في مشهد يعكس وحدة الموقف الموريتاني، تشهد موريتانيا حاليًا، تحركًا شعبيًا ورسميًا متزامنًا رفضًا للعدوان الصهيـوني على دولة قطر، وتعبيرًا عن دعم حازم وثابت للأهالي في غزة الذين يواجهون أعتى آلة حرب منذ أكثر من عام.
فقد التقت أصوات القوى السياسية والبرلمانية مع مواقف المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، لتؤكد أن موريتانيا تقف بصلابة في خندق واحد مع أشقائها، دفاعًا عن الحق ورفضًا للتطاول على سيادة الدول ومعاناة الشعوب.
وتواصلت في العاصمة الموريتانية نواكشوط، سلسلة من التحركات السياسية والشعبية في إطار رفض العدوان الصهــيوني الغادر على دولة قطر، ودعمًا لصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك بالتزامن مع الاستعدادات الجارية على المستويين العربي والدولي لعقد قمة عربية إسلامية طارئة تبحث تداعيات التصعيد الأخير.
وقفة تضامنية أمام السفارة القطرية
وتواصل في عموم موريتانيا كذلك التضامن مع دولة قطر في تعرضها الأخير لعدوان صهيوني غادر، حيث نظّمت المبادرة الطلابية الموريتانية لمناهضة الاختراق الصهـيوني والدفاع عن القضايا العادلة، وقفة تضامنية أمام السفارة القطرية في نواكشوط، بمشاركة مئات الموريتانيين الذين رفعوا الأعلام الفلسطينية والقطرية والموريتانية، تعبيرًا عن وحدة الصف في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
وفي كلمته خلال الوقفة، أكد رئيس المبادرة أن هذه الخطوة «تجديد للموقف الشعبي الرافض للتطبيع» و«رسالة دعم للمقاومة الباسلة في وجه الاحتلال»، مشددًا على «الوقوف الكامل إلى جانب دولة قطر في وجه محاولات استهدافها وقيادتها، وعلى رأسهم قادة المقاومة».
وأضاف أن «هذه الوقفة تعبّر عن الموقف الشعبي الحقيقي للأمة، وخاصة الشباب، في مواجهة الظلم والعدوان والدفاع عن القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية».
وفي الإطار الرسمي، شاركت موريتانيا الأحد في اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية الإسلامية الطارئة، بينما يوجد رئيسها ولد الشيخ الغزواني في الدوحة منذ يومين للمشاركة مع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية في القمة المذكورة. وتتجه الأنظار إلى موقف عربي موحّد للرد على الاعتداءات الأخيرة ضد قطر، ومحاولة اغتيال عدد من قادة المقاومة.
الإبحار في أسطول الصمود
وفي سياق متصل، يستعد الوفد الموريتاني المشارك في أسطول الصمود المغاربي للإبحار من تونس نحو قطاع غزة، على متن السفينة الموريتانية «قمر»، وذلك ضمن أول تحرك بحري بهذا الحجم لكسر الحصار المفروض على غزة.
وقد تم اعتماد خمسة موريتانيين فقط من أصل 14 متقدمًا للمشاركة، في الإبحار نحو غزة، وهم: الدكتور أحمد الهيبة مامينه ممثل السلك الوطني للأطباء، والأستاذ أنس محمد فال ممثل الهيئة الوطنية للمحامين، والصحافي محمد فال ولد الشيخ، والمهندس إسلم ولد المعلوم (يحمل جوازًا أمريكيًا)، والأستاذ الجامعي أحمد باب سعيد (يحمل جوازًا فرنسيًا). وأكد القائمون على الأسطول أنهم وضعوا معايير دقيقة للاختيار، وأن أولى سفن الأسطول انطلقت بالفعل من ميناء سيدي بوسعيد متجهة إلى ميناء بنزرت، كنقطة التقاء قبل الانضمام إلى الأسطول العالمي المتوجه إلى غزة، والذي يضم مشاركين من 47 دولة، من سياسيين وبرلمانيين ونشطاء وحقوقيين.
قبطان أسترالي يتحدى الموت من أجل غزة
وفي مشهد إنساني مؤثر ضمن «أسطول الصمود»، كتب أحد المشاركين من قلب البحر، وهو يروي اليوم الأول من الإبحار من جزيرة صقلية الإيطالية، حيث انطلقت سفينة «شام»، وهي في الأصل قارب صيد تم تعديله لنقل نشطاء، في اتجاه غزة، بقيادة قبطان أسترالي متطوع يدعى هيميش باترسون.
ويردد هذا القبطان، الذي ترك خلفه المال والمناصب، أن «جيشًا يقتل النساء ويجوّع الأطفال ليس جيشًا بل عصابة»، مضيفًا: «لا أستطيع النوم وأنا أتخيل الأطفال المغدورين في غزة، لا يمكن أن أنعم بالسلام الداخلي، عليّ أن أفعل شيئًا، ولو كان بسيطًا… سأعود مرة بعد أخرى حتى يُكسر الحصار».
ويؤكد هيميش «أن والده كان مناضلًا بجنوب إفريقيا ورفيقًا لنيلسون مانديلا، وغرس فيه روح المقاومة ضد الظلم، وأنه يعتبر ما تفعله إسـرائيل امتدادًا لأسوأ أنظمة الفصل العنصري.
وتختتم اليومية بسؤال إنساني صارخ: «كيف لغريب لا يربطه بفلسطين شيء سوى الإنسانية أن يخاطر بحياته من أجلها، بينما إخوة الدين والدم يخذلونها بل يضيّقون عليها الحصار؟».
وتتواصل الإغاثة في غزة وفي إطار جهوده المستمرة لنصرة الشعب الفلسطيني، نفذ الرباط الوطني الموريتاني لنصرة الشعب الفلسطيني مشروعًا لتوزيع الوجبات الغذائية الجاهزة على عدد من الأسر المتضررة في قطاع غزة، ضمن سلسلة تدخلاته الإنسانية لدعم صمود الأهالي في ظل العدوان المتواصل.
كما أطلق الرباط الوطني مشروعًا لتوزيع الخبز اليومي على أربعة آلاف أسرة نازحة في مختلف مناطق القطاع، مساهمة في تخفيف معاناة الأسر التي شردها العدوان، وتوفير أحد أهم الاحتياجات الأساسية وسط أزمة إنسانية خانقة.
وبتمويل كريم من مبادرة قرى الحسنيين الموريتانية لنصرة غزة وفلسطين، بدأ المنتدى الإسلامي الموريتاني تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع «إطعام الأطفال في مراكز التعليم»، والذي يستفيد منه 180 طالبًا، في خطوة تهدف إلى دعم التعليم والتغذية في آن واحد للأطفال المتأثرين بالحرب.
ويأتي هذا المشروع ضمن حملة إغاثة عاجلة أطلقها المنتدى، تشمل توزيع الوجبات الساخنة، ومياه الشرب، وكفالات الأيتام، وحفر الآبار، وتوزيع الخبز، إضافة إلى مشاريع إنسانية أخرى تسعى إلى تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه حرب الإبادة المستمرة للعام الثاني.
وبتمويل من جماعة مسجد الرضوان وإخوانهم بمدينة گرو – موريتانيا، يواصل المنتدى الإسلامي الموريتاني تنفيذ مشروع توزيع مياه الشرب على العائلات المتضررة في شمال قطاع غزة، حيث تعاني آلاف الأسر من أزمة حادة في المياه الصالحة للشرب.
وضمن جهوده المستمرة، وزع المنتدى الإسلامي الموريتاني مئات الوجبات الغذائية الساخنة في شمال القطاع، بتمويل من فاعل خير موريتاني، وذلك استجابة للنداءات العاجلة التي تطلقها الأسر المنكوبة وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية.
وبشراكة مع جمعية زاد الرحيل الخيرية، يواصل المنتدى الإسلامي تنفيذ مشاريع توزيع مياه الشرب على الأهالي في شمال غزة، في ظل انقطاع الخدمات الأساسية وندرة المياه بسبب القصف المستمر وتعطل شبكات الإمداد.
هكذا تعيش موريتانيا هذه الأيام حالة تفاعل كبير على المستويين الشعبي والرسمي، دعمًا لدولة قطر ولقضية فلسطين. وبين وقفات تضامنية، ومشاركة في قمة عربية طارئة، وإرسال وفود إلى غزة، يتجدد الموقف الموريتاني الثابت ضد العدوان وضد التطبيع، في مشهد يتجاوز الجغرافيا نحو الانتماء الأصيل إلى قضايا الأمة.
وتظل الرسالة الموريتانية هي: غزة ليست وحدها… وقطر ليست وحدها… وموريتانيا الرسمية والشعبية ترفع الصوت عاليًا: لا للتطبيع، لا للحصار، لا للعدوان.
تعليقات الزوار
لا تعليقات