أخبار عاجلة

متى تنتهي المشادات والمماحكات الديبلوماسية الجزائرية المغربية؟

هل من المعقول أن تنتهي المشادات والمماحكات الديبلوماسية بين البلدين والحال أن المشاكل القائمة بينهما مازالت قائمة؟ فهل فتحت الحدود البرية بينهما بعد ثلاثين عاما من إغلاقها؟ وهل أعلن عن إنهاء الحظر، الذي فرضه الجزائريون قبل ثلاث سنوات على عبور الطيران المغربي لأجوائهم؟ وهل عادت العلاقات الديبلوماسية بين الجارتين إلى مسارها العادي؟ بالطبع لا.
فهل يجوز في تلك الحالة إذن وضع العربة أمام الحصان؟ ألا يرتبط زوال الخصومات واختفاؤها، أولا وقبل كل شيء، بسيادة جو من الثقة بين الطرفين يقود إلى فض الخلافات وتسويتها؟
لكن على ماذا يتصادم الديبلوماسيون المغاربة والجزائريون بالأساس؟ وما الذي يدفعهم لأن يتبادلوا الشتائم؟ ولماذا يصل التوتر بينهم في بعض المرات حد التدافع والاشتباك بالأيدي؟ ولأجل ماذا يسمحون لأنفسهم بالخروج عن قواعد اللياقة وأصول الاتزان، التي طالما عرف بها الديبلوماسيون؟
إن معظم معاركهم وصراعاتهم تحمل بصمة البوليساريو، التي ينظر لها الجزائريون على أنها تنظيم ثوري يناضل من أجل قضية منصفة وعادلة، وهي حق تقرير المصير في الصحراء، بينما يراها المغاربة مجرد رديف انفصالي لجيرانهم الشرقيين يهدد وحدة أراضيهم وسلامتها.
لكن أليس من الحيف أن تتحمل الجبهة وحدها وزر ما حدث ويحدث بين البلدين المغاربيين من أزمات وتوترات وتصدعات؟ مثلما قد يحاجج البعض. فهل كانت الأمور بينهما في السنوات التي سبقت الإعلان عن نشأة الجبهة مطلع السبعينات هادئة وطبيعية ومستقرة؟ ألم تنشب حرب الرمال بين البلدين قبل عقد كامل من ظهور البوليساريو؟ لكن كيف سيكون وضع العلاقات الجزائرية المغربية من دونه؟ وما الذي سيحدث غدا في صورة ما إذا غاب أو اختفى ذلك الكيان الذي يرعاه الجزائريون ويعده المغاربة واجهة خلفية للجارة الجزائرية؟

سيكون من المبالغة الجزم بأن العلاقات ستصير حتما وردية أو مثالية للدرجة التي قد يحلم بها البعض، غير أنه سيكون من الإجحاف أيضا توقع بقاءها ثابتة على حالها أو انحدارها نحو مزيد من التردي والسوء. ومع ذلك ما الذي يتوقع من الديبلوماسيين المغاربة والجزائريين فعله الآن حتى توضع تلك العلاقات مجددا على السكة الصحيحة؟ هل عليهم أن يكرسوا كل وقتهم وجهدهم لأجل البحث عن سبل فتح قنوات اتصال وحوار ماتزال مستعصية ومغلقة أمامهم؟ أم إن كل ما عليهم أن يقوموا به هو أن يكتفوا فقط بالصياح في وجوه بعضهم البعض وتبادل السباب والاتهامات، وربما حتى الصفعات واللكمات في المنظمات والمحافل الدولية، على مرأى ومسمع من العالم بأسره؟
للأسف فإن الكفة تبدو راجحة وبقوة للخيار الثاني. والواضح أن هناك شبه اتفاق ضمني بين الطرفين على أن آخر شيء قد يبادر إليه الديبلوماسيون الجزائريون والمغاربة هو أن يمدوا أيديهم نحو بعضهم البعض للتصافح بدلا من التلاكم. فلدى كل واحد منهم بلا شك خيارات وتوجهات ورؤى متضاربة ومتعارضة بشكل جذري مع الآخر. لكن حافزا قويا يدفعهما للتمسك أكثر بذلك الخيار وهو البوليساريو. فحضور ذلك الكيان في المنتديات والاجتماعات الدولية بات يشكل هاجسا حقيقيا بالنسبة الديبلوماسيتين المغربية والجزائرية. والمشهد الأخير للاشتباك البدني الذي حدث في جلسة من جلسات الاجتماعات التحضيرية للقمة اليابانية الإفريقية التي عقدت الجمعة الماضي في العاصمة اليابانية طوكيو بين ممثلين للبلدين يعكس إلى حد كبير تلك الوضعية. لكن هل يمكن للوحة كتب عليها اسم دولة لا تقر الأمم المتحدة بوجودها، وقام شخص ما يصفه الجزائريون بالديبلوماسي الصحراوي، ويقول عنه المغاربة إنه مندس لا صفة له أن تتسبب في حدوث مثل ذلك الاشتباك المؤسف؟
بالنظر إلى ما حصل في مناسبات أخرى وإلى خلفيات تلك الحادثة بالذات ربما لم يكن مستبعدا أن تنتهي العملية بالشكل الذي آلت إليه، أي أن تتحول قاعة الجلسات التمهيدية لتيكاد إلى حلبة مصارعة جزائرية مغربية. والسؤال الذي قد يطرح في تلك الحالة وسبق وطرح أيضا في مرات أخرى هو كيف أمكن للبوليساريو أن يتحول في السنوات الأخيرة إلى قادح لشرارة المواجهات اللفظية، وربما البدنية بين الديبلوماسيين المغاربة والجزائريين في المحافل والاجتماعات الدولية؟
حدث المنعرج الحقيقي قبل سبع سنوات من الآن، مع عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وتخليه عن سياسة المقعد الشاغر، التي اعتمدها في السابق للاحتجاج على وجود البوليساريو في تلك المنظمة الإقليمية. لقد قلب ذلك التحول كثيرا من المعادلات، إذ لم يسمح فقط للرباط بأن تنفتح بشكل أكبر على محيطها الإفريقي، وتنجح بالتالي في إقناع دول إفريقية عدة بسحب اعترافها بالبوليساريو، بل أسهم أيضا في إذكاء صراع ديبلوماسي محموم داخل أروقة المنظمة القارية بينها وبين الجارة الجزائرية، التي سخرت كل إمكاناتها ومواردها من أجل القيام بحملات علاقات عامة لصالح الجبهة والترويج للدولة، التي أعلنت منتصف السبعينات عن قيامها في الصحراء.
واستطاعت الرباط باستعادتها لمقعدها الإفريقي أن تحدث كثيرا من الاختراقات، التي أدت إلى إعادة خلط الأوراق، وجعلت المجال يضيق بالتدريج أمام البوليساريو، ليس فقط بفعل التحولات الإقليمية والدولية، التي عرفها الملف الصحراوي، بل أيضا نتيجة الجهود التي قامت بها داخل ما ظل البوليساريو يراه معقله الديبلوماسي الأساسي أي الاتحاد الإفريقي. وبات المدار الفعلي للمواجهة الديبلوماسية هو كسب ما قد يطلق عليه حرب الرمزيات، أي حرص طرف على التصدي لكل المظاهر التي تضفي نوعا من الشرعية على الآخر، من قبيل رفع علم أو شارة أو معلقة أو تنظيم استقبال على مستوى رئاسي، مقابل سعي الآخر للتمسك ولو بالحد الأدنى منها.
وهنا بات الصدام الجزائري المغربي في أروقة المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية واضحا ومكشوفا. فباستثناء الاتحاد الإفريقي تقريبا، فإن وجود الجبهة على المستوى الدولي كان بحاجة إلى إسناد ودعم قويين من الجزائر. فالدولة التي أعلنت عنها ليست عضوا في الأمم المتحدة، وهذا ما جعل حضورها في بعض الاجتماعات، التي نظمتها بعض الجهات بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي يثير كثيرا من نقاط الاستفهام حول طبيعة الدعوات التي وجهت لها.
وتسببت التسهيلات اللوجستية التي تقدمها الجزائر للبوليساريو في أزمات ديبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، عندما تم إدخال زعيم الجبهة سرا إلى الدولة الايبيرية بهوية جزائرية مزيفة، وبين المغرب وتونس عندما تم استقباله للمرة الأولى في عاصمتها بمناسبة قمة تيكاد قبل عامين من الآن. لكنها بقيت أيضا الوقود الحيوي للمشادات بين الديبلوماسيين الجزائريين والمغاربة ومشاهد العراك والعنف، التي ظلت تتكرر بينهم داخل أروقة المنظمات الدولية.
ومع أن الجزائر ظلت تبرر دعمها الديبلوماسي للجبهة، إلا أن السؤال الذي بقي عالقا هو هل آن الأوان لتكرس الديبلوماسيتان المغربية والجزائرية جهودهما لشيء آخر عدا البوليساريو؟

نزار بولحية

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات