تحت عنوان “تبون يمتدح حصيلته في بلد مقموع”، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إنه، بعد ركوب موجة احتجاجات الحراك أثناء انتخابه، تراجعَ عبد المجيد تبون خطوة إلى الوراء، وخنق كل معارضة. فهو سيرشح نفسه للرئاسة، في السابع من سبتمبر/أيلول، دون أن يشكك في إعادة انتخابه.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رسمَ، خلال حملته الانتخابية، صورة دولة على شفا الهاوية، ضحية مؤامرات مختلفة، أنقذها منها. فوفقاً له، قبل وصوله إلى السلطة، “انهارت” الدولة الجزائرية، و”انهار” الاقتصاد، وتعرضت البلاد لـ ”التخريب”. وزعم أن ذلك كان مدبرًا، وأن حرائق الغابات في صيف 2021 “تسبّبت فيها عن عمد” دولة معروفة بعدائها تجاه البلاد” دون أن يذكر المغرب بشكل مباشر. كما زعم أنه “حصل على نتائج مكنت من إنقاذ البلاد”، وأكد أن “كلمة الجزائر مسموعة في الخارج اليوم”، قبل أن يطلب “ثقة” الجزائريين لمواصلة مهمته.
لم يعد عبد المجيد تبون يتحدث عن “الحراك المبارك”، في إشارة إلى الحراك الشعبي الذي حدث عام 2019، كما فعل مباشرة بعد انتخابه في 12 ديسمبر 2019، بنسبة مشاركة رسمية بلغت 39,8%، وهي الأدنى في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الجزائر. شعار الرئيس الآن هو “الجزائر الجديدة”.
يتم تقديم اعتقالات ومحاكمة الوزراء ورجال الأعمال المحيطين بسعيد بوتفليقة- شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي أهان عبد المجيد تبون علناً عندما كان رئيساً للوزراء- كدليل على “تغيير” النظام والسياسة. لكن ذلك غير كاف لإقناع الرأي العام الذي لا ينسى أن الرئيس المنتهية ولايته كان وزيراً لدى عبد العزيز بوتفليقة لفترة طويلة، وكان مؤيداً لخطة الأخير لفترة رئاسية خامسة. لكن القمع الممنهج والمستمر ضد نشطاء الحراك، وكبح جماح الصحافة التي تعتمد بشكل كبير على إعلانات الدولة يمنع أي نقاش حول نتائج ولاية اتسمت في بداياتها بفترة طويلة من الشلل، توضح “لوموند”.
عملية تنظيف كبيرة على مستوى قيادات الجيش
أولها- بحسب الصحيفة الفرنسية دائماً- الوفاة المفاجئة إثر أزمة قلبية للأب الروحي لعبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش السابق، الجنرال أحمد قايد صالح، في 23 ديسمبر2019، بعد عشرة أيام من انتخابه، فاجأته وتسببت في بدء حملة تنظيف داخل الجيش.
كان من المقرر أن ينطلق عبد المجيد تبون من جديد مع الاستفتاء على مراجعة الدستور، الذي أجري في 1 نوفمبر 2020 قبل أربعة أيام من الانتخابات.. تم نقله بشكل عاجل إلى ألمانيا بعد إصابته بكوفيد19. وهذا التعديل الدستوري، الذي ينص على تعزيز السلطة الرئاسية، ومنح الجيش مهمة الدفاع عن “المصالح الحيوية والإستراتيجية للبلاد” وإمكانية نشر قوات في الخارج، لم يُحدث ثورة في النظام.. وأظهرت نسبة المشاركة، التي وصلت إلى %23,7، عدم الاهتمام الشعبي.
وفي الوقت نفسه، كان القمع ضد نشطاء الحراك على قدم وساق. وقد تم حظر المظاهرات، بما في ذلك تلك المظاهرات الداعمة لشعب غزة منذ 7 أكتوبر. وتم حل رابطة حقوق الإنسان والمنظمة غير الحكومية Rassemblement Actions Jeunesse.
وفي يونيو/حزيران 2021، أصبح التعديل الجديد لقانون العقوبات (المادة 87 مكرر) أداةً لإستراتيجية الخنق القضائي للمعارضة. وبذلك أصبح أي عمل يهدف إلى “الوصول إلى السلطة أو […] تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية” يصنف على أنه “إرهابي”. كانت الدعوة إلى تغيير سلمي للنظام- على سبيل المثال الدعوة إلى التحول الديمقراطي أو تشكيل جمعية تأسيسية- هي المطلب الرئيسي للحراك وتقليدًا لدى المعارضين. قبل ذلك بشهرين، تم، في 18 مايو 2021، تصنيف حركة تقرير مصير منطقة القبائل المحظورة في الجزائر، وحركة رشاد الإسلامية المحافظة، التي ليس لها وجود قانوني في البلاد، على أنها “ تنظيمات إرهابية”. وأصبحت تهمة الانتماء إلى هذه الجماعات أحد الأسباب المتكررة للاعتقالات.
