أخبار عاجلة

سؤال حير العالم لماذا الجزائري يخاف من دخول بلده؟

تعرفت في السنوات الأخيرة أثناء سفري إلى الخارج على الكثير من الجزائريين والجزائريات المتخوفين من دخول البلد. بعد سماعهم بتلك «التحقيقات» التي يتعرض لها بعض المهاجرين في المطارات الجزائرية، عند محاولتهم العودة إلى مكان إقاماتهم في الخارج، بعد زيارة يقومون بها للأهل هنا في الجزائر.
يتجسد كل ذلك في شكل تأخير في توقيت السفر ليوم أو يومين، والتعرض للاستنطاق من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة في المطار. يتم عادة تركيز أسئلتها على نشاطات المعني أثناء الحراك في بعض الدول الغربية، على غرار كندا، فرنسا وبريطانيا، بعد التنوع الذي عرفته الهجرة الجزائرية نحو الخارج، التي لم تعد تقتصر على فرنسا، كما كانت في بدايتها الأولى. تأخير في السفر يؤثر سلبا على مشاريع المسافرين، بما فيه الالتحاق بالعمل في الوقت المطلوب، وقد يمس حتى تمدرس الأبناء واضطراب تحصيلهم، نتيجة تأخير عودة الأب إلى المنزل بكل حالة الخوف التي تعتري أفراد العائلة. والزوجة التي قد تكون أجنبية في بعض الحالات، غير مستوعبة لملابسات الوضع السياسي في البلد بالضرورة.

حالات تطورت في بعض الأحيان إلى توقيف المعني بالأمر، كما حصل مع بعض الناشطين والناشطات، الذين غامروا بالدخول للجزائر، لاعتبارات عائلية مستعجلة، لإحالتهم على المحاكم، ليتم الاقتصار في الغالب على تحقيقات قد تأخذ ساعات طويلة مع المعني بالأمر، للسؤال والاستفسار عن نشاطاته داخل الحراك الذي عرفه الكثير من العواصم الغربية، منذ اندلاعه في الجزائر في فبراير/شباط 2019، يتعرض لها الجزائري والجزائرية وهما عائدان إلى بلدان إقاماتهما التي قد يكونان حاملين جنسيتها، زيادة على الجنسية الجزائرية الأصلية، ما يضيف تعقيدات دبلوماسية دولية لهذه التحقيقات التي يتعرض لها مواطنون من حاملي الجنسية المزدوجة. ناهيك عن المضايقات المهنية والعائلية التي يتكبدها المعني بالأمر، وعائلته التي تعيش ساعات خوف لا مبرر لها. بسبب تأخير سفر الأب أو الأم في بعض الأحيان – نتيجة مشاركته في وقفات الاحتجاج التي نظمها أبناء الهجرة، عندما كان الحراك في حالة صعود، أخذت طابعا شعبيا واسعا لم يقتصر على أصحاب التجربة السياسية من المناضلين السياسيين. مسيرات ووقفات احتجاجية، جندت أجيالا شابة من الجزائريين لم تكن لهم تجربة سياسية سابقة من قبل، ما يعني أن التخوف من زيارة البلد قد يمس فئات واسعة من المهاجرين الجزائريين، ما قد يزداد بعدهم عن البلد. لتزداد القطيعة النفسية -السياسية معه.
تحقيقات أمنية عادة ما يتستر عليها المعنيون، كما علمت من بعض الحالات، لتبقى على مستوى التجربة الفردية والعائلية المسكوت عنها. التي يرفض في الغالب أصحابها إعادة تكرارها مرة ثانية، ليبقى المهاجر الجزائري متخوفا من زيارة بلده وأهله لسنوات طويلة. تشاهده وهو يزور الكثير من دول العالم القريبة كما يظهر على مستوى الوسائط الاجتماعية، من دون أن يقترب من تراب بلده، رغم الحنين له ولأهله، لدى أبناء هجرة جديدة لم يتعودوا على الابتعاد عن البلد كما هو حاصل مع هجرات قديمة معروفة لدى شعوب أخرى.
تذكرت هذه المحنة التي يتعرض لها بعض المواطنين، وأنا أقرأ نص القرار الرسمي، الذي يمنح حق دخول البلد ببطاقة التعريف الوطني حتى في حالة انتهاء صلاحية جواز سفر المواطن الجزائري. قرار لم استوعبه حتى الآن ولا أعرف تفاصيله، وأنا أطرح على نفسي هذا السؤال كيف يصعد المسافر الجزائري إلى الطائرة ليعود إلى بلده وجواز سفره منتهي الصلاحية؟ ولماذا يتأخر منح جوازات السفر للجزائريين الذين يطالبون بها لدى قنصليات الجزائر الكثيرة في الخارج؟ ولماذا لا يسهل دخول البلد لحامل الجواز الأجنبي من الجزائريين؟ زيادة على هذه الاعتبارات الإجرائية، الأهم في الموضوع يبقى البعد السياسي لهذه الوضعية التي يعيشها مئات الجزائريين والجزائريات المتخوفين من زيارة أهلهم وبلدهم. كما حصل بشكل فجّ وغير مقبول مع الصحافي فريد عليلات العامل منذ سنوات في مجلة «جان أفريك» الدولية، الذي تم ترحيله إلى فرنسا بعد منعه من زيارة أهله وبلده الذي لا يحمل جنسية أخرى غير جنسيته، حسب تصريحاته في مقال كتبه للحديث عما تعرض في مطار الجزائر، بحجة أنه يشتغل في أسبوعية تملك خطا افتتاحيا معاديا للجزائر. إجراء تعسفي لم تعرف الجزائر مثيلا له في السابق، مسّ بشكل مباشر حقوق المواطنة التي يحميها الدستور الجزائري بشكل واضح.
الاعتبارات السياسية التي تحيلنا من جهة أخرى إلى وضعية الحريات السياسية والإعلامية في الجزائر، التي تقلصت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، نجدها كخلفية تفسير أساسي لهذه الوضعية التي يعيشها المقيم داخل البلد والمواطن المهاجر، الذي نسمع بهم ونشاهدهم على صفحات الوسائط الاجتماعية في زيارات للبلدان القريبة من الجزائر، كتونس وفرنسا، من دون الاقتراب من الجزائر خوفا من المضايقات التي يمكن أن يتعرضون لها في حالة المغامرة بالدخول إلى بلدهم، وهو يفضل استقبال أفراد عائلته خارج الجزائر في هذه البلدان القريبة. كما كان يحصل في التسعينيات، عندما كانت الجزائر تعيش وضعا أمنيا صعبا ومقاطعة دولية. اعتبارات سياسية مرتبطة كذلك بالموقف الرسمي المتناقض من الحراك الذي يصفه الخطاب الرسمي بالمبارك، ليعترف بدوره في إنقاذ البلد من العصابة، وصلت به لحد دسترته، لكنه ما زال يعاقب ويهمش من شارك فيه من الجزائريين والجزائريات في الداخل والخارج، سنوات بعد توقف مسيرات الحراك، مواقف متناقضة ستزيد حتما في عزلة النظام السياسي الوطني وتقليص القاعدة الاجتماعية، التي يرتكز عليها في الداخل. في وقت يعيش فيه البلد تحديات دولية وإقليمية كبيرة كما تبرزها الخريطة السياسية، كان يمكن استغلالها لتحسين العلاقات مع الموطنين في الداخل والخارج، بالكف عن التضييق عليهم واحترام قناعاتهم السياسية.
وضع يعيد من جديد طرح مسألة أداء الآلة الدبلوماسية الوطنية في علاقتها مع الهجرة الجزائرية في الخارج، في وقت تعرف فيه الكثير من التحولات السيوسيو-ثقافية والجيلية، رغم متانة علاقاتها مع البلد نتيجة التواصل العائلي الذي ما زال يربطها بأصولها داخل البلد بمختلف جهاته، قد تفقده نتيجة هذه السياسات العرجاء في التعامل مع المهاجرين «المتهمين» بخوفهم على البلد الذي عبروا عنه بمشاركتهم بشكل عفوي في الحراك في بلدان إقاماتهم ، بكل التنوع الفكري والسياسي الذي عرفه. وهم يستفيدون من جو الحرية في بلدان إقاماتهم، متناسين ما كان ينتظرهم في بلدهم عند عودتهم.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لمرابط لحريزي

لماذا؟ الجواب بسيط..

لان النظام الجزائري منافق. مثلا بالنسبة لمشروع قيام الدولة الفلسطينية النظام الجزائري (عطاف تبون شنقريحة) وقفو ضد المشروع الاممي الذي صادقت عليه الجمعية العامة هذا الاسبوع المنصرم، والداعم لقيام دولة فلسطين. اسمع https://www.youtube.com/live/-_7h0mbupyI?si=Sq6Mf09OsX0-KOLF ~ فقط الجزائر واسرائيل هم من عارضو مشروع عضوية فلسطين. حتى امريكا لم تمتنع !!!

غزاوي

مجرد تساؤل.

مجرد تساؤل. لماذا الخوف من دخول الجزائر !!!؟؟؟ مثل جزائري يقول: " اللي ما في كرشو التبن، ما يخاف من النار". عوام الجزائريين ومنهم مزدوجي الجنسية يدخلون ويخرجون بحرية، حتى أن الرئيس تبون قرر تخفيض ثمن التذكرة إلى حدود النصف والسماح لهم بالدخول بدون تأشيرة ولو بجوازات سفر أو بطاقة تعريف منتهية الصلاحية. قرار لم "يستوعبه" الكاتب، لأنه في صالح "نظام الكبرانات"، في حين رحب به المهاجرون. بدليل أن الكاتب يطعن في النظام من داخل الجزائر ويسافر دون أن يتعرض إلى أي تحقيق أو مساءلة. التحقيقات تكون قد طالت من وصفهم تبون بـ "الخبارجية" الذين كانوا يترددون على كزافيي دريانكور في سفارة فرنسا والذي كان يسعى وينتظر "إنهيار الجزائر". لماذا التحقيقات في المطارات الجزائرية !!!؟؟؟ يتكلم الكاتب عن التحقيقات، كأنها خصوصية جزائرية، وقد شاهدنا وقرأنا أبشع منها في الدول الغربية التي يعتبرها "المستغربون" منا مثلهم الأعلى وقبلة صلاتهم. في مطارات وشوارع وجامعات أمريكا وأوروبا، لمواطنيهم وللأجانب خير دليل.

غزاوي

مجد تسل

نشرت اليوم: 10/05/2024 "القدس العربي" مقالا تحت عنوان:" هل أنت من أنصار حماس؟”.. “إف بي آي” يوقف مؤرخا إسرائيليا بمطار أمريكي ويحقق معه ويحتجز هاتفه!"، جاء فيه ما نصه: "كشف المؤرخ الإسرائيلي، البروفيسور إيلان بابيه، المناصر لفلسطين، عن تعرضه للإيقاف من قبل عميلين لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي)، الاثنين الماضي، في مطار ديترويت، وأنهما حققا معه لمدة ساعتين وصادرا هاتفه، ونسخا ما فيه من محتويات! وكتب بابيه على حسابه في “فيسبوك”: “هل تعلمون أن أساتذة التاريخ الذين يبلغون من العمر 70 عاماً يهددون الأمن القومي الأمريكي؟”. وأضاف: “وصلت يوم الاثنين إلى مطار ديترويت، وتم أخذي للتحقيق لمدة ساعتين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، كما تم أخذ هاتفي أيضا”. انتهى الاقتباس