شكلت عودة النائب البرلماني المعارض بيرام الداه عبيد إلى نواكشوط محطة جديدة في مسار الصراع السياسي والحقوقي في موريتانيا، بعدما قوبلت محاولات أنصاره لاستقباله في المطار بتدخل أمني حال دون تنظيم تجمع غير مرخص. غير أن دلالات المشهد لم تتوقف عند حدود المنع الأمني، بل امتدت إلى ما أفرزته من اصطفافات غير مألوفة، حيث أعلن أنصار الرئيس السابق المنضوون في حزب العهد (قيد التأسيس) دعمهم له، فيما اختارت المعارضة التقليدية الصمت، ما يثير أسئلة حول موازين القوى في الساحة الوطنية، وحول موقع بيرام بين خطاب المظلومية الحقوقية ورهانات التوازنات السياسية.
وتزامنت عودة النائب مع رفع منظمة محلية دعوى قضائية ضده على خلفية تصريحات أدلى بها في أوروبا تتعلق بملف الانتهاكات الحقوقية في موريتانيا، وهو ما يضع المشهد السياسي الموريتاني أمام اختبار جديد يعكس حساسية قضايا الماضي وانعكاساتها على الحاضر.
وقدّمت المنظمة الموريتانية للتنمية السياسية عريضة دعوى قضائية إلى وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية في نواكشوط، تطالب فيها بفتح تحقيق ومتابعة قضائية ضد النائب البرلماني ورئيس مبادرة إيرا بيرام الداه عبيد.
وجاء في نص العريضة «أن النائب أدلى خلال جولته الأخيرة في أوروبا، بتصريحات مكتوبة ومرئية تضمنت ما وصفته المنظمة بـ»ادعاءات خطيرة» تزعم وجود «قتل على أساس الهوية واللون» في موريتانيا. واعتبرت المنظمة أن هذه التصريحات تشكل «افتراءً صريحًا وتحريضًا على الكراهية والتمييز بين مكونات الشعب».
وأضافت المنظمة «أن ما ورد على لسان النائب يتعارض مع أحكام الدستور الموريتاني والقوانين الجنائية التي تجرّم خطاب الكراهية وتقويض الوحدة الوطنية، مشيرة إلى أنها تستند في دعواها إلى المواد 192 و195 و348 من القانون الجنائي، إضافة إلى المادة 33 من الدستور.
وطالبت العريضة بفتح تحقيق قضائي رسمي، ومخاطبة الجمعية الوطنية لرفع الحصانة البرلمانية عن بيرام الداه عبيد، ومتابعته قضائيًا وفق النصوص القانونية المذكورة؛ كما دعت إلى إلزامه بالتعويض المدني عما وصفته بـ»الضرر المعنوي» الذي لحق بسمعة الدولة والشعب الموريتاني.
وتأتي هذه التطورات في سياق جدل سياسي وحقوقي متصاعد حول تصريحات بيرام، التي أثارت تفاعلات واسعة، وسط انقسام بين من يعتبرها دفاعًا عن ضحايا انتهاكات الماضي، ومن يراها إساءة لصورة البلاد ووحدتها الوطنية.
وبينما فضلت المعارضة الموريتانية الصمت إزاء هذه الأحداث، أعلن حزب العهد الديموقراطي، الذي يضم أنصار الرئيس، عن اصطفافه إلى جانب النائب ولد اعبيد، مؤكداً «أن ما وصفه بسقوط درجة الانحطاط السياسي والأخلاقي التي وصل إليها هذا نظام الرئيس الغزواني»، هي حقاً درجة محيرة لعقول الأسوياء».
وأضاف: «بأي حق وتحت أي ذريعة غير الغطرسة، صادر نظام محمد ولد الغزواني حق مئات المواطنين الموريتانيين في التجمهر والتجول والتعبير عن آرائهم، وهو حق يكفله لهم الدستور، وتنص عليه القوانين الوطنية، والمعاهدات الدولية».
«إن ما أقدم عليه نظام ولد الغزواني، يضيف حزب العهد، ليوضح بشكل لا لبس فيه مدى ازدواجية معاييره، ومستوى اختلال ميزان اللا إنصاف الذي يعتمده، مبيناً عن ازدراء صريح بنظم وقيم الديمقراطية، ومميطاً اللثام عن هوسٍ وحنينٍ عميقينِ إلى عهود الظلام».
وفي صف الموالاة، انتقد النائب البرلماني زين العابدين ولد المنير، ما وصفه «بمحاولات تحويل مطار نواكشوط الدولي إلى ساحة للاستعراض السياسي والحشد الفوضوي»، مؤكداً «أن هذه المرافق تعد فضاءات سيادية محمية بالقانون ولا يجوز استخدامها خارج أدوارها الأساسية».
وقال ولد المنير في تدوينة على حسابه «إن القانون الموريتاني، شأنه شأن القوانين الدولية، يمنع أي نشاط غير مرخص داخل المطارات والمنافذ الحدودية لما قد يسببه من مخاطر على الأمن العام وحرية تنقّل المسافرين».
وأشار النائب «إلى أن رموز المعارضة الموريتانية الكبار مثل أحمد ولد داداه، ومحمد ولد مولود، ومسعود ولد بلخير، ظلوا يدخلون ويغادرون البلاد بانتظام دون أن يجعلوا المطار مسرحاً للفوضى أو الدعاية»، لافتاً «إلى أن الأمر نفسه نجده لدى زعماء المعارضة في الديمقراطيات العالمية الذين يعبّرون عن مواقفهم عبر البرلمانات والإعلام والميادين المفتوحة، لا عبر تعطيل المرافق العمومية».
وتساءل ولد المنير «عن إصرار النائب بيرام الداه عبيد على محاولة حشد أنصاره في المطار عند كل عودة له، رغم توفر وسائل أخرى مشروعة للتعبير السياسي مثل الأحزاب، والمؤتمرات الصحافية، والبرلمان، ووسائل الإعلام».
وأضاف «أن قرار وزارة الداخلية بمنع هذه الاستقبالات العشوائية ليس اعتباطياً، بل يستند إلى مسؤولية قانونية وأمنية لحماية المسافرين والحفاظ على السلم الاجتماعي، خاصة في مواجهة خطابات اعتبرها ذات طابع عنصـري».
وختم ولد المنير بالتأكيد على أن «موريتانيا تعيش أجواء ديمقراطية مميزة في محيطها، من انتخابات منتظمة وتعددية حزبية وحرية إعلامية»، مشدداً على أن «الديمقراطية لا تختزل في شعارات شعبوية أو استعراضات فوضوية، بل تُمارس بعقلانية واحترام للنظام العام».
ومع تزايد الاهتمام الشعبي والإعلامي بهذه التطورات، يبقى السؤال الأبرز هو: هل تتحول القضية إلى فرصة لإعادة طرح ملف العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، أم أنها ستغدو ورقة أخرى تضاف للعبة الاصطفافات السياسية؟
عودة النائب الموريتاني بيرام الداه لنواكشوط تثير جدلاً سياساً

تعليقات الزوار
لا تعليقات