وبينما كان نحو 200 من معتقلي الرأي في الزنازين، أكد الرئيس عبد المجيد تبون، في الأول من أغسطس 2022، على شاشات التلفزيون، أن “الوجود المزعوم لهذا النوع من المعتقلين هو كذبة القرن” وأن “حرية التعبير مكفولة في الجزائر”، تشير الصحيفة الفرنسية.
تقييم من المستحيل الاعتراض عليه
مع تأكده من عدم وجود معارض له، كان الرئيس الجزائري المنتهية ولايته قد قام، في 25 ديسمبر 2023، خلال خطاب ألقاه أمام البرلمان، بتقييم سنواته الأربع في السلطة: معدل نمو قدره 4،2 %، واحتياطيات من النقد الأجنبي بأكثر من 70 مليار دولار، وصادرات غير المحروقات تقدر بـ 7 مليارات دولار، ومنح تعويضات لأكثر من 2 مليون عاطل عن العمل، وإلغاء ضريبة الدخل على الأجور المنخفضة، تُذكِّر “لوموند”.
وبعد أيام قليلة، قالت افتتاحية مجلة الجيش الجزائرية: “كل الإنجازات التي تم تحقيقها حتى الآن (…) أكدت صحة الخيار الذي اختاره السيد رئيس الجمهورية كمسار إصلاحي للجزائر الجديدة، خاصة أن الظروف التي شهدتها الساحة الوطنية، غداة انتخابه للمنصب الأعلى، اقتضت تكثيف الجهود من أجل تعزيز ثقة الشعب الجزائري بمؤسسات دولته”.
بالنسبة للعديد من المراقبين، كان هذا التصريح بمثابة إشارة إلى أن قيادة الجيش تدعم ولاية ثانية للرئيس عبد المجيد تبون.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن النقاش حول حصيلة الفترة الرئاسية لتبّون هو ممارسة مستحيلة في الجزائر التي شكلها القمع.. فقد حكم على الصحافي إحسان القاضي بالسجن سبع سنوات، بما في ذلك خمس سنوات نافذة، بعد منشوره على موقع “إكس” في 23 من ديسمبر 2022 والذي طعن فيه بتأكيد الرئيس الجزائري أن الخزانة العامة استعادت 20 مليار دولار من الأوليغارشيين المقربين من عشيرة عبد العزيز بوتفليقة. وباتت الصحافة صامتة الآن.
الشاب الذي يذهب إلى المنفى
على الجانب الحزبي، الخمول تام- تقول “لوموند”- ففي أغسطس 2023، ردًا على تصريحات رئيس الدولة، اعترض عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لـ “حركة مجتمع السلم”، على مبلغ الناتج المحلي الإجمالي- 225 مليار دولار لعام 2022 – الذي قدمه رئيس الدولة، مذكراً أنه وفقاً للأرقام الرسمية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي 191.9 مليار دولار في عام 2021. وفي هذا السيناريو، كان ينبغي أن يكون النمو 17.2%. وعلق الرئيس السابق لـ “حركة مجتمع السلم” بسخرية قائلاً: “مثل هذا الأداء من شأنه أن يشكل حدثاً عالمياً ستغطيه الصحافة في العالم بأسره. فحتى الصين، في ذروة نموها الاقتصادي، لم تحقق هذا المعدل”. كما أشار إلى “أرقام كاذبة” أخرى عن الأموال المستردة من الفساد، وحجم الاقتصاد غير الرسمي، ونمو القطاع الزراعي، واحتياطيات المياه.. وهي تصريحات بدأ المعارض بدفع ثمنها في 28 نوفمبر 2023 عندما لاحظ، بمطار الجزائر العاصمة، أنه ممنوع من مغادرة الأراضي، قبل أن يتم رفع هذا الإجراء في نهاية المطاف. لكن المراقبين أشاروا إلى أن عبد الرزاق مقري لم يحصل على دعم حزبه في الانتخابات الرئاسية.
وفي 19 مايو، زايد رئيس الدولة مؤكداً أن الناتج المحلي الإجمالي للجزائر سيتجاوز 400 مليار دولار في نهاية عام 2026، في حين حدّده صندوق النقد الدولي بـ 247 مليار دولار في عام 2023، أي بزيادة قدرها 153 مليار دولار.
خلف الصورة المثالية التي رسمها عبد المجيد تبون، يعاني الجزائريون من ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية، تقول “لوموند”، مشيرة إلى أن منطقة تيارت، غرب البلاد، شهدت نقصاً خطيراً في المياه قاد إلى أعمال شغب، في شهر يونيو . كما أن عدد الشباب الجزائري الذين يخاطرون بالهجرة غير النظامية إلى إسبانيا في تزايد. فقد رصدت وكالة فرونتكس الأوروبية 2698 مهاجراً جزائرياً في الفترة ما بين شهري يناير ويونيو الماضيين.
تعليقات الزوار
لا تعليقات