أخبار عاجلة

ذعر في إسرائيل والغرب جرّاء ما يجري في الجامعات

في الحروب النفسية وعلوم التضليل وتوجيه الحشود تلجأ الكثير من أجهزة الدعاية والاستخبارات في العالم إلى شيء يسمى القضية الثانوية، أو الهامشية.
المقصود إثارة حدث ثانٍ على هامش الحدث الأكبر لحرف الأنظار عنه. تكون هذه الطريقة مطلوبة إذا كان الحدث الأساسي فضيحة أو سبّب صدمة كبرى وحرجا. يُفضّل أن تكون القضية الثانوية بحجم القضية الأساسية أو أكثر في الصدمة والتأثير لتحقق المراد منها.
أبرز مثال على القضية الثانوية كان في إسرائيل في الساعات التي أعقبت هجوم حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لأن الكارثة كانت أكبر من أن تُحتمل، كان لا بد من حرف الأنظار عن الإخفاق العسكري والاستخباراتي من خلال تحويل الحدث الرئيسي (الهزيمة المُذلَّة) إلى ثانوي باختلاق قضية أخرى لا تقل إثارة للصدمة والذهول لتصبح الحدث الرئيسي، بسرعة استدعت المؤسسة السياسية والأمنية الآلة الدعائية/الإعلامية واتفقتا على اختلاق قصة من وحي الخيال عنوانها «حماس والأربعون رضيعا».
زعمت الدعاية الإسرائيلية (والغربية) أن مقاتلي حماس جزّوا رقاب 40 رضيعا. حيكت القصة بدقة. لكن، كما هي العادة، غالبا ما تُفقد المبالغة في الاتقان صاحبها تفاصيل صغيرة لكن حاسمة. هكذا أفرط مفتعلو كذبة الأربعين رضيعا في الخيال والتدليس حتى انفرط عقد قصتهم. لكن ليس قبل أن تلف الكرة الأرضية بسرعة البرق ويُروِّج لها كبار ساسة العالم يتقدمهم رأس البيت الأبيض، جو بايدن. جرفهم الحماس فأطلقوا العنان لخيالهم ليزعم أن جثث الرضع الذين قُطعت أعناقهم عُلّقت على حبل غسيل.. بحمّالات صدر أمهاتهم!
القضية الثانوية تتكرر حاليا في الجامعات الأمريكية على ضوء الاحتجاجات الهائلة المناهضة لإسرائيل.
في بلادي مقولة «دخل الما فالصباط» (تسرب الماء إلى الحذاء). وهي دارجة تُستعمل للتعبير عن موقف قُضي وبات غير قابل للمراجعة. عندما «دخل الماء في صباط» إسرائيل وحلفائها الرسميين والشعبيين جراء الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب في الجامعات الأمريكية، كان لا بد من اللجوء إلى سلاح القضية الثانوية: افتعال قصة تحرف الأنظار عن خسارتهم وخيبتهم، وتضر قدر الإمكان بمصداقية الطلاب المحتجين وقضيتهم.
عنوان القضية الثانوية هذه المرة معاداة السامية. تفاصيلها مزاعم عن أن الجامعات لم تعد آمنة للطلاب اليهود، وأنها باتت فريسة لللعنف ولممارسات سياسية لا تليق بالقيم الغربية المزعومة، وأن المحتجين تلقوا أموالا مقابل حضورهم الاعتصامات (صحيفة وول ستريت جيرنال 24 الجاري).
مثل كذبة الأربعين رضيعا، انطلت كذبة الخطر في الجامعات على سياسيين وإعلاميين، بسبب استعدادهم لتصديق كل شيء في صالح إسرائيل، فهروَل بعضهم إلى عين المكان بحثا عمَّا يعزز ما يريدون تكريسه. هناك وجدوا أجواء احتفالية وقدرا هائلا من النضج والتسامح بين شبان وشابات في مقتبل العمر. لم يشاهدوا مَن ينادي بشعارات معادية لأي دين أو جنس أو عرق، وبالذات اليهود، أو يحرق العلم الإسرائيلي (حتى لو كان هناك من فعلها فليست مشكلة كبرى لأن علم أمريكا ذاته يُحرق عشرات المرات في العام عبر العالم ولا أحد اشتكى).

عندما لم ينفع التضليل، مارست اللوبيات السياسية والمالية ضغوطا على الجامعات لإجبارها على السيطرة على الوضع. عميدة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، تعرّضت للتقريع والتهديد المباشر بالإقالة رغم كل ما فعلته لتلبية مطالب أصحاب حملة التضليل، لكن ذلك لم يشفع لها وغالبا ستدفع الثمن ويُطاح بها.
كل محاولاتهم فشلت قبل أن تبدأ لأن ماءً كثيرا «دخل فالصباط». على عكس كذبة الأربعين رضيعا، لم تصمد كذبة معاداة السامية والخطر على الطلاب اليهود. بدلا من فض الاعتصامات، تدحرجت كرة الثلج بشكل لم يكن في الحسبان لتشمل الاحتجاجات عددا أكبر من الجامعات الأمريكية وتصل أوروبا.
ليس من الصعب تخيّل ما يعيشه معسكر الحرب في إسرائيل والