أخبار عاجلة

حماس تجر نتنياهو إلى حرب عصابات طويلة الأمد بلا أفق للنصر

اعتبرت الباحثة ليلى ستيوارت، في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز”، أن حركة حماس، رغم الحصار والضربات العسكرية المدمرة، نجحت في إعادة صياغة استراتيجيتها القتالية بما جرّ إسرائيل إلى حرب طويلة الأمد لا أفق لحسمها عسكريا. ورأت أن قبول الحركة السريع لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير لم يكن مجرد تعبير عن ضعف أو يأس، بل جزء من مناورة تكتيكية تستند إلى صمود مقاتليها وتنامي قدراتهم في مواجهة الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام مأزق متفاقم في غزة.

وأوضحت ستيوارت أن حماس قبلت في 18 آب/أغسطس اتفاقية وقف إطلاق النار بغزة، التي قدمتها مصر وقطر، وتشبه إلى حد كبير مقترحات أمريكية سابقة دعمتها إسرائيل، لكنها لم توافق عليها. وتنص الاتفاقية على إطلاق سراح عشرة من الأسرى الإسرائيليين العشرين المتبقين مقابل هدنة لمدة 60 يوما. وعلى خلاف ما سبق، لم تطلب حماس أي تعديلات وقبلت المقترح في غضون ساعات، بينما لم توافق إسرائيل حتى الآن. ورأى مراقبون أن هذه الاستجابة السريعة تعكس ضعفا أو يأساً، لكن ستيوارت تعتبرها ربما مناورة استراتيجية بقدر ما هي نتيجة إكراه.

وأضافت أن الحركة، وبعد نحو عامين من الحرب، تلقت ضربات قاسية باغتيال كبار قادتها وبتدمير حلفائها في المنطقة، ومع ذلك أظهر مقاتلوها قدرة متزايدة على الصمود. فمنذ ربيع 2025، كثّفوا هجماتهم على القوات الإسرائيلية، ونفذوا عمليات نوعية في خان يونس وبيت حانون وجباليا ودير البلح، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين الجنود. كما أعادوا تنسيقهم مع فصائل مسلحة أخرى في غزة، في وقت يعاني فيه السكان من مجاعة وحصار خانق. وترى الكاتبة أن هذا التطور في تكتيكات حماس يزيد المخاطر على إسرائيل، ويجعل من حملتها للسيطرة على مدينة غزة مغامرة عسكرية وإنسانية كارثية.

وتعود ستيوارت إلى البداية، مشيرة إلى أن قيادة حماس عندما شنت هجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، توقعت أن يؤدي إلى انتفاضات فلسطينية وعربية شاملة، وإلى تدخل حلفائها الإقليميين كما حدث في أيار/مايو 2021. لكن وبعد نحو 700 يوم من الحرب، فشلت هذه الرهانات: الفلسطينيون داخل إسرائيل لم يتحركوا، الضفة الغربية تعرضت لقمع مكثف، وحزب الله التزم الحذر رغم قوته العسكرية، فيما سقط نظام بشار الأسد وأُغلقت طرق الإمداد، وهو ما ترك حماس شبه وحيدة.

مع ذلك، استطاعت الحركة تعديل أسلوبها. ففي نيسان/أبريل 2025، نفذ مقاتلوها كمينا نوعيا في بيت حانون، ثم توالت عملياتها في حزيران/يونيو وتموز/يوليو، وأجبرت الجيش الإسرائيلي على مواجهة حرب عصابات في بيئة حضرية يعرفها مقاتلو حماس جيدا. كما استعادت قدرات بشرية رغم اغتيال قادتها البارزين مثل يحيى السنوار ومحمد ضيف ومروان عيسى.

لكن في المقابل، يواجه نتنياهو أزمة داخلية: فقد فرض حصارا خانقا على المساعدات، ما أشعل احتجاجات في غزة ضد حماس، وفتح الباب لمحاولات السلطة الفلسطينية وحركات أخرى لملء الفراغ. كما عمدت إسرائيل إلى دعم ميليشيات مناهضة للحركة في رفح. ومع استمرار القصف واستهداف المدارس والمستشفيات ومخيمات النزوح، لم ينجح الجيش في تحقيق أهدافه، بل تكبد خسائر بشرية وواجه صعوبة في تعبئة جنود الاحتياط.

وترى الكاتبة أن أحد أسرار صمود حماس هو شبكة أنفاقها الواسعة، التي لم تتمكن إسرائيل رغم التكنولوجيا والقصف المكثف من تدميرها بالكامل، مما يمنح الحركة القدرة على المناورة وإخفاء الأسرى ومواصلة القتال. هذا العجز، برأيها، يفضح الطابع “غير المتكافئ” للحرب، حيث تواجه الأسلحة الغربية المتطورة أنفاقا وصواريخ محلية الصنع.

كما تشير إلى أن استمرار عمليات حماس يرفع هواجس الجيش الإسرائيلي من إمكانية أسر جنود، الأمر الذي دفعه في تموز/يوليو إلى تفعيل ما يعرف بـ”أمر هانيبال”، القاضي باستخدام كل الوسائل لمنع وقوع جنود في الأسر حتى لو أدى ذلك إلى مقتلهم.

وترى ستيوارت أن الحركة تستفيد من بعد “التضحية” في خطابها السياسي وربط الحرب الحالية بتاريخ التهجير الفلسطيني منذ 1948، معتبرة غزة جزءا من مشروع التحرير، على غرار تجربة الجزائر. ومن هنا، فإن استمرارها في القتال رغم الضغوط يعزز مكانتها كفاعل رئيسي في القضية الفلسطينية.

كما تلفت إلى أن العلاقة بين حماس والجهاد الإسلامي شهدت تطورا كبيرا، إذ نفذت الفصائل هجمات مشتركة عبر غرفة العمليات المشتركة التي تضم 12 فصيلا. ورغم ضغوط بعض الفصائل على حماس للموافقة السريعة على وقف إطلاق النار، فإن التوافق على استمرار القتال ما زال قائما.

وبالنسبة لستيوارت، فإن التناقض بين قوة إسرائيل العسكرية الهائلة وبين عجزها عن تحقيق أهداف سياسية أو عسكرية واضحة أمام حماس، هو ما يغرق نتنياهو أكثر في حرب طويلة الأمد لا يمكنه الانتصار بها. فبينما تستطيع حماس الاستمرار بتجنيد المقاتلين وتنفيذ عمليات نوعية، تتزايد خسائر الجيش الإسرائيلي ويواجه مأزقا مع قيادته العسكرية التي تحذر من غزو غزة.

وتخلص الكاتبة إلى أن الفجوة بين الصورة التي تحاول الحكومة الإسرائيلية تسويقها عن الحرب، والواقع على الأرض، باتت هائلة، وأن استمرار الصراع على هذا النحو يهدد بتحويل غزة إلى مستنقع عسكري وسياسي لنتنياهو وحكومته.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات