أخبار عاجلة

هل أصبحت الجزائر سيئة إلى هذا الحد؟

سؤال يتبادر لذهن كل عاقل وهو يشاهد كيف يعمل الجزائري المستحيل لمغادرة البلد، بأسرع الطرق حتى وهو يغامر بحياته، كما أكدته الصحافة الوطنية هذا الأسبوع، وهي تتحدث عن فقدان أكثر من 400 مهاجر من الذين لم يسعفهم الحظ في الوصول إلى إسبانيا خلال سنة 2021، من جزائر يريد مغادرتها الفقير والغني، المتعلم والأمي، الكبير والصغير، المرأة والرجل، لا فرق، كما جاءت به الأخبار، التي تحدثت الأسبوع الماضي عن شروع 1200 طبيب متخصص في مغادرة البلد، بعد نجاحهم في امتحانات التأهيل التي تطلبها السلطات الفرنسية الجامعية الطبية، من الأطباء الذين يريدون الاستقرار والعمل في فرنسا، تبقى الجزائر في أشد الحاجة إليهم، هي التي صرفت عليهم المليارات.
المعطيات حول هذا النوع من الهجرة، التي أكدت أن هناك تنوعا كبيرا في اتجاهاتها، لم تعد مقتصرة على فرنسا بفعل عامل اللغة، بل زادت عليها اتجاهات جديدة لم تكن معروفة في السابق، كما هو حال ألمانيا وكندا، زيادة على ما عرفناه في وقت سابق عن الهجرة المتوجهة نحو دول الخليج، التي ارتبطت بفئات محددة كمهندسي البترول والغاز والصحافيين وأساتذة الجامعات.

هجرات مست النخب العلمية، كما هو واضح، التي زادت الحاجة إليها في زمن كورونا، الذي نعيشه منذ ثلاث سنوات، والذي أبان عن ضعف المنظومة الصحية الغربية، وحاجتها إلى يد عاملة مؤهلة، كما هو الحال مع الأطباء والممرضين، زيادة على ما هو معروف من تحديات ديموغرافية تعيشها القارة العجوز، تجعلها ترحب بهذا الدعم النوعي الذي يأتيها بانتظام من دول الجنوب، على شكل يد عاملة مؤهلة وشابة، بقدرة كبيرة على الاندماج، حتى وهي تقابل بنوع من التمنع الشكلي ووضع الحواجز التي يدعمها أكثر في السنوات الأخيرة بروز يمين متطرف داخل هذه المجتمعات، التي ستبقى في حاجة إلى هذا النوع من الهجرة على المدى الطويل. هذا على مستوى بلدان الاستقبال، التي من ميزاتها أنها تناقش قضاياها، وتجد الحلول لها في الوقت المطلوب، تضع سياسات وتطبقها في حينها، عكس ما هو حاصل عندنا نحن، كمجتمعات منتجة ومصدرة لهذه الهجرة، ما زلنا نتعامل معها وكأنها قضية شخص أو عائلة، وليست قضية مجتمع ونظام تعليم ونوعية حياة ووضع اقتصادي واجتماعي، لدرجة أن الذي يستطيع أن يجد الحلول لهذه الأنواع من الهجرة التي تعيشها مجتمعاتنا، سيكون قادرا على إيجاد الحلول الجذرية لكل مشاكلنا، فالهجرة تلخص كل مشاكلنا وصعوباتنا كمجتمعات وأنظمة سياسية ووضع اقتصادي، وثقافي ومدينة وعيش مشترك إلخ، فقط يجب الاستماع جيدا لهذه الهجرة وتفكيك شيفرتها حتى نفهم ماذا يريد أن يقوله ويعبر عنه المهاجر. الهجرة تقول لنا، إذا اكتفينا بحالة الجزائر، إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي هو العامل الأول المفسر للهجرة، كضعف مستويات الأجور، كما هو واضح لدى الأطباء الجزائريين، وسوء ظروف العمل وغيرها من المتغيرات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، المتجهة نحو تدهور أكثر، كما يؤكد ذلك الكثير من المؤشرات التي من بينها، تلك النزعة النقابية المطلبية الكبيرة، التي عبرت عنها هذه الفئات، التي لم تكن حاضرة لديها في السابق، كما كان حال الأطباء وهم يخرجون في مسيرات عام 2018 تعرضت لقمع ما زال يتذكره الكثير منهم، يفسر جزئيا حالتهم النفسية ونزعتهم القوية لمغادرة البلد، بعد أن قاموا بشبه قطيعة عاطفية معه، ليبقى الكثير من المتغيرات الأخرى المرتبطة بهذه العوامل المسكوت عنها، وغير المدروسة بالقدر الكافي، ونحن نحاول فهم أسباب الهجرة، من ذلك مثلا نوعية الحياة داخل مدننا، التي نتكدس داخلها، على غرار الحياة الثقافية والترفيه الغائب، الذي تعطيه الفئات الوسطى، التي نتكلم عنها أهمية كبيرة في تقييم حياتها، وهي تعايش كيف يتدهور يوميا، مثلها مثل الشباب الذي تغريه الصورة التي يحملها لنوعية الحياة في البلدان الغربية، لتتحول إلى محفز كبير للهجرة، ومغادرة البلد، مقابل القحط الذي يعيشه في بلده.

متغيرات أخرى نجدها حاضرة لتفسير هجرة هذه الفئات الوسطى المؤهلة، ابنة الأوساط الحضرية، التي لم تعد تطيق الحياة في الجزائر، ما يتعلق بما يمكن تسميته بإعادة الإنتاج الاجتماعي للذات، لدى الفئات الوسطى، التي تمنح تعليم أبنائها وبناتها أهمية قصوى، هذا العامل يفسر كيف نجد مهاجرين كُثرا من الجزائريين، يتمتعون بمستوى معيشي معقول وكبار في السن، ومع ذلك يفضلون مغادرة البلد، لأنهم غير راضين عن نوعية تعليم أبنائهم – بناتهم ربما أكثر ـ وبالتالي لا يرتاحون للمصير الذي ينتظرهم فيها وهي تعيش حالة صعود لتيارات دينية ومحافظة غير متسامحة، «تْفرت فيّ» – دفعت الثمن في الدارجة الجزائرية – لا أريد أن «تتفر في أبنائي»، عادة ما يكون الأب هو الإطار الذي يقرر الهجرة، حتى لو كان مرتاحا ماديا، فالخوف على مستقبل أبنائه، بما يحيل إليه على مستوى استقرار البلد ونظامه السياسي ووضعه الاجتماعي – الثقافي القائم هنا، يمكن تلمسه بسهولة في كلام المهاجر وهو يفسر أسباب مغادرته البلد. لنكون بذلك غير بعيدين عن المستويات السياسية التي لا يذكرها الجزائريون كثيرا، وهم يفسرون نيتهم في الهجرة، لكنها تبقى حاضرة، رغم عدم دقة اللغة عند الحديث عنها، لنكون أمام اختلاف في مستويات التعبير بين القراءة الكلية بحمولتها الإنسانية والعاطفية، التي يقوم بها الإنسان المهاجر، وما يعبر عنه الباحث وهو يجزئ في أسباب الهجرة كموضوع دراسة بارد، منسوب سياسي زاد في الجزائر، وهي تعيش حالة تعثر في مشروع تغيير نمط تسييرها السياسي بعد ثلاث سنوات من الحراك، كان قد أعاد الأمل للجزائريين، كما عبرت عنه بعض مؤشرات الهجرة العكسية، التي تمت ملاحظتها خلال سنوات الحراك الأولى، ونحن نلاحظ كيف عاد بعض الجزائريين إلى بلدهم كما عبر عدد أكبر منهم عن نيته في العودة وهو يشاهد بوادر أمل التغيير، وقد بدأت تتجسد أمامه في شهور الحراك الأولى، تغيير ينطلق من المستويات السياسية، ليمس بعد ذلك مختلف المستويات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، سيكون الوحيد القادر على إقناع الجزائريين بالبقاء والعيش في بلدهم، التي يحبونها بشكل جنوني، ليتوقف هذا النوع من الهجرة المرضية التي يعيشها المجتمع الجزائري في الوقت الحالي، والتي أصبحت تعني الجميع تقريبا.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات