استوقفت العالم صور التعاطف الجميل الذي لقيته العائلات الأوكرانية اللاجئة إلى أوروبا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثلاثة أسابيع.
كان التعاطف طاغيا في دول الجوار وفي كل أوروبا. وكان الترحاب المعنوي والمادي، رسميا وشعبيا، قويا يثير الإعجاب والاحترام. وقد استثمر الإعلام الأوروبي في هذا الجانب الإيجابي ليُسوِّق الهبَّة التضامنية في أفضل صورها ولتظهر المجتمعات الأوروبية وقياداتها السياسية والمدنية في أسمى مراتبها الإنسانية. وأتمَّت منصات التواصل الاجتماعي باقي المهمة بنجاح.
من الصعب ألَّا يتوقف العقل الإنساني عند مقارنة تفرض نفسها بين المعاملة التي لقيها لاجئو أوكرانيا، وتلك التي كانت في انتظار اللاجئين العرب والمسلمين والأفارقة الذين قدموا إلى أوروبا في العقدين الماضيين، هاربين هم أيضا من حروب ونزاعات أخطر أحيانا مما يجري في أوكرانيا اليوم.
إذا أراد المرء أن يكون واقعيا، فلا شيء مستغرَب: الرفض الذي لقيه «لاجئونا» مُنتظَر، والترحاب الذي لقيه الأوكرانيون مُنتظَر أيضا. مَن توقّع غير ذلك يحتاج إلى مراجعة بعض المُسلَّمات.
هذا لا يعني إطلاقا أن ما حدث صواب. مُهمٌّ فقط استيعابه حتى لا تتكرر صدماتنا في المستقبل لأن القادم أسوأ بالنسبة «لنا».
«لاجئونا» عوملوا بتلك الطريقة غير اللائقة لأنهم غرباء عن المشهد، ووجودهم فيه يشكّل عبئا ثقيلا على المجتمعات الأوروبية.
اللاجئون الأوكرانيون عوملوا بتلك الطريقة الإنسانية والراقية لأنهم يناسبون المجتمعات التي نزحوا إليها، ولا يشكّلون أيَّ عبء عليها.
العبء الذي يشكّله «لاجئونا» لا يقتصر على الجوانب المادية والمالية والخدماتية، بل يمتد، وهذا الأهم، إلى ما هو ثقافي واجتماعي وديني تداعياته على المجتمع الأوروبي بعيدة المدى.
اللاجئ العربي والمسلم في العموم يصل إلى الغرب محمَّلابجبال من الرغبات والتناقضات الداخلية والهموم. وعندما يجد صعوبة في التخلص منها، يبدأ بالعمل على إسقاطها، وفي بعض الأحيان فرضها، على المجتمع الجديد.
على النقيض من ذلك، يصل اللاجئ الأوكراني (وقبله ملايين المهاجرين من شرق أوروبا) متحررا من كل الأعباء الروحية والثقافية والاجتماعية. لا يطرح مشكلة اندماج، لا يجادل في قضايا هي من صميم المجتمع الذي فتح له الأبواب، ولا يطالب بمأكل خاص وملبس مختلف لأولاده في المدارس.
هذه التفاصيل تصنع الفرق أكثر مما تفعل الأعباء المالية التي تختفي وراءها الحكومات في تبرير تشددها إزاء «لاجئينا».
مشاعر الغبن والظلم وعقدة النقص التي برزت خلال الأيام الماضية في المجتمعات العربية والشرقية المُصدِّرة للاجئين، مفهومة بالنظر لحجم التمييز المقصود الذي استهدف أناسا فقط بسبب اختلاف مظهرهم وموروثهم الثقافي، رغم أنهم ذاقوا الويلات ويستحقون الحماية، ورغم أن القيم الإنسانية واحدة غير قابلة للتجزئة (أو هكذا يفترض) والظلم مرفوض بغض النظر عن مكانه ومرتكبه وضحيته.
لكن (كبيرة) من ضروري أن ندرك أن العالم، وعلى هامش الحروب الصاخبة، يعيش صراعا حضاريا ودينيا بين الشرق والغرب، موجات اللجوء الهائلة ومشاكل الاندماج أحد أعراضه. مثلما تعيش مجتمعاتنا خوفا شديدا من المستقبل، تعيش المجتمعات الغربية خوفا مماثلا من «الآخر» الذي جاء «من بعيد ليهدد نمط عيشنا وتفكيرنا».
هذه الأفكار والمخاوف لم تعد من المحظورات كما كانت قبل بضعة عقود. هي الآن متغلغلة وتتبناها نخب سياسية وثقافية وتجعل منها برامج انتخابية، وإلا ما كان اليمين الفرنسي المتطرف (على سبيل المثال لا الحصر) ليصل أكثر من مرة إلى الدور الثاني في الانتخابات الرئاسية. نحتاج أن ندرك أن الحركات اليمينية في المجتمعات الغربية أصبحت جزءا من حياة الناس، يشاهدونها يوميا على شاشات التلفزيون ويقرأون لها وعنها بلا أيّ انزعاج.
ونحتاج أن نقرَّ بأن اللاجئين القادمين من الشرق يتحملون نصيبا من المسؤولية في تغذية مشاعر الكراهية لهم في مجتمعاتهم الجديدة.
عندما ندرك هذه الحقائق تصبح المقارنة بين «لاجئينا» و«لاجئيهم» غير مزعجة لنا، ونتوقف عن الشعور بالألم من إشادة بعض السياسيين والإعلاميين الغربيين باللاجئين الأوكرانيين «المتعلمين والفاهمين» وبـ»الشُقر الأوروبيين» الذين «فرّوا على متن سيارات جميلة مثل سياراتنا».. إلخ.
عندما نصل إلى هذه المصالحة مع الواقع المُر، يصبح من المؤذي أن يتمنى أحدنا أن يُعامَل اللاجئون الأوكرانيون مثلما عومل العرب والأفارقة والأفغان، لأن هذا سيكون خروجا عن الفطرة الإنسانية السويّة ودخولا في منطق (نكتة) العربي الذي عندما تنقطع الكهرباء في العمارة يلقي نظرة من النافذة فإذا رأى الظلام يغمر المدينة شعر بسعادة وقال: الحمد لله راحت عند الكل!
استيعاب الواقع يمنحنا الجرأة على مواجهة أنفسنا وطرح أسئلة تستحق أن تُطرح من قبيل: ماذا لو قلبنا الأدوار وكانت مجتمعاتنا هي المستقبِلة للاجئين؟ هل كانت ستفتح ذراعيها لأوروبيين شُقر مسيحيين؟ الرغبة في الجواب تحيل إلى أسئلة أخرى أكثر إيلاما: هل استقبل لبنان اللاجئين السوريين بالورود؟ لماذا أوشك المغرب والجزائر على الوقوع في أزمة دبلوماسية بسبب 50 لاجئا سوريا؟ هل يعرف أحدكم عائلة سعودية فتحت أبواب بيتها لعائلة يمنية؟ هل يدلّني أحد على دولة عربية واحدة استقبلت دفعة نظامية من 40 (وليس 4 آلاف) لاجئا سوريا أو أفغانيا؟ هل كان المجتمع التونسي سيرضى بالليبيين لولا أموالهم وقدومهم من أجل الطبابة والعبور؟ هل سأل أحدنا لماذا يختار اللاجئون الأفارقة حوض البحر والموت في أعماقه على البقاء في ليبيا مثلا أو المغرب؟
أعرف أن المجتمعات العربية أصلا منهكة وظروفها الاقتصادية صعبة، لكن هذا لا يبرر كل شيء، ولا يبرر تصرفات وألفاظا عنصرية مقيتة تُرى أحيانا عند أبواب دور العبادة. لا أخشى القول أن مجتمعاتنا كانت ستتصرف بالطريقة ذاتها حيال «الآخر» حتى لو كانت غنية. القضية أكبر من عوز ومعاناة اقتصادية، والفقر في بعض الأحيان سبب ليستيعد الإنسان إنسانيته.
توفيق رباحي
تعليقات الزوار
مغربي و افتخر
فلنكن صادقين ، لهم عاداتهم و تقاليدهم و لنا عاداتنا و تقاليدنا التي تختلف جملة و تفصيلا عنهم، عقلياتنا المتحجرة و أسلوبنا في الحياة الذي نريد فرضه على مجتمع ليس بمجتمعنا، و تدفق الملايين من العرب و جلهم أميون، فين غادي؟ غادي لأوروبا، العرب في أوروبا قليل من المثقفين و كثير من الشمكارة و اللصوص، و هذه حقيقة عايشتها هناك في كل عطلة، للأسف العرب منحطين و لا ثقة فيهم و لهذا الآخر يحطاط منا و كثيرا ما يقولون لنا ذلك إرحلو عنا و نحن مثل تلك الجمرة الخبية أينما ذهبنا تركنا ورائنا آثار البؤس و الشقاء لاننا متخلفون و بعقلية خامجة و في الأخير نحن من ذهب عندهم و ليس هم من جاؤو إلينا.