أخبار عاجلة

إياك أن تكتب عن الجهة وبنات الجهة في الجزائر

مهما كان الشكل الذي تختاره للتعبير عن أفكارك ورؤياك، تعلق الأمر بالرواية كما هو الحال هذه الأيام مع أستاذة الترجمة إنعام بيوض صاحبة «هوارية «، التي تطوع البعض، للقيام بقراءة جهوية لها، لم تكن واردة بتاتا في ذهن هذه الأستاذة الجامعية، ونحن نتابع مسارها العائلي والمهني، التي اختارت فيه لسنوات مدينة وهران للتدريس في جامعتها، هي المتحكمة في أكثر من لغة، ابنة الزواج المختلط بين أم سورية من أصول داغستانية وأب جزائري من أبناء منطقة غرداية الابضية. سيدة قامت عليها القيامة، بعد أن تجرأت وكتبت بالعربية – نعم العربية هنا مهمة جدا – عن مدينة غير مدينتها، وعن بنات من غير قبيلتها.
الشيء نفسه الذي حصل مع الدكتورة مريم بوزيد الباحثة في مركز البحوث الأنثروبولوجيا بالعاصمة التي غامرت هي الأخرى بدراسة مجتمع الهقار في أقصى الجنوب، من خلال احتفالات «السبيبة» التي انطلقت منها لدراسة المجتمع التارقي ومكانة المرأة داخله، أدى مباشرة إلى منع الكتاب وسحبه من السوق، بحجة التعرض لشرف بنات بعض قبائل الهقار، التي تم تناولها في الدراسة، أو تعلق الأمر بمقالة رأي، كما كان الأمر مع الصحافي سعد بوعقبة وهو يكتب عما لاحظه من سلوكيات، عبّرت عن الثقافة السياسية لأبناء منطقة الجلفة بالهضاب العليا. أدت للحكم على هذا الصحافي المشاكس بالسجن. أحداث ومواقف يتم التعبير عنها في جو تعيشه الجزائر منذ سنوات من سماته، الانغلاق السياسي والإعلامي والمس بالحريات الأكاديمية.

أما إذا غامرت وكتبت وأعطيت رأيك فسيكون لك «الأعيان» بالمرصاد، تعلق الأمر برؤساء جمعيات محلية، أو صحافيين مغمورين ونواب قي البرلمان لم يعرف عنهم فتح أفواههم ولو مرة واحدة، أمام كل ما يحصل في المناطق التي يتكلمون باسمها ويتبجحون بالدفاع عن شرفها وشرف بناتها، من فساد وهدر للمال العام وتزوير عيني عينك، للانتخابات التي أوصلت الكثير منهم إلى مناصبهم التي يستغلونها للمطالبة بتصحير أكثر للحياة الثقافية والفكرية، في بلد يعاني أصلا من ركود ثقافي قديم عبّر عن نفسه على أكثر من صعيد، سواء تعلق الأمر بالسينما، أو المسرح أو الكتاب. ظاهرة الدفاع عن الجهة وبنات الجهة التي زاد حضورها في الساحة الوطنية، نتيجة انتشار الوسائط الاجتماعية، التي لم تتركها حكرا على هذه الفئات المذكورة، من صحافيين ونواب ورؤساء جمعيات، ليتطور الأمر إلى كل مواطن يستطيع أن يخربش جملا غير مفهومة على صفحته في فيسبوك، على ما يعتبره إهانة لمنطقته ومس بشرف بناتها، اللواتي نصّب نفسه حاميا ومدافعا عنهن. ليتخصص البعض لاحقا في ابتزاز أكبر المسؤولين – كما حصل مع رؤساء حكومات ووزراء – في أعلى المناصب الذين يتوارون خلف مكاتبهم، أمام الضغوط التي تأتيهم من أسفل، وهي تتحدث باسم المجتمع في مواجهة نظام سياسي، فقد الكثير من شرعيته، لم تعد تقتصر على بعض المناطق ذات الخصوصية الثقافية أو الدينية – المذهبية كما هو حال منطقة الهقار، أو بني ميزاب، بل توسعت لتشمل مجمل مناطق البلاد، بما فيها المدن الكبرى، كما هو حال وهران التي تعيش بعض نخبها حالة تشنج – جهوي لم تعرف به هذه المدينة في أوقات سابقة هي المدينة المتفتحة والمضيافة، التي أصبحت تتعامل بعض الأصوات داخلها بمنطق أقرب لمنطق الدفاع عن «شرف بنات القبيلة»، البعيد كل البعد عن الفضاءات العصرية وقيمها.
تندلع هذه المعارك وتزداد ضراوة في وقت استمر فيه الجزائريون في التعرف على بعضهم بعضا وهم يسافرون خارج مناطقهم الأصلية، وهم يعملون مع بعضهم بعضا في مختلف ربوع الوطن، خاصة المدن الكبرى كالعاصمة وهران وقسنطينة وحاسي مسعود وغيرها، لدرجة يمكن القول معها إننا أمام جسم اجتماعي ترتفع درجة حمَته، كلما زاد منسوب التعارف بين أبنائه والاختلاط بينهم. حمَة تظهر على شكل تركيز على نقاط الانكسار، وعدم التجانس والاختلاف الموجود في المجتمع الجزائري كأي مجتمع آخر، انعكاسا لأشكال التنشئة الاجتماعية المختلفة من منطقة إلى أخرى، في بلد يفتخر أبناؤه بأنه بلد – قارة. في حين ما زالوا مصرًين على التعامل معه كخريطة اجتماعية ملساء، يرفضون الاعتراف بما تحتويه تضاريسه الثقافية والأنثروبولوجية المتنوعة من اختلاف من جهة لأخرى، يكتشفونها عندما يتنقلون خارج مناطقهم الأصلية. لأسباب مختلفة منها العمل والدراسة والزواج، زادت بشكل متسارع في السنوات الأخيرة.
ليكتشف الشاوي الوهرانية والقبائلي العنابية وابن الهضاب العليا العاصمية، إذا اكتفينا بالكلام عن أبناء هذه الجهات في علاقاتهم بالمرأة، كمثال عن تيارات للهجرة والتنقل في المجتمع الجزائري، التي ما زالت غير متساوية ولا تسير في الاتجاهات نفسها، كما تظهر في الطابع الجهوي للكثير من أحياء مدننا، وكما تؤكد حالة أبناء الغرب الذين ما زالوا كقاعدة عامة قليلي التنقل خارج مناطقهم الغنية، ذات الكثافة السكانية الضعيفة، التي لا يغادرونها إلا كأفراد ومجموعات صغيرة -نخب في الغالب – جعل المنطقة الغربية من البلاد منطقة استقبال، عكس المناطق الجغرافية الطاردة الأخرى، كمنطقة القبائل والشمال القسنطيني الفقيرة والمكتظة ديموغرافيا.
أرضية موضوعية تفسر ارتفاع حرارة هذا الجسم الاجتماعي المنافق، الذي زاد منسوب تدينه الشكلي، من دون أن يمس عمق قيم الفرد وقناعاته العميقة، التي بقيت في محطة ما قبل – الوطنية، تحت تأثير ثقافة القبيلة وقيمها المكرسة أكثر من قيم الوطن الواحد كمنتج عصري، حتى إن عاش لأجيال في هذه المدينة التي بقي يهابها ويخاف منها، ومن العلاقات الاجتماعية التي يبنيها داخلها. كما تؤكده قراراته المهمة كالزواج الذي ما زال يتجه إلى قريته للبحث عن زوجة لابنه فيها. كما كان يفعل لوقت قريب وهو يتوجه للقرية نفسها لدفن موتاه الذين لم يرتح لدفنهم في هذه المدينة الكبيرة التي دخلها بعد الاستقلال في ظرف خاص جدا، وجد فيه بعض المهتمين بدراسة موضوع علاقة الجزائري بالمدينة ما يشبه عملية الاغتصاب.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

غزاوي

مجرد تساؤل

مجرد تساؤل ما هو عمى الألوان الإنسان!؟ الكاتب وصف تدين الجزائريين "شكلي"، وهذا لا يمنعهم من الغيرة عليه وعلى شرفهم، ومن الغيرة محاربة "إشاعة الفاحشة". المتنورين بـ "نور" الغرب، يريدون أن تصبح نساؤنا كاسيا عاريات ورجالنا مخنثين، ونسمح بالمثلية وتغيير الجنس، والمجون والحرية بلا حدود ولا قيود. ذلك ما دعا إليه المتسللين للحراك باسم "مدنية ماشي عسكرية" ووثقته القنوات الفرنسية في شريطين تحت عنوانين. - الأول بثته قناة "فرونس5 "بتاريخ:27/05/2019، تحت عنوان "الجزائر حبيبتي" يوم:27/05/2019. - والثاني بتته قناة "آم6 "يوم:20/09/2020، تحت عنوان:"الجزائر بلد كل الثورات". الذين يُعيروننا بتكميم الأفواه، فلينظروا إلى الغرب مثلهم الأعلى كيف يحاصر ويطارد كل من يقول كلمة حق عن روسيا أو فلسطين أو الكيان، فالتهمة جاهزة هي "معاداة السامية" وكيف يحاصرون كل امرأة ورجل يتمسك بدينه و عاداته وتقاليده، حتى اللباس يريدون التحكم فيه ويمنعون فتاة من دخول المدرسة لأنها وضعت قطعة قماش على رأسها، والتهمة جاهزة هي رفض الاندماج. وكيف يضغطون على أي دولة تمنع المثلية أو الشذوذ فالتهمة جاهزة وهي المقاطعة وحرمنها من الاستدانة. عندما يحصل نفس الشيء في الغرب نسميه حرية وديمقراطية، وفي الجنوب نسميه دكتاتورية واستبداد.

غزاوي

مجرد تساؤل.

مجرد تساؤل. هل هذا منطق !!!؟؟؟ الكاتب يرفض تكميم الأفواه، وهذا نقبله، لكنه في الوقت نفسه يرفض انتقاد رواية "هوارية "، وهذا ما لا نقبله. نفس معيار الغرب "الديمقراطي". ذلك ما رأيناه وسمعناه جليا خلال العملية الروسية والعدوان على غزة. الغرب الديمقراطي ينادي بحرية التعبير والتظاهر لكن ليس لدعم غزة و بوتين أو ضد الكيان. في مقال نشرته "الخبر" الجزائرية يوم:، تحت عنوان: " غزّة تصنع المراجعات الفكرية والوعي الجديد"، جاء فيه ما نصه: "عندما يتعلق الأمر بفلسطين تسقط جميع هذه الاعتبارات.. بل يصبح عكسها هو الصحيح.. صمتٌ مطبق في هذا الجانب وتأييدٌ مُطلَقٌ للدول التي لا تحترم هذا الأمر بالذات.. بل بالعكس كلما خالفت دولة شعبها فيه ارتفع مؤشر الرضا عنها عند الغرب واُعتُبِرت قريبة من “العالم الحر”!. يلاحظ ذلك المتابع اليوم، وغزة تُباد من قبل الصهاينة، سعادة كبيرة لدى المعسكر الغربي بهذا التخاذل العربي المناقض تماما لتطلعات الشعوب.. ولا حديث عن عدم تمثيلية الحكام لشعوبهم أو عن عدم استشارتها، ولا حديث عن حق الأغلبية أو عن ضرورة القيام باستشارات شعبية كما كان يحدث في كل مرة يبرز فيها قائدٌ عربي يناقض الغرب في مصالحه ولو جزئيا أو يكون لديه ولو قليلٌ من الجرأة لقول “لا” ولو استعراضا" انتهى .../...يتبع