحدين ولا هم منتظمين تحت حزب واحد او تحت تنظيم سياسي واحد كما كان الحال بالنسبة للكوبيين الذين كانوا في الولايات المتحدة الأمريكية! المهم الفرق ببن الحالتين هو كبير ولا توجد أرضية للمقارنة كما لا توجد علاقة بين وضع الجزاءر وفرنسا الحالي مقارنة بالوضع الذي كان بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا!