قبل يوم واحد من الانتخابات المحلية المقررة في قرابة 50 بلدية في ليبيا، ووسط أجواء سياسية وأمنية مشحونة، تعرض مركزان انتخابيان في غرب العاصمة الليبية فجر أمس الجمعة لهجمات من قبل مجموعات مجهولة، قبل يوم واحد فقط من انطلاق المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية، في تطور يُنظر إليه كمحاولة لعرقلة مسار ديمقراطي هش في البلاد.
واندلعت حرائق متزامنة في مخازن الإدارة الانتخابية بمدينة الزاوية ومكتب الانتخابات بالعجيلات، ما أدى إلى تلف كامل محتويات مخزن الزاوية، وهي المواد المقررة للتوزيع عند الساعة 9 صباحاً.
أما حريق العجيلات، فقد طال محتويات المكتب دون أن يصيب المخازن، فيما بقيت المواد المقررة للتوزيع محفوظة، وفق مصادر محلية.
وقال رئيس المكتب بشير أحمد الأربش، في تصريح صحافي، إنه تلقى بلاغاً من الأجهزة الأمنية صباح الجمعة باحتراق المكتب، مضيفًا أنه يصعب التحقق من حجم الأضرار، لكن بعض الأجهزة دمرت بالكامل، بينما جرى إخراج بعض الأوراق والمعدات.
وأضاف أن الأمن شرع في التحقيق بالواقعة، وقد بلغنا المفوضية بما حدث، وهي التي تقرر استمرار العملية الانتخابية من عدمها.
ورغم التطمينات، تواجه الانتخابات تهديدات أمنية وعرقلة سياسية في بلديات أخرى، أدت إلى تعليق الاقتراع في 11 بلدية، معظمها في مناطق خاضعة لسيطرة قوات حفتر، وهي: سرت، وطبرق، وبنغازي، وسبها، وقصر الجدي، وتوكرة، وقمينس، والأبيار، وسلوق.
واستنكرت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الاعتداءات الإجرامية التي استهدفت فجر الجمعة مبنى مكتب الإدارة الانتخابية الساحل الغربي وأدت إلى إحراقه، وكذلك الهجوم على مكتب الإدارة الانتخابية الزاوية وإحراق المخزن الرئيسي الذي يحتوي على مواد الاقتراع وقاعة التدريب المخصصة لتأهيل الكوادر الانتخابية.
وأكدت في بيان، أن هذه الأعمال تمثل اعتداءً صارخًا على العملية الانتخابية ومحاولة لحرمان المواطن الليبي من ممارسة حقه، مشددة على أن مثل هذه الاعتداءات لن تثنيها عن أداء واجبها الوطني في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وفق أعلى المعايير.
ودعت المفوضية الجهات الأمنية إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة في ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة، وضمان توفير الحماية لمكاتبها في كافة أنحاء البلاد.
كما جددت مطالبتها بالتكاتف والوقوف صفًا واحدًا لحماية العملية الانتخابية، مؤكدة أن حماية إرادة الناخب الليبي هي مسؤولية الجميع.
ويأتي الهجوم الأخير في يوم الصمت الانتخابي، عشية المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية، المقررة السبت، في نحو 51 بلدية موزعة على مناطق غرب البلاد.
وقبل ثلاثة أيام، تعرض مكتب مفوضية الانتخابات في زليتن إلى هجوم مسلح، أطلق خلاله مجهولون الرصاص وزرعوا قذيفة معدة بصاعق وموقت زمني للتفجير، كما أطلقوا قذيفة من سلاح آر بي جيه لكنها سقطت على منزل مواطن محدثة تلفيات وخسائر مادية، وفق بيان صادر عن مديرية أمن المدينة.
وعلى إثر ذلك، أدانت البعثة الأممية للدعم في ليبيا الهجوم، داعية المؤسسات الأمنية المعنية كافة وبالتنسيق مع القيادات المحلية العمل على ضمان توفير البيئة الملائمة لتنفيذ هذه الانتخابات على نحو يتحرى الحرية والنظام، وذلك وسط تقارير تفيد باحتمالية تعليق الاستحقاق بسبب غياب الترتيبات الأمنية في البلديات التي سيجرى فيها الاقتراع.
وقالت، في بيان، إن الهجوم الذي ألحق أضرارًا بالمبنى وخلف جريحين، استهدف ترويع الناخبين والمرشحين وموظفي المفوضية ومنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية في المشاركة في الانتخابات والعملية الديمقراطية، داعية إلى إجراء تحقيق ومحاسبة مرتكبي الواقعة التي عدتها محاولة غير مقبولة للتدخل في العملية الانتخابية الجارية.
وجدد البيان إدانة البعثة لتعليق العملية الانتخابية الشهر الماضي في بلديات عديدة بما في ذلك بعض كبرى البلديات في ليبيا كبنغازي وطبرق وسبها وسرت وذلك جراء قرارات صدرت عن وزارة الداخلية في الحكومة المكلفة من مجلس النواب.
واعتبرت البعثة أن كل ذلك لا يعوّق الجهود الرامية لصناعة حوكمة محلية مسؤولة فحسب بل أنه يصادر حقوق المواطنين في اختيار من يمثلهم ضمن مجتمعاتهم المحلية عبر انتخابات المجالس البلدية، الأمر الذي يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2755 لسنة 2024، وحثت البعثة السلطات المعنية كافة على التعاون بشكل إيجابي وتمكين الإسراع في استئناف العملية الانتخابية في البلديات المعنية في أقرب فرصة ممكنة.
وقبلها استنكرت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الهجوم المسلح على مكتبها ووصفته بالفعل الهجمي الغاشم، مؤكدة مضيها في إجراء الانتخابات البلدية.
وقالت إن الهجوم يعد سافراً على حرمة وكيان المفوضية، وقيم الدولة المدنية، وتطلعات الناخب الليبي إلى دولة الديمقراطية والاستقرار، حسب بيان على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وشددت على التزامها بالمضي قدماً في تنفيذ العملية الانتخابية وفقا لتطلعات الناخبين، وعدم انصياعها لأي معوقات، للحيلولة دون استكمال هذا الاستحقاق الوطني، تحقيقاً لقيم المواطنة، ودعماً لمسيرة الاستقرار والسلام.
كما نشرت المفوضية على صفحتها صوراً تُظهر آثار الرصاص على جدران الفرع، بينما لم يشر البيان إلى حجم الأضرار جراء الهجوم.
وكانت مفوضية الانتخابات قد أعلنت في بيان سابق إلغاء الانتخابات في 11 بلدية أغلبها بمناطق سيطرة حفتر مع تأجيل الموعد النهائي لاستلام بطاقات الناخبين إلى الـ22 من تموز/ يوليو الجاري.
ويأتي هذا الإلغاء ضمن إطار المرحلة الثانية للتنتخابات، التي تضم 63 بلدية، منها 41 في الغرب و13 في الشرق وتسع في الجنوب، بعد أن انتهت المرحلة الأولى نهاية العام الماضي في 97 بلدية.
وجاءت عملية الإلغاء بعد تداول عدد من النشطاء أنباء عن منع الأجهزة الأمنية التابعة لحفتر مراكز انتخابية في مناطق سيطرتها من فتح أبوابها أمام الناخبين.
واتهمت منظمات حقوقية، من بينها منظمة «رصد الجرائم في ليبيا»، قوات حفتر وحكومة مجلس النواب بتعمد إفشال انتخابات المجالس البلدية في شرق ليبيا وجنوبها.
وطالبت النائب العام بفتح تحقيق فوري ومستقل وشفاف في جميع حالات تعطيل العملية الانتخابية، والاعتداء على المراكز ومحاسبة المسؤولين لضمان عدم التكرار. كما حثت المفوضية العليا للانتخابات على إصدار توضيح رسمي بشأن الحوادث والضغوط التي تعرض لها موظفوها ومقراتها لتعزيز الشفافية والثقة.
وكانت المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية أقيمت في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بـ58 بلدية، في تجربة انتخابية هي الأولى من نوعها منذ قرابة عقد، وشهدت نجاحًا ملحوظًا، حيث أجريت دون تسجيل أي حوادث أمنية تُذكر، كما بلغت نسبة المشاركة فيها 74%.
والخميس، قررت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا تعليق إجراء المرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية في دائرة بلدية صياد الحشان الواقعة غرب العاصمة طرابلس.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن بيان لمفوضية الانتخابات، قولها إن هذا القرار «جاء على خلفية تقرير مدير الإدارة العامة بشأن سير العملية الانتخابية لانتخابات المجالس البلدية (المجموعة الثانية)، بالإضافة إلى قرار المحكمة العليا في طعن إداري صادر بهذا الشأن».
تعليقات الزوار
لا تعليقات