كشفت هيئة الانتخابات التونسية عن “أرقام متواضعة” تتعلق بنسبة المشاركة في الاستفتاء على دستور الرئيس قيس سعيد في الخارج، وهو ما دفع المعارضة للتحذير من إمكانية “تزوير” نتائج الاستفتاء الذي ينطلق، اليوم الاثنين داخل البلاد، في وقت اتهم فيه اتحاد الشغل الرئيس سعيد باستعمال عناصر الشرطة لتسوية “صراعاته السياسية”، مبدياً تضامنه مع إعلاميين وسياسيين تعرضون للعنف على يد قوات الأمن خلال تظاهرات معارضة للاستفتاء.
وخلال ندوة صحافية مساء السبت، أعلن رئيس هيئة الانتخابات، فاروق بوعسكر، أن نسبة المشاركة في الاستفتاء خلال اليوم الأول لم تتجاوز 3 في المئة وسطياً في العالم العربي وأوروبا والأمريكيتين، أعلاها في ألمانيا (4.5 في المئة) وأدناها في إيطاليا (1.2 في المئة).
وبرر هذه النسبة المتواضعة في الخارج (289 مركز اقتراع و378 مكتب اقتراع في 46 بلداً) بوجود “إشكاليات كبرى وصعوبات في صفوف الجالية عند الاقتراع، حيث وقع فقط تغيير مراكز الاقتراع لعدد من مواطنينا في الخارج في مركز اقتراع في باريس وكان التغيير إرادياً، وتسجيل تأخير في فتح مركز الاقتراع في صقلية الإيطالية”.
وأوضح أكثر بقوله: “تم تسجيل 2 مليون ومئتي ألف ناخب جديد آلياً للمشاركة في الاستفتاء، وتم تسجيلهم وتوزيعهم على مراكز الاقتراع وفق عناوينهم المضمنة في بطاقات تعريفهم، وهو ما قد يمثل إشكالاً للبعض منهم المتوجهين للتصويت نظراً للمعطيات غير الدقيقة بخصوص مناطق سكنهم في وثائقهم الثبوتية”.
لكن بوعسكر اعتبر أن نسق التصويت على الاستفتاء هو نفسه في الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2019، معبراً عن أمله في تجاوز نسبة المشاركة في الاستفتاء ما حدث في الاستحقاقات الانتخابية الأخرى، وخاصة أن الهيئة سجلت إقبالاً كبيراً في المشاركة خلال اليوم الأخير من التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة.
وعلق رياض الشعيبي، مستشار رئيس حركة النهضة بالقول: “نسبة المشاركة في استفتاء الانقلاب خارج تونس لم تتجاوز نسبة 1 في المئة، حسب تقديرات أولية. بهتة كبيرة لدى هيئة الانتخابات وامتناع عن نشر هذه النسبة حتى الآن. الشعب التونسي ذكيّ ويعرف كيف يجيب”.
ودون الوزير السابق رفيق عبد السلام: “الشعب بفطنته وذكائه قرر إسقاط الاستفتاء المسخرة، ولم تخدعه الخُطب والشعارات المضللة، ولم يبتلع مقولة التشويش عبر الأقمار الاصطناعية والذبذبات السماوية والأرضية (في إشارة لتصريح الرئيس سعيد)”.
وأضاف: “انتظروا الآن، المضي بالسرعة القصوى في توظيف أجهزة الدولة والضغط على الناخبين في الداخل، للتقليل من مفعول المقاطعة الموسعة، ولكن الشعب أخذ قراره ولا عودة للوراء، أي لا عودة لديكتاتورية فردية بليدة وبلهاء. قيس سعيد فقد ما بقي له من شرعية ومشروعية ولا يمثل إلا نفسه، ودستوره الذي خطه بنفسه لا يساوي الخبر الذي كتب به. مسيرة المقاومة لهذا الانقلاب الغادر مستمرة إلى غاية دحره، غير مأسوف عليه، ولا سلطة تعلو فوق سلطة دستور 2014. مع العلم هناك شكوك كبيرة تحوم حول هذه النسب في ظل المقاطعة الكاملة في الخارج وغياب آليات الرقابة”.
وعلق ياسين العياري رئيس حركة “أمل وعمل”، على الأرقام المعلنة من قبل هيئة الانتخابات: “هذه الأرقام مرتفعة جداً! في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الذي عرف مشاركة قياسية، اليوم الأول في الخارج لم تتجاوز نسبة المشاركة 3.6 في المئة”.
فيما عبّر اتحاد الشغل عن مساندته للمشاركين في مسيرة سلمية معارضة للاستفتاء دعت إليها الأحزاب الديمقراطية والجمعيات المدنية في شارع الحبيب بورقيبة وسط العامة، مندداً بـ”الاعتداء الذي سلّط عليهم وعلى الصحافيين ونقيبهم، ويعتبرها مقدّمة لمرحلة من القمع كثيراً ما هدّد بها البعض وحرّض من أجل استخدام الجهاز الأمني لإسكات كلّ صوت معارض. يطالب بإطلاق سراح المعتقلين وفتح تحقيق في الانتهاكات”.
وحمّل، في بيان أصدره السبت، الرئيس قيس سعيد المسؤولية لهذا الانحراف الاستبدادي ويطالبه بوقف أيّ توجّه قمعي ويرفض استخدام الأمن في تصفية الصراعات السياسية”، كما عبر عن “تجنّد النقابيين للدفاع عن حرية التعبير والتظاهر والاحتجاج باعتبارها أهمّ مكسب حقّقته نضالات أجيال من التونسيّات والتونسيّين وضحّى من أجله آلاف المناضلات والمناضلين وسقط من أجله عشرات الشهداء”.
واستنكرت نقابة الصحافيين سياسية “العصا الغليظة” التي اتخذتها السلطات ضد المتظاهرين الرافضين للاستفتاء، حيث “لم تكتف وزارة الداخلية بإغلاق الأنهج المؤدية لشارع الثورة وتسييجها بمئات من الأعوان من مختلف التشكيلات الأمنية مدججين بعتاد هائل كان جاهزاً مسبقاً للقمع والفتك بالمتظاهرين العزل، ومضايقة المحتجين، بل سارعت بالاعتداء الهمجي على المتظاهرات والمتظاهرين دون أي مبرر واستعملت الغاز المشل للأعصاب والهراوات والضرب والركل نتجت عنها إصابات بليغة، وتوجهت بألفاظ سوقية في حق المتظاهرات بغاية إنهاكهن نفسياً، كما اعتقلت عشرات الشباب دون وجه حق، مصادرة بذلك حقهم الدستوري في التظاهر والاحتجاج، مذكرة بسنوات مظلمة تحت حكم الترويكا وبالأشهر الأخيرة من حكومة المشيشي”.
كما أكدت استهداف نقيبها ياسين الجلاصي، وعدداً من أعضاء مكتبها التنفيذي بالغاز المسيل للدموع، فضلاً عن التنكيل بالصحافيين “لمجرد أنهم التزموا بواجبهم المهني في تغطية الحدث ونقل الصورة الحقيقية لما يحدث، وكان عدد كبير من هذه الاعتداءات قائماً على أساس النوع الاجتماعي وذا طابع جنسي”.
واعتبرت أن “سياسية القمع البوليسي الذي استهدف المتظاهرين يشكل وصمة عار لبلادنا ويؤشر لسعي السلطة للتحكم في تونس بآليات غير ديمقراطية ومدنية، ولن يؤدي إلا إلى تغذية الغضب تجاه المؤسسة الأمنية وإلى تعميق الأزمة بين المواطنين والدولة”، مؤكداً دعمها المطلق لـ”كل أشكال التظاهر والاحتجاج والتجمع والتعبير، والتي تعتبرها أحد أهم مكاسب الثورة، وستبقى آليات ضغط مستمرة ومؤثرة على منظومة الحكم من أجل مراجعة سياسات التنمية ومقاومة الفساد والإرهاب وكل مقومات الاستبداد واحترام الحقوق والحريات”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات