عبان رمضان، كريم بلقاسم، محمد الشعباني، محمد خيضر، محمد العموري، محمد نواورة، محمد الطاهرة عواشرية ومصطفى لكحل، ومن الجهة المقابلة هواري بومدين، أحمد بن شريف، أحمد دراية وقاصدي مرباح، وغيرهم كثير من المنفذين في الجزائر ألمانيا، إسبانيا، ألمانيا، أعاد الصحافي والكاتب فريد عليلات التذكير بهم في كتابه الصادر منذ أيام عن دار النشر الفرنسية PLON تحت عنوان «جريمة دولة»، عرض فيه نتائج تحقيقه الصحافي المثير حول عملية اغتيال العقيد كريم بلقاسم نائب رئيس الحكومة المؤقتة، ووزير الداخلية والخارجية ورئيس الوفد الجزائري، الذي أمضى اتفاقية إيفيان باسم الوفد الجزائري، التي أنهت حرب التحرير في الجزائر في ربيع 62. الرجل الذي كان قبل ذلك ضمن مجموعة الستة، التي أشرفت على انطلاق ثورة التحرير في 1954، هو الذي التحق بجبال منطقة القبائل سنوات عديدة قبل هذا التاريخ 1947.
كريم بلقاسم من مواليد 1922، الذي فضّل عليلات في بداية كتابه التعريف بمنبته العائلي، الذي كان يفترض أن يبعده عن هذا المسار الثوري، وهو ابن العائلة ميسورة الحال، التي كان الأب فيها قريبا من الإدارة الفرنسية – قايد ـ حالة كريم التي تؤكد مسارات بعض العائلات الجزائرية، التي لم يمنعها هذا القرب الوظيفي من الحالة الاستعمارية، واليسر الاقتصادي، من اتخاذ مواقف نقدية من الحالة الاستعمارية، أوصلت الجيل الصغير إلى رفع السلاح في وجهها، كما فعل كريم بلقاسم. بعد ان تمكن من الاستفادة من التعليم في العاصمة، وهو ينجز دراسته في إحدى مدارسها المشهورة التي انتجت الكثير من الوجوه الثورية – مدرسة ساروي بالقرب من قصبة العاصمة.
جيل سمح له تعليمه ـ مهما كان متواضعا – بالاحتكاك في المدن الكبرى، مع أبناء مناطق الجزائر الأخرى، عبر الحركة الوطنية الاستقلالية، رغم أن الكتاب لم يذكر العلاقة القوية لكريم بلقاسم مع مصالي، التي كادت أن تعطل الإعلان عن الثورة، يتحسس بالملموس كيف وقف النمط الاستعماري الاستيطاني في وجه طموحات الجزائريين، مهما كانت مواقعهم الاجتماعية ومؤهلاتهم الفردية، بالنسبة لأبناء هذا الجيل الذي تميز بخصوصيات أكيدة عبّر عنها عبر المسار الذي أخذه وهو يلتحق بثوة التحرير، في عمر لا يتجاوز الخامسة والعشرين سنة، بعد إعلانه عن تمرده على المؤسسات الاستعمارية. مسار عبّر عن شخصية قوية تسببت للرجل في الكثير من التوترات مع أبناء جيله ومنطقته، داخل مؤسسات الثورة وخارجها، كما كان الحال مع عبان رمضان، الذي كان كريم كما جاء في الكتاب أحد منافسيه الأكثر شراسة، وصل الأمر فيها إلى المشاركة في اغتياله ذات يوم بمدينة تيطوان المغربية، بمشاركة بوصوف ومحمود الشريف.
اغتيال وضعه الكاتب كخلفية مركزية لتفسير الكثير من الأحداث التي ستأتي لاحقا في فهم العلاقات بين رجال الثورة، الذين يكونون قد تجاوزا الخطوط الحمر بهذا الاغتيال بالشكل الذي تم به، كما سيحصل لاحقا مع مجموعة العموري، التي تم إصدار الحكم فيها من قبل محكمة عسكرية، كما حصل في حالة الشعباني، التي يصف الكاتب الكثير من تفاصيلها البشعة، التي حصلت على التراب التونسي. تميز العقيد أحمد بن الشريف بدور مهم في تنفيذها، كما يذكر ذلك الكاتب بالكثير من التفاصيل. ليستمر هذا العنف المرتبط بثورة التحرير إلى فترة ما بعد الاستقلال، كما توضحه صورة الحكم على العقيد الشاب محمد الشعباني قائد الولاية السادسة، التي سنجد مرة أخرى فيها دورا تنفيذيا قذرا لأحمد بن شريف، كما جاء في الكتاب، الذي اعتمد المؤلف في إنجازه على الكثير من الوثائق والأرشيف، الذي حصل عليه من عدة دول. زيادة على المقابلات العديدة التي أنجزها لكتابة هذا المؤلف الذي فكرت، وأنا أطالعه، في قابليته للتحول إلى سيناريو فيلم حول كريم بلقاسم، يبقى الجمهور الجزائري في حاجة إليه خاصة الشباب للتعرف على تاريخ بلدهم، بعيدا عن القراءة الرسمية التي ما زالت سائدة حتى الآن. كما ظهر في الفيلم الذي خصصته الجزائر في السنوات الأخيرة لكريم بلقاسم، الذي فضّل التوقف في فترة الاستقلال، ابتعادا عن ملابسات ما حصل للرجل بعد ذلك، وهو يتخذ مواقف معارضة ضد نظام بن بلة – بومدين.
مرحلة صوّر فيها عليلات، كريم بلقاسم رجل سياسة ليبراليا، مدافعا عن اقتصاد السوق والتعددية الحزبية، كان خلالها أقرب لبورقيبة والحسن الثاني، من عبد الناصر خلال هذه الفترة التي تميزت بصراع سياسي دولي كبير، كجزء من تداعيات الحرب الباردة، بما عرفته من اضطرابات سياسية وانقلابات كانت موضة رائجة مست العالم والجزائر بقوة، نتيجة الانقلابات الناجحة، كما كان الأمر مع بومدين، والفاشلة التي كان وراءها العقيد طاهر زبيري ضد حليفه السابق هواري بومدين، الذي حاول اغتياله بعض الوجوه العسكرية المتبقية من انقلاب زبيري، الذي أخذ طابعا عروشيا وعائليا واضحا لم يسمح له ببناء تحالفات واسعة كان يمكن أن تجند الغاضبين من بومدين.
الخصوصيات المناطقية نفسها، التي نجدها حاضرة مع كريم بلقاسم وهو يخرج للمعارضة العلنية، وتكوين حزب سياسي في المهجر، اعتمد في الغالب الأعم في بنائه على أبناء منطقته، الذين تعرف عليهم عبر محطات مساره السياسي، كانوا حاضرين حول الرجل، في ما بعد، بمن فيهم بعض من سيكون لهم دور محدد في اغتياله ذات يوم (18 أكتوبر 1970) في الغرفة 1414 بأحد فنادق فرانكفورت الألمانية عن عمر 48 سنة. أبناء منطقة استفاد منهم الرجل في التواصل مع رجال النظام السياسي ومؤسساته العميقة لآخر يوم من حياته، وهو يتوجه إلى فرانكفورت الألمانية للتباحث حول إمكانية تنظيم انقلاب ضد الرئيس بومدين، تم إقناع الرجل به. كانت الحجة – الطعم التي قدمت له للتواصل معه وتنظيم هذا اللقاء في آخر يوم من حياته، من قبل مجموعة حاملة لجوازات سفر مغربية قدمها «هدية» محمد أوفقير رجل المغرب القوي للجهة الجزائرية المشرفة على الاغتيال حسب فريد عليلات. لتبقى الجهة التي أعطت أوامر تنفيذ اغتيال كريم بلقاسم غير محددة عند القارئ بشكل صارم ودقيق، بعد الانتهاء من قراءة الكتاب، ككل قضايا الاغتيالات السياسية في العالم، رغم الشكوك التي أثارها الكاتب حول إمكانية أن يكون صاحب الأمر هواري بومدين نفسه، أو أحمد دراية مدير الأمن الوطني، أو قاصدي مرباح الرجل الأول على رأس المخابرات العسكرية، أو حتى أحمد بن الشريف المسؤول الأول عن الدرك الوطني.
أطراف يوضح الكاتب أكثر من مرة أن بعضها كما كان الأمر مع بومدين، وهو على فراش الموت بموسكو، قد نفت تورطها في هذا الاغتيال السياسي لأحد الوجوه التاريخية في الثورة الجزائرية، الذي تمت إعادة الاعتبار له من قبل الرئيس الشاذلي بن جديد في منتصف الثمانينيات مثل محمد شعباني وبقية العقداء من مجموعة محمد العموري. رحم الله الجميع..
ناصر جابي
تعليقات الزوار
لا تعليقات