في المطبخ السياسي تتزايد المخاوف من تأثير الشائعات التي تجد لها آذانا صاغية في أوساط الرأي العام بشأن عدد من القضايا التي انتشرت على مدار الساعات الماضية، ومن بينها تواصل المخاوف من تأثير اتحاد القبائل العربية الذي أعلن تأسيسه مؤخرا على اللحمة الوطنية، ومستقبل القضية الفلسطينية، والدور الذي تقوم به المؤسسات السيادية في الحفاظ على أمن الوطن، وهو ما حرصت أصوات مقربة من السلطة على التصدي له بحزم، معلنة أنه لا يوجد أي خطط أو نوايا مشبوهة من وراء تأسيس الاتحاد. كذلك سعى جناح من السلطة للتصدي للأنباء التي يتم الترويج لها بشأن تردي الأوضاع الاقتصادية مجددا، وكشف ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، كيفية تعامل هيئة الاستعلامات مع وكالة بلومبرغ بعد تقريرها الأخير عن الاقتصاد المصري، واعتذارها عما بدر منها.. وقال رشوان وفق تصريحات تلفزيونية “فوجئنا منذ أيام بوجود موضوع لوكالة بلومبرغ يتحدث عن الاستثمارات العربية في مصر، وحرفت بعض الصفحات التابعة للوكالة الأمر، وكتبت عناوين: مصر للبيع”، وأوضاف «تواصلنا مع بلومبرغ في ما يخص الخطأ الفادح والمعلومات المغلوطة عن الاقتصاد المصري واعترفوا به، وتم التصحيح على الفور على صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي». وكشف عن تحقيق يجري الآن في الواقعة، وعوقب من قام بارتكاب الخطأ. وفي النهاية نبحث عن الحقيقة.
ومن أخبار المحاكم قضت محكمة جنايات شمال سيناء بالحبس 3 سنوات على شروق وطه المتهمين بإنهاء حياة نيرة صلاح طالبة العريش، ومصادرة الهواتف المحمولة، وإحالة الدعوى للمحكمة المدنية المختصة، وكانت النيابة العامة قد قالت في بيان لها، إن التحقيقات أثبتت أن المتوفاة اشترت “حبوب غلة” بعد مغادرتها المدينة الجامعية بمبلغ خمسة وخمسين جنيها. ومن التصريحات المثيرة للجدل: قال الداعية خالد الجندي عضو المجلس الأهلي للشؤون الإسلامية، إن ما تقوم به الواعظات الآن، هو رد الأمر إلى صوابه، حيث إن المرأة هي الأصل في الدعوة، ثم تأتي منزلة الدعاة الذكور في المرتبة الثانية. وأوضح الجندي أن المرأة إذا قامت بالدعوة الحق للطفل الصغير، فسيكون داعية حقيقيا، وإذا لم تقم بذلك لن يصل إلى المنبر داعية حقيقي. وأشار الداعية إلى أن معنى كلمة “أمي” هي التشريف الذي شرف به النبي صلى الله عليه وسلم، مضيفا، وأنا أعترض على أن معنى “أمي” بأنه جاهل، بل عرفتها العرب بمعنى أنه المنسوب إلى أمه، فعندما مدح النبي صلى الله عليه وسلم، نُسب إلى أم. وتابع الداعية خالد الجندي خلال كلمته بافتتاح مؤتمر الواعظات الأول: لم يقل المولى عز وجل، الرسول الأبوي، بل قال الرسول الأمي، ثم استعملت العرب كلمة أمي في مجالات شتي، أي رُبي على القيم والأخلاق والمبادئ..
ومن أخبار الرياضة: رفض علي معلول التوقيع على عقد مغر تلقاه من أحد أندية الدوري القطري لحين انتهاء الأهلي من دوري أبطال افريقيا. وأكد مصدر داخل النادي الأهلي في تصريحات خاصة لـ«بوابة الأهرام» توقف مفاوضات الأهلي مع معلول لحين الانتهاء من بطولة افريقيا، خاصة أن هناك خلافا على بعض الأمور المالية بين الطرفين. تضمن العرض القطري الذي تلقاه معلول، الحصول على مليون دولار في الموسم الواحد وهو ما تحفظ عليه اللاعب، خاصة أنه يتقاضي ما يقرب من مليون و400 ألف دولار في الموسم الواحد حاليا.
يهمها السفاح
بيان صادم من المحكمة الجنائية الدولية يشير بوضوح إلى حجم الضغوط التي تتعرض لها المحكمة من قوى كبرى تدعى انحيازها للعدالة، وإيمانها بالشرعية الدولية، لكنها تتناسى وفقا لما لاحظه جلال عارف في “الأخبار” كل ذلك حين يتعلق الأمر بإسرائيل. الجنائية الدولية تحقق منذ سنوات في شبهة ارتكاب إسرائيل جرائم الحرب ضد الفلسطينيين. الأسابيع الماضية بدأت إسرائيل تصرخ خوفا من قرارات قد تصدر من المحكمة باعتقال مسؤولين عسكريين وسياسيين، على رأسهم نتنياهو نفسه. ورغم أن الحديث كان عن تحقيقات بشأن اتهامات موجهة لقادة إسرائيل وأيضا لقادة حماس، فقد تم تجاهل ذلك، وبدأت ضغوط الغرب «بقيادة أمريكا طبعا»، لمنع فضيحة تحويل نتنياهو وقيادات إسرائيل إلى مجرمؤ حرب تطاردهم العدالة في العالم كله. استغاثات نتنياهو لم تتوقف حتى وهو يعلن عزمه ارتكاب مذبحة جديدة في رفح «باتفاق على هدنة أو دون اتفاق». والضغوط وصلت لحد التهديد من مجلس النواب الأمريكي ورئيسه الجديد في السياسة، وفي الصهيونية بفرض عقوبات أمريكية على قضاة المحكمة، إذا أصدروا قرارات اعتقال ضد نتنياهو وباقي زعماء العصابات السياسيين والعسكريين في إسرائيل، وهو إجراء سبق أن لجأ إليه ترامب، ولكن حين كانت أمريكا «وليست إسرائيل» هي موضع الاتهام في جرائم حرب ارتكبت في حرب أفغانستان، يوم الجمعة الماضي، صدر بيان استثنائي من المدعي العام للمحكمة يحذر فيه من محاولات تخويف المحكمة، أو أي من قضاتها بهدف التأثير على قراراتها، مؤكدا أن بعض هذه التهديدات قد يشكل جريمة ضد إقامة العدل يستوجب المحاكمة.. والإشارة هنا واضحة إلى تهديدات في مجلس النواب الأمريكي من جانب الجمهوريين أساسا، بقيادة رئيس المجلس نفسه، وإلى الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية التي لا تنكر الجرائم، ولكنها تتمسك بأن «الجنائية الدولية» لا اختصاص لها بالنظر في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.. وإسرائيل بالذات، رغم محاولات التعتيم على بيان «الجنائية الدولية» فإن الأمر صادم. مفهوم أن أمريكا حريصة على إبقاء جرائم إسرائيل خارج أي حساب من العدالة الدولية، ومفهوم أنها نفسها مطاردة بجرائم حرب من فيتنام إلى أفغانستان والعراق وغيرها.. لكن هذا لا يبرر مطلقا أسلوب «البلطجة» ضد العدالة الدولية بتهديد المحكمة وتخويف القضاة..
نضالهم يثمر
لا يمكن إنكار الزخم الذي اكتسبته القضية الفلسطينية خلال نصف عام انقضى، حيث تظاهر الشباب الأوروبي في عواصم الدول الأوروبية الكبرى كالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، ثم في الجامعات الأمريكية الشهيرة، إلى حد أن وصفها نتنياهو “بالمروعة” التي “ينبغى وقفها”. ووفقا لعبد المنعم المشاط في “الشروق”، تتخذ المظاهرات والاعتصامات موقفا مناهضا للحرب الإسرائيلية الغاشمة، وسياسة التجويع والإبادة الجماعية والتهجير القسري للشعب الفلسطيني خارج أراضيه، وقد دفع هذا الزخم بالبعض منا إلى التفاؤل، والاعتقاد بأن حل الدولتين، دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، قد صار ممكنا، بل ضروريا لتحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط، بيد أن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض/الفيتو على مشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، رغم أنه كان متوقعا، أثار السؤال من جديد هل من الممكن أن نرى حل الدولتين ضمن الأولويات الدولية في المنطقة؟ في ضوء عدة اعتبارات: اولها ذلك التحالف العضوي والاستراتيجي بين إسرائيل من ناحية والغرب – أي أوروبا والولايات المتحدة – من ناحية أخرى، وهو تحالف لن يهتز إلا إذا تعرضت مصالح الغرب في المنطقة إلى التهديد من جانب دول المنطقة، لأنه حتى الآن لا تمثل إسرائيل عبئا على الغرب، رغم الدعم المطلق الذي تحظى به من المؤسسات التنفيذية والتشريعية الغربية. ثانيها: الرؤية الإسرائيلية الواضحة والمعلنة بشأن إسرائيل الكبرى: من النهر إلى البحر، وأنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني (سموتريتش)، فقد أعلن نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة الشرق الأوسط الجديد، متضمنة إسرائيل التي تغطى كل الأراضى الفلسطينية، وكان سموتريتش قد قدم خريطة أخرى في باريس تضم إلى جانب فلسطين الأردن وجزءا من سوريا والعراق ولبنان والسعودية، والواقع أن نتنياهو لا يعترف بأي إمكانية لحل الدولتين، ولهذا فإنه لا يسمح فقط بتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولكنه أيضا يقف ووزراؤه إلى جانب المستوطنين، الذين يرهبون الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، ويطردونهم من بيوتهم ويستولون على ممتلكاتهم.
خلط الدين بالسياسة
ثالث العوامل التي رصدها الدكتورعبدالمنعم المشاط، أن شباب العالم المهموم بالمعاناة الفلسطينية لا يملكون قدرة ولا قنوات التأثير على صنع القرار الخاص بإسرائيل في بلادهم، نعم لديهم تعاطف ومؤازرة للشعب الفلسطيني، ولكنهم يسأمون ساستهم ويعلمون أنهم يخشون حتى مجرد انتقاد السياسات الإسرائيلية. رابعها: أن أنصار إسرائيل في الإدارات المختلفة وفي المؤسسات التشريعية يوظفون بعض النصوص الدينية للتخويف من مغبة انتقاد إسرائيل، وهنا وفي دول علمانية يتم استدعاء الدين وخلطه بالسياسة في حالة التنافس على دعم ومساندة إسرائيل، هكذا ذكر ريك ألان عضو مجلس النواب الأمريكي، ما ورد في سفر التكوين – على حد قوله ـ «إن الله قد أخذ على نبي الله إبراهيم عهدا بأنه سيباركه إذا بارك إسرائيل، وإذا لعنها فإن لعنته ستحل عليه». والحقيقة أن ذلك يعد أحد مصادر التأييد المطلق الذي تقدمه المسيحية الصهيونية لإسرائيل، ليس في وضعها الراهن، ولكن كما يخطط لها الإسرائيليون التوسعيون. خامسها: أن الدول المناصرة للشعب الفلسطيني في النظام الدولي الراهن ليس لها وزن كبير، أو تأثير فاعل على إمكانية الاعتراف بفلسطين، بالتأكيد يمكن أن يحدث ذلك في إطار ثنائي محدود، لكن الفيصل لا يكمن في تلك الدول، وإنما في الغرب ودعمه المطلق لإسرائيل، لدرجة أن البعض صار يعتقد أن إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية سيدفع بملايين الإسرائيليين إلى الهجرة المضادة إلى دولهم الأصلية في الغرب، وهو ما لا تريد أن تراه أوروبا والولايات المتحدة لأسباب معلومة للكافة.
حب سيناء يجري في عروقنا
حينما نقول إن أرض سيناء الحبيبة غالية علينا ونعتز بها، وحَبات رمالها نضعها في «نني عنينا» على حد وصف بلال الدوي في “الوطن”، فإننا نقول ذلك حبا وفخرا وتشرُّفا بهذه البقعة الغالية من أرض مصر. وحينما نقول إن أرض سيناء ارتوت بدماء الشهداء الأبرار من أبناء الشعب المصري، الذين ضحوا من أجلها، فإننا نقول ذلك لنُذكِّر أنفسنا – قبل أن نذكِّر الآخرين – بأننا على العهد، ومُستعدون للفداء والتضحية وقادرون على حمايتها وصونها وتنميتها.. ففي هذه الأوقات التي نعيشها، ونحن نرى المتغيرات السريعة التي يشهدها محيطنا الإقليمي، نؤكد أننا في أشد الحاجة إلى أن نُدشن شعارا جديدا يستوجب منا جميعا أن نقف أمامه وهو (إلا سيناء). نعم إلا سيناء، فنحن لن نسمح أبدا لأحد بالاقتراب منها أو اقتصاص جزء منها أو تهجير الفلسطينيين إليها، بل نرفض تصفية القضية الفلسطينية وسنظل مُدافعين عنها حتى تعود الحقوق الفلسطينية لأصحابها، وحتى تُعلن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل (5 يونيو/حزيرا 1967).. «إلا سيناء» فهي الأرض الطيبة التي دفع آباؤنا دماءهم لاستعادتها، ونحن دورنا المحافظة عليها وتنميتها وتطويرها وتعميرها.
جوهر المؤامرة
لـ”قبائل سيناء” كما أخبرنا الدكتور بلال الدوي المعَزَّة الخاصة التي نُكنها لـ«سيناء»، فهُم الذين خلَّد التاريخ دورهم العظيم في الوقوف مع القوات المسلحة لاستعادتها والحفاظ عليها، ورفضوا في حضور وسائل الإعلام العالمية خلال مؤتمر الحسَنة في (31 أكتوبر/تشرين الأول 1968) أي محاولة من إسرائيل لتدويل سيناء، وأعلنوها صريحة وقالوا (إن سيناء أرض مصرية وستبقى مصرية ولا نرضى بديلا عن مصر، وما أنتم إلا احتلال، ونرفض التدويل، وأمر سيناء يخُص المصريين وحدهم وفي يد المصريين وحدهم، وسيناء مصرية مئة في المئة ولا نملك فيها شبرا واحدا يُمكننا التفريط فيه، ومن يُريد الحديث عن «سيناء» يتكلم مع زعيم مصر «جمال عبدالناصر»). إنكم نعم الأصل يا قبائلنا ويا مشايخنا، صنعتم التاريخ وأفحمتُم العدو الإسرائيلي، ونحن أيقَنا بأن لسيناء قبائل تحميها وتقف في الصفوف الأولى لحمايتها، جنبا إلى جنب القوات المسلحة، إنكم علَّمتم العدو الإسرائيلي أن قبائل سيناء مخلصون وشرفاء وداعمون للدولة في كل خطواتها المدافعة عن سيناء، ومؤيدون لموقفها القوي المدافع عن القضية الفلسطينية، إنكم – يا قبائل سيناء – خير خلف لخير سلف بمواقفكم المحترمة وتاريخكم النضالي المستمر من سنوات طويلة حتى وصلنا لـ«عصر الجمهورية الجديدة». فعلى بركة الله تم تدشين «اتحاد القبائل العربية» لتوحيد صف القبائل العربية والمصرية، ودمج كل الكيانات القبلية لمواجهة التحديات التي تُهدد أمن مصر لأن الفترة التي نعيشها تتطلب يقظة من الجميع وتستوجب الوقوف خلف الرئيس السيسي للتصدى لمخططات تُحاك لتصفية القضية الفلسطينية، لذلك فإن «اتحاد القبائل العربية» سيكون حائط الصد لمواجهة أي مُخطط والتأكيد على ثوابت الدولة المصرية بـ«لا للتهجير ولا للتصفية».
جميلة من يومها
«هل تحتاجون مساعدة؟» صوت ودود بادر بالسؤال بينما داليا شمس في “الشروق” وآخرون يشاهدون الفيديو الذي يستعرض صورا من غزة في بهو المعهد الفرنسي في المنيرة، التقطها كيغام دجيغليان من بدايات القرن العشرين وحتى نهاية الستينيات. استمع الرجل ذو الشعر الأبيض والبشرة البرونزية إلى بعض من حواراتنا، فقرر التدخل بالشرح إذا أردنا، وسرعان ما انضم آخرون إلى الجولة، واتسعت دائرة الزوار لنكتشف أنه أفيديس أو «آفو» كما يختصر اسمه للتحايل على صعوبة النطق، طبيب أسنان أرميني الأصل مقيم في القاهرة منذ أكثر من خمسين عاما، وابن مؤسس أول استديو تصوير في غزة عام 1944 كيغام دجيغليان، صاحب الأعمال التي نقف أمامها حائرين. مشاهد المدينة التي صورها هذا الأخير بالأبيض والأسود، تأتينا في شكل قطع متناثرة، علينا أن نضعها جنبا إلى جنب ونربط بينها كي نأخذ فكرة عن تاريخ غزة ومجتمعها المنفتح على البحر بكل ما كان يمثله ذلك من تعدد ثقافات. سيدات جميلات بملابس أوروبية في أماكن عامة، وأخريات بأثواب بدوية، حفلات تنكرية، فرق موسيقية، كازينوهات على الشاطئ، طلاب مدارس في زيهم الخاص، محال تجارية عامرة بما لذ وطاب، ويعلق «آفو» بلطف مرددا جملة سيكررها عدة مرات خلال الجولة: «كنا سعداء في غزة»، مستعيدا ذكريات طفولته في المدينة التي نشأ وشب فيها. نتوقف أمام نوعين من المشاهد، الأول يؤكد أن أهل فلسطين يعيشون سيناريو متكررا منذ قرابة ثمانين عاما: الأطفال يتدافعون على الدور للحصول على المياه وعلى الطعام لأسرهم أمام مكاتب الهيئات الدولية، مخيم الشاطئ يظهر في الصور ليشهد على مأساة اللاجئين، والدبابات تحاصر المنازل من حين لآخر، والناس يتشبثون بالأمل ويحاولون أن تكون حياتهم طبيعية.. فنقول ما أشبه الليلة بالبارحة. ثم نصل للنوع الثاني من الصور التي تؤرخ لأماكن انمحت بالكامل أو تغيرت معالمها أو تمت أخيرا تسويتها بالأرض بعد تشريد قاطنيها حتى صار من الصعب عليهم تحديد موقعهم كلما رجعوا إليها وتقدموا في السير.
تاريخ لا ينسى
يتابع «آفو»، والكلام ما زال لداليا شمس، على الشاشات ما لحق بشارع طفولته من دمار واسع أخيرا، لكنه يتمسك في خياله بالصور التي عاصرها والتي يُعرض بعضها في المعهد الفرنسي حتى 12 مايو/أيار الجاري، يشير الابن إلى طبيعة والده المغامرة، فقد كان يقيم «السواتر» في شرفة البيت لكي يلتقط من خلفها صورا تدين أعمال الاحتلال، وكان الوحيد الذي وثق مجازر خان يونس ودخول الدبابات الإسرائيلية قبل انسحابها بعد عدة أشهر، ولم يفرق بين المستويات الاجتماعية المختلفة، فصور العائلات الغنية والفقيرة، داخل وخارج الاستديو. يتذكر «آفو» جيدا ذلك اليوم الذي أراد أن يختبئ فيه وراء الساتر أعلى الشرفة ليراقب حركة الجنود الإسرائيليين في الشارع، وكادت تصيبه رصاصة تفاداها بسرعة وظل أثرها باقيا في الجدار. يُحصي الشخصيات المشهورة التي صورها كيغام والتي نراها في المعرض: الرئيس المصري محمد نجيب، الممثل يول براينر، الثائر تشي جيفارا، أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، الحاكم العسكري المصري لغزة خلال العهد الناصري… وقد نال قصره الذي نشاهده في الصور نصيبه من الدمار، إضافة إلى مبنى السرايا الحكومي. لم يرغب الأب في أن يأتى للاستقرار في مصر كما فعل أبناؤه، بل مكث في غزة حتى مات ودُفِن في القدس إلى جوار زوجته كما أوصى. وبعد رحيله آل الاستديو إلى مساعده موريس، الذي كان يعده فردا من العائلة، وبعد وفاة هذا الأخير استلم الراية من بعده أخوه مروان الطرزي الذي نشاهده في الفيديو والذي اشتهر بلقب «حارس أرشيف غزة» لامتلاكه كنزا من الصور، لكنه استشهد في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي عند لجوئه مع أسرته لكنيسة بورفيريس للروم الأرثوذكس. ربما فُقِد أرشيفه أو ذهب بغير عودة، كما لحق الدمار بأرشيف البلدية المركزي وأرشيفات الجامعات، فهذا شعب يُسلب منه تاريخه وحاضره.
بين الشكل والمضمون
هل هناك فارق بين الساسة الغربيين، الذين يغضون البصر عن الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وشعوبهم التي تتظاهر هناك رفضا للإبادة نفسها؟ من وجهة نظر سليمان جودة في “المصري اليوم” هناك فارق في الشكل، لأنك لا يمكن أن تساوي بين الطلاب الغاضبين في الجامعات الأمريكية، والإدارة الأمريكية التي لا تجد أي حرج في أن ترسل المساعدات الإنسانية إلى المنكوبين في القطاع بيد، ثم ترسل السلاح إلى إسرائيل باليد الأخرى، لتقتل به المنكوبين أنفسهم. وما يقال عن الولايات المتحدة يقال عن عواصم أوروبا، التي خرجت المظاهرات في شوارعها وجامعاتها ترفض الإبادة وتطالب بوقف الحرب، التي لم تشهد سياسيا واحدا يأخذ في المقابل موقفا جادا.. وأنا أقصد بالطبع الموقف العملي لا الشفوي، فما أسهل الكلام الذي يشجب ويدين.. غير أن هذا كله فارق في الشكل لا في المضمون.. فارق في الظاهر لا في الجوهر.. فارق على السطح لا في العمق.. حتى لو كنا طبعا نشكر للطلاب مواقفهم الرافضة، وللرأي العام موقفه الثائر الغاضب. الفارق يظل كذلك، لأن الرأي العام هو نفسه الذي جاء بهؤلاء الساسة إلى الحكم، وهو الذي أتى بتلك الحكومات إلى مقاعدها.. هو الذي اختار هؤلاء الساسة واحدا وراء واحد، وهو الذي اختار تلك الحكومات حكومة بعد حكومة. ولا يمكن أن يختارهم ويأتي بهم، ثم يخرج متظاهرا ضدهم، ثم يطلب منا في النهاية أن نصدقه، وأن نقول إنه كرأي عام شيء، وأن هؤلاء الساسة وتلك الحكومات شيء آخر مختلف.. هناك مسافة بين الشيئين لا شك.. ولكنها مسافة شكلية وليست مسافة في الأصل ولا في الأساس.. علينا أن نلاحظ أن الذين يتظاهرون في الشوارع والجامعات يطلبون وقف الحرب، لا عودة الحق لأصحابه في فلسطين.. والمعنى أن التعاطف من جانبهم إنساني وليس سياسيا.. تعاطف مع الفلسطيني في غزة لأنه ضعيف أمام الوحش الإسرائيلي، لا لأنه صاحب حق يجب أن يعود.. وهذا فارق آخر من بين فروق الشكل عن المضمون.
غرها ضعفنا
لا تزال إثيوبيا تماطل في الوفاء بالتزاماتها تجاه دولتي المصب (مصر والسودان)، حيث تصر على المماطلة والتسويف، والاستمرار في التحركات الأحادية الضارة ضاربة بعرض الحائط مبادئ القانون الدولي، واتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في عام 2015، وكذلك بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر/أيلول 2021 الدكتور هاني سويلم وزير الري والموارد المائية، حسب عبد المحسن سلامة في “الأهرام” حذّر من أخطار التحركات الأحادية الإثيوبية في مؤتمر بغداد الدولي للمياه، مشيرا إلى أن استمرار هذه التحركات أصبحت تمثل خطرا وجوديا لأكثر من 150 مليون مواطن في دولتي المصب (مصر والسودان)، خاصة في ما يتعلق بالأمن والسلامة للسد الإثيوبي الذي تم البدء في إنشائه دون تشاور، ودون إجراء الدراسات الفنية اللازمة لأمنه وسلامته، بالإضافة إلى أضراره الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للدول المتشاطئة. أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية طالب العالم العربي بنهج جديد في التعامل مع قضايا المياه، مشيرا إلى أن 80% من المياه تأتي إلى الدول العربية من خارج هذه الدول على طريقة نهر النيل. قضية المياه هي واحدة من أخطر القضايا والتحديات التي تواجه العالم العربي الآن، وتحتاج إلى تكتل عربي واضح وقوي لكل دول مصب الأنهار في العالم العربي، من أجل تبني نهج موحد في تلك القضية الحساسة والشائكة، التي تمثل خطرا وجوديا على مواطني تلك الدول. خلال الفترة الأخيرة قامت مصر بثورة مائية هائلة أنفقت فيها ما يقرب من 10 مليارات دولار خلال السنوات الخمس الماضية، بهدف تعزيز كفاءة المنظومة المائية، وتبني سياسة مائية رشيدة، ما ساهم في توفير ما يقرب من 26 مليار متر مكعب من المياه، أي ما يقرب من نصف حصة مصر المائية المقررة في مياه النيل. مصر تعاني «الشح المائي» وليس لها مصدر آخر سوى مياه النيل، ومن هنا تأتي الأهمية الاستراتيجية لنهر النيل في حياة المصريين على مدى التاريخ. إثيوبيا لا تزال «تراوغ» حتى الآن للهروب من الاستحقاقات القانونية والتاريخية، للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم يحقق مصلحة الدول الثلاث دون تفريط. من المهم أن تراجع إثيوبيا مواقفها قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، ويتحول النهر إلى مصدر للصراعات.
تعلموا من وارسو
في مثل هذا التوقيت تقريبا من العام الماضي قررت الحكومة وقف هدم أي مقابر جديدة، وشكلت لجنة من الخبراء لبحث مشكلة مقابر الإمام الشافعي، وأوصت اللجنة، كما أخبرنا عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، بعدم استكمال الهدم وقالوا إن المحور الذي تنوي الحكومة إقامته سيوفر من 4 إلى 6 دقائق وتوجد بدائل له. والحقيقة أن عملية إزالة المقابر بدأت منذ ثلاثة أعوام، ثم توقفت العام الماضي وعادت لتطرح مرة أخرى طوال شهر أبريل/نيسان، وأشارت بعض التقارير إلى أن هناك 98 مقبرة تضم علماء طب (الدكتور علي إبراهيم مؤسس كلية طب قصر العيني في مصر).. وشعراء (أحمد شوقي) وضباطا عظاما (محمود سامي البارودي) ورجال دين وشخصيات من العائلة المالكة، بعضها أزيل وكثير منها مرشح للإزالة، وهو ما وصفه أحد كبار المعماريين المصريين بأنه «محو لحقبة من تطور العمارة الجنائزية في مصر، التي تحتوي تركيبات رخامية، أو حجرية وشواهد فريدة تحمل أجمل نماذج الخط العربي». كما اعترض ديوان المعماريين، وهو جمعية مستقلة تضم أمهر المعماريين المصريين، كما تأسست جمعيات أخرى لمقاومة عمليات الإزالة إحداها حملت عنوان «أنقذوا جبانات مصر من الزوال» وتمت مخاطبة كل المسؤولين لوقف عمليات الهدم. ما زلت أذكر الزيارة الوحيدة التي قمت بها لمدينة وارسو عاصمة بولندا منذ حوالي 5 سنوات، وشاهدت بأم العين كيف استخدمت الحكومة البولندية تقنيات حديثة لإعادة بناء وسط المدينة مرة أخرى بعد أن تهدم بالكامل في الحرب العالمية الثانية، واحتفظوا بأدق تفاصيل الشكل القديم، ولم يفكروا للحظة في بناء أبراج ضخمة مكانه، إنما أنفقوا المليارات للحفاظ على الهوية التاريخية والبصرية لعاصمتهم. وإذا كان مفهوما أن تسعى الدولة مع زيادة عدد السكان لبناء المدن الجديدة وتأسيس عمران جديد، اتضحت معالمه في مدن جديدة عديدة. ولذا سيكون مقبولا أن تتركز المدن الجديدة وصور العمران الجديد في الصحراء الواسعة، أو الأراضي البكر والحرص على تجنب هدم أي مبان أو مقابر أو أحياء قديمة، التي بات الحفاظ عليها، خاصة المقابر، فرض عين على الحكومة.
يعانون في صمت
يجب أن لا يكون تكريم عمال مصر مجرد احتفال أو مقولة المنحة يا ريس التي كانت سائدة أيام مبارك. وإنما المهم وفقا لياسر شورى في “الوفد” التقدير المادي والعودة لرؤية الوفد بربط الأجر بظروف المعيشة. صحيح أن الدولة تطبق الحد الأدنى للأجور الذي وصل إلى 6 آلاف جنيه، ولكن ليس كل العمال في الوقت الحالي منخرطين في المصانع الحكومية، خاصة بعد أن أصبحت مصانع القطاع العام من الماضي، ولم تعد موجودة بالشكل الذي عرفت به في ما سبق. معظم العمال حاليا يمتهنون أعمالا حرة دون تأمينات اجتماعية، أو تأمين صحي مثلهم مثل الفلاحين ولا يخفى على أحد أن عمال طائفة المعمار على وجه الخصوص يعملون، كما يقول المثل «رزق اليوم بيومه»، وإذا تعرض العامل لوعكة صحية تقعده عن العمل قد لا يجد قوت يومه هو وأسرته. نحتاج إلى مظلة شاملة مادية وصحية للعمال المصريين، ولا نكتفي فقط بكلمات الإطراء المعتادة. لقد قامت الثورة الفرنسية نفسها – وهي ثورة صناعية – على شعار دعه يعمل دعه يمر في مواجهة احتكار النبلاء للأرض وما عليها. عمال مصر تعرضوا للإنهاك على يد أنظمة اشتراكية وأخرى رأسمالية، وثالثة مختلطة لا اشتراكية ولا رأسمالية. في ظل التحديث الحالي لمصر بشكل عام نحتاج إلى ضبط المفاهيم وإعادة تعريف من هو العامل، لكي يحصل على حقه كاملا. أتحدى من يقول لنا في الوقت الحالي، من هو العامل الذي نحتفل به وهل كل موظفي الدولة عمال.. أم ماذا، الحنين لماضٍ لن يعود لن يفيد شيئا.. لا بد من تحديد هذه المفاهيم طبقا لقوانين الحاضر وليس بناء على تركة قديمة نعم نحتفل كل عام ولا أحد يعرف بمن نحتفل، وإن كانت هناك فئة من العمال لها منجز حقيقي لا نعرفه بسبب الخلط الذي وصل إلينا عبر سنوات من اللخبطة، وعدم التمييز بين من ينتج، ومن لا يقدم حتى ما يستحق أن نقف أمامه.
شكوك حول وفاة المفتي
هل كان لطبيعة اليوم الذي توفي فيه الدكتور أنور المفتي، رحمه الله، دور في الشائعات التي راجت حول وفاته؟ في يوم الخميس 16 يناير/كانون الثاني 1964 الموافق 1 رمضان 1383 ذهب الدكتور أنور المفتي إلى عيادته كما تعود، وانتهى من عمله المعتاد، ثم عاد إلى بيته مع ساعات الليل الأولى. وأخبر زوجته، حسب الدكتور محمود خليل في “الوطن” بأنه يريد أن يخلد إلى النوم لبعض الوقت، وطلب منها أن توقظه حين يحين وقت السحور، ليتناول طعامه وينوي الصيام، بعد دخوله إلى غرفته بوقت يسير وصل إلى مسامع الزوجة صوت شخير غير معتاد يصدر عنه، هرعت إلى الغرفة، وفتحتها عليه، وجدته يجود بأنفاسه الأخيرة، ويسلم روحه إلى بارئها. كلنا يعلم أن الوفاة في رمضان تحمل لدى المصريين دلالة خاصة، وقد توفي الدكتور أنور المفتي أول أيام رمضان، والمصريون يحفظون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، بأن رمضان شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. وقد توفي المفتي في الأيام التي ينتمي إليها، أيام الرحمة، وهو المعنى الذي ارتسمت حوله صورة الطبيب الإنسان الذي يشفق على البسطاء، ولا يبخل عليهم بعلمه أو خبرته المهنية، بل ولا حتى بماله، إذ لم يكن الكريم يتوانى عن أن ينفق على المريض من جيبه حتى يخفف عنه الألم، الرجل الذي تعامل مع جميع من حوله برحمة، شاء الله أن يموت في أيام الرحمة، دون أن يسمع أحد أنه يشكو من مرض أو تعب.
سره دفن معه
في سياق هذا الزخم الذي يتجدد كلما تزايد الهجوم الذي يتعرض له الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كان من الطبيعي أن يتساءل البعض كيف مات؟ خصوصا هؤلاء الذين كانوا معه قبل ساعات من إعلان الخبر، ورأوه بكامل صحته ولياقته. إنه سؤال دافعه وفق الدكتور محمود خليل الصدمة، لكنه يبدو غير واقعي وغير عقلاني، لأنهم جميعا يعلمون أن لكل أجل كتاب، والمصريون يرددون دائما أن “الموت لا يحتاج مرض.. والحياة لا تحتاج صحة”.. توفي الدكتور أنور المفتي بعد أن أفنى عمره في خدمة مرضاه، وشيعت جنازته من مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير. ينقل لمعي المطيعي عن الدكتور مصطفى الديواني قوله: “وقفت مع الألوف المؤلفة عند باب مسجد عمر مكرم أنتظر لحظة خروج النعش الغالي، ونزل به أحباؤه الذين حملوه درجات السلم في هدوء وانكسار”.. شيعت الجنازة خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، وامتزج الشجن الرمضاني بالحزن الكبير على الطبيب الإنسان، الذي ملأ الدنيا علما وعطاء ورحمة، والأرجح أن ألسنة المشاركين في تشييع الرجل لم تتوقف عن طرح السؤال المعتاد في كل الجنازات: “هو المرحوم مات ازاي؟” وتطوع من يعلم ومن لا يعلم بالإجابة، والله وحده كان يعلم كيف مات الرجل.. وأيا كان السبب فقد خسرت مصر بوفاته طبيبا عبقريا، بل نموذجا للأطباء، يندر أن يتكرر، رحمه الله.
حسام عبد البصير
تعليقات الزوار
لا تعليقات