وسط تصاعد وتيرة العدوان على قطاع غزة، وازدياد فظاعة المجازر المرتكبة بحق المدنيين، يواصل الشعب الموريتاني حراكه المتنوع دعمًا لصمود الأهالي في القطاع المحاصر.
فمن الفعل الثقافي إلى الاحتجاج الميداني، ومن المواقف الرمزية إلى الإغاثة المادية، تتسع رقعة النصرة الشعبية في موريتانيا للقضية الكبرى، حيث نظّمت جمعية المستقبل والرباط الوطني ملتقى أدبيًا بنسخة خاصة تحت شعار «طوفان الأقصى»، فيما تتواصل الوقفات الاحتجاجية أمام السفارة الأمريكية في نواكشوط، وتتوسع مبادرات الإغاثة لتشمل توفير الخضراوات وماء الشرب للعائلات المتضررة.
وفي مشهدٍ طافح بالإيمان والوفاء، ومشحونٍ بنبض القلوب الموريتانية المتصلة بالقدس وغزة، تواصلت الأحد فعاليات «ملتقى المستقبل الأدبي – نسخة طوفان الأقصى»، الذي تنظمه جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، بالتعاون مع الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني، تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، وتحديدًا مع أهل غزة الصامدة في وجه الإبادة والحصار.
وأكد الدكتور شيخنا سيدي الحاج، الأمين العام لجمعية المستقبل، على رمزية هذا الملتقى، وكونه «صيحة دعوية» تعيد توجيه البوصلة إلى فلسطين الجريحة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية ليست مجرد ذكرى أو ترف وجداني، بل هي جرح مفتوح في ضمير الأمة، وامتحان دائم لصدق انتمائها.
وشدد الدكتور شيخنا على أن ما يتعرض له شعب غزة من مجازر وحصار وتجويع، يجب أن يُواجَه بالكلمة الحية والفن الملتزم، وأن هذا الملتقى هو إحدى محاولات استنهاض الضمير الثقافي للانتصار للقضية الأولى للأمة.
ومن أبرز فقرات الحفل، محاضرة ألقاها الدكتور المقرئ الإدريسي بعنوان: «تأسيس الموقف الحي من قضية فلسطين»، تناول فيها أبعاد عملية طوفان الأقصى، معتبراً أنها لحظة مفصلية في تاريخ الصراع مع الاحتلال، أعادت للأمة وعيها وهويتها، وأثبتت أن المقاومة هي السبيل الوحيد لحفظ الكرامة.
وأكد أن «فلسطين ليست مناسبة موسمية، بل هي عنوان كرامة الأمة في حاضرها ومستقبلها».
وفي السياق نفسه، تحدث العلامة الشيخ محمد الحسن الددو عن جذور الصراع مع الاحتلال، مبرزًا أن تحرير القدس ليس حلمًا مستحيلاً، بل وعدٌ ربانيٌّ آتٍ، وأن نبوءة النصر أقرب مما يتصوره الكثيرون.
وقد تخللت الحفل أمسية شعرية فنية شارك فيها نخبة من الشعراء والمنشدين الموريتانيين، تغنّت أبياتهم ومقطوعاتهم بالمقاومة وبالصمود الفلسطيني، وخصوصًا بطولة الأطفال والنساء في غزة الذين يواجهون القصف بالحجارة، ويشيّعون الشهداء بالأناشيد.
كما تم عرض مسرحية مؤثرة من إعداد منتسبي جمعية الطفولة، جسدت معاناة أطفال غزة تحت الحصار، حيث رُسمت مشاهد الألم والرجاء بلغات وطنية وعالمية، في تعبير درامي حيّ عن وحدة المصير الإنساني في وجه آلة القتل الصهيونية.
وستتواصل فعاليات الملتقى إلى وسط الأسبوع، عبر ندوات فكرية ومحاضرات أدبية وجلسات فنية، يؤمل من خلالها أن تبقى غزة والقدس في صدارة الوعي الثقافي والدعوي.
وفي مشهد غير مسبوق من التعبئة والتضامن، شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط عصر السبت مهرجانًا تضامنيًا حاشدًا أمام السفارة الأمريكية، شارك فيه مئات من خريجي الكليات والمعاهد الوطنية، مرتدين زيّ التخرج، ومرددين هتافات مناصرة لغزة وللمقاومة الفلسطينية، ومنددة بالعدوان الإسرائيلي والتواطؤ الدولي، وعلى رأسه الدعم الأمريكي للاحتلال.
وشهد المهرجان الذي جاء تتويجًا لحراك تنسيقي قاده خريجو دفعات التخرج للعام 2025، مشاركة واسعة من النخب الجامعية، والفاعلين من الطلاب، وممثلي المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني، وعدد من المنظمات الشبابية والحقوقية.
وتخلل المهرجان التضامني عدد من الكلمات الخطابية الحماسية، التي عبّرت عن الغضب والرفض، ودعت إلى مواقف عملية نصرة لفلسطين.
وأكد الخطباء «أنهم ليسوا مجرد دفعات تخرج، بل «نحن رسل وفاء لفلسطين، ورسالتنا للعالم أننا لا نلبس عباءة التخرج إلا لندخل بها في معركة الوعي والتحرير».
وأضاف خطباء المهرجان: «ما يحدث في غزة إبادة موصوفة، صمت الأمم المتحدة جريمة، وتطبيع بعض الأنظمة طعنة في ظهر الشعوب؛ نحن هنا لنقول: لن تمروا من موريتانيا، لن تخرقوا وجدان هذا الشعب الحر، ولن تجدوا في خريجينا خونة أو صامتين».
ورفع المشاركون لافتات ورددوا شعارات بينها: أوقفوا المجاعة.. ارفعوا الحصار، «غزة تجمعنا.. والتطبيع يفرقنا»، «يا غزة، خريجو موريتانيا معكِ».
وفي ختام المهرجان، قرر المنظمون مواصلة التبرع عبر قنوات موثوقة، وتنظيم فعاليات مماثلة في الداخل والخارج، وإطلاق حملات إلكترونية موحدة، والتنسيق مع الخريجين في العالمين العربي والإسلامي لتأسيس «رابطة طلابية عالمية لنصرة غزة».
وفي موازاة هذا الحراك الرمزي والميداني، يواصل المنتدى الإسلامي الموريتاني جهوده الإغاثية لصالح الأهالي المحاصرين في غزة، فقد أعلن المنتدى استلام مساعدات نقدية تجاوزت 6 ملايين أوقية قديمة، قدّمتها مبادرة «جاهد بمالك».
وتابعت فرق المنتدى الإسلامي الموريتاني عمليات توزيع لوجبات طعام ساخنة لألف أسرة، إضافة لتوزيع 200 سلة خضراوات على الأهالي في مخيمات جنوب غزة، إلى جانب دوريات متواصلة لصهاريج مياه شرب لفائدة الأهالي بالمناطق المحاصرة.
وبينما تشتد المحنة في غزة، يبرهن الموريتانيون مرة تلو الأخرى على تجذّر ارتباطهم بفلسطين، لا باعتبارها قضية بعيدة بل بوصفها جزءًا من وجدانهم الحيّ.
ومع تواصل الفعاليات الثقافية والميدانية، وتوسع جهود الإغاثة الشعبية، يبعث الشارع الموريتاني برسالة واضحة مفادها أن الطوفان الشعبي الموريتاني المناصر لفلسطين لن يتوقف ما دام الاحتلال قائمًا، والعدوان مستمرًا.
تعليقات الزوار
لا تعليقات