مع استئناف إسرائيل حرب الإبادة على الفلسطينيين في قطاع غزة، تُظهر المعطيات الميدانية توغلات برية واسعة وتمركزًا لقواتها في مناطق مختلفة من القطاع، تمتد من الشمال حتى أقصى الجنوب، في وقت تتواصل فيه أوامر الإخلاء والمجازر ضد المدنيين.
في المحور الشمالي، تركّز قوات الاحتلال الإسرائيلية توغلاتها في مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، مصحوبة بحملات إخلاء قسري للفلسطينيين من هذه المناطق.
وفي المحور الشرقي، يتوسع التوغل الإسرائيلي إلى أحياء الشجاعية والزيتون شرق مدينة غزة، وصولًا إلى المناطق العميقة مثل تل الهوى والشيخ عجلين غرب المدينة.
أما في الجنوب، فيسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على كامل مدينة رفح انطلاقاً من محور فيلادلفيا جنوباً وصولاً إلى المحور الفاصل بين رفح وخان يونس (محور ميراج)، في محاولة لعزل المناطق الجنوبية وقطع طرق الاتصال بينها.
وفي 4 أبريل/ نيسان الجاري، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، إن نحو 65 بالمئة من قطاع غزة بات يصنَّف كمناطق “محظورة” أو خاضعة لأوامر إخلاء، ما يشير إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وخروج مساحات واسعة من القطاع عن نطاق السكن الآمن.
وأضاف المكتب في منشور على منصة “إكس”: “ثلثا قطاع غزة تحت أوامر التهجير الإسرائيلية أو في مناطق محظورة. جميع المعابر مغلقة تمامًا أمام الإمدادات الواردة للشهر الثاني على التوالي. العمليات الإنسانية مُعوَّقة”.
وتنفذ القوات الإسرائيلية هذه التوغلات بالتزامن مع قصف مكثف من الطيران الحربي والمروحي والمسير، إضافة إلى المدفعية، لكافة مناطق القطاع، بالتزامن مع إخلاء قسري للسكان، مما يفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
أوامر إخلاء متواصلة
ومنذ بداية حرب الإبادة ضد قطاع غزة، يجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان المناطق التي يتوغل بها على إخلائها، عبر إرسال إنذارات بالإخلاء يتبعها تنفيذ غارات عنيفة على المناطق المستهدفة للضغط على سكانها وإجبارهم على النزوح.
وأصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الماضية عددا من أوامر الإخلاء القسري للسكان في مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا شمالاً، إضافة إلى مدينة رفح بأكملها، ومناطق في مدينة خان يونس جنوب القطاع.
والخميس، أنذر جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين بمناطق وأحياء شرق مدينة غزة بإخلاء منازلهم قبل الهجوم عليها، وهي منطقة الشجاعية وأحياء الجديدة والتركمان والزيتون الشرقي.
وتلاها أوامر إخلاء لمناطق أكثر عمقاً داخل مدينة غزة، لا سيما أحياء تل الهوى والزيتون وغزة القديمة.
وأعلن الجيش الجمعة توسيع عملياته البرية لتشمل مناطق الشجاعية، مدعياً قيامه بتدمير بنى تحتية، قال إن من ضمنها “مجمع قيادة وسيطرة” تستخدمه حركة “حماس” لتخطيط وتوجيه أنشطتها، على حد قوله.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وتزداد معاناة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل مروّع مع كل توغل إسرائيلي جديد وأوامر الإخلاء القسرية، حيث يُجبر الآلاف على الفرار من منازلهم تحت القصف والتهديد المباشر، دون أي مكان آمن يلوذون به.
عملية واسعة في رفح
وفي 29 مارس/ آذار الماضي، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي تمدد عمليته البرية جنوب قطاع غزة لتوسيع المنطقة الأمنية العازلة التي أطلق عليها “منطقة التأمين الدفاعية”، فيما أنذر الفلسطينيين في مدينة رفح بالإخلاء الفوري.
وبعد أيام، بدأ الجيش الإسرائيلي، التوغل بشكل واسع في مدينة رفح ضمن عمليته العسكرية المتواصلة جنوب قطاع غزة، بعد جلبه الفرقة القتالية 36 إلى المنطقة، وفق إعلام عبري.
وقالت هيئة البث الرسمية: “هذا هو أول توغل بري كبير للجيش الإسرائيلي منذ انتهاء وقف إطلاق النار قبل أسبوعين”، في إشارة إلى استئنافه حرب الإبادة على قطاع غزة في 18 مارس الماضي.
ومنذ ذلك الحين، يواصل الجيش عمليات ليلية لنسف منازل الفلسطينيين في المدينة.
وقال شهود عيان إنهم يسمعون يومياً أصواتا قوية جداً في المدينة الواقعة على حدود مصر، مشيرين إلى أنها لتدمير ونسف منازل في المدينة.
محور نتساريم
وإضافة إلى السيطرة الإسرائيلية المستمرة على محور فيلادلفيا على الحدود الجنوبية بين قطاع غزة ومصر، أعاد الجيش السيطرة على محور نتساريم من الناحية الشرقية مع استئناف حرب الإبادة على قطاع غزة في 18 مارس الماضي.
فقد تقدمت القوات الإسرائيلية داخل محور نتساريم من الجهة الشرقية وصولاً إلى بعد كيلو متر واحد عن طريق “الرشيد” الساحلي في أقصى الغرب.
ورغم عدم وصوله إلى طريق “الرشيد” إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يطلق النار على كل من يحاول الانتقال عبر الطريق الساحلي، ليعود بذلك إلى فصل شمال القطاع عن الوسط والجنوب.
ومحور “نتساريم” أقامه جيش الاحتلال الإسرائيلي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 مع بداية الإبادة الجماعية في قطاع غزة ليعزل محافظتي غزة والشمال عن مناطق وسط وجنوب القطاع.
ويمتد المحور من أقصى الحدود الشرقية لقطاع غزة وصولا إلى شاطئ البحر غربا، ويتقاطع مع شارع صلاح الدين الرئيسي، قبل أن ينسحب الجيش منه في فبراير/ شباط، في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية، الذي تنصلت منه إسرائيل لاحقا.
وكانت إعادة فتح محور “نتساريم” والسماح للفلسطينيين بالانتقال من جنوب ووسط القطاع إلى شماله بندا أساسيا في اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار المبرم بين تل أبيب و”حماس”، وانتهكته إسرائيل مرارا قبل أن تنقلب عليه وتستأنف حربها.
وفي الأول من مارس الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، وتنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من بدء مرحلته الثانية.
وسعى نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، لإطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين في غزة دون تنفيذ التزامات المرحلة الثانية، ولا سيما إنهاء حرب الإبادة والانسحاب من القطاع بشكل كامل، بينما تمسكت حماس ببدء المرحلة الثانية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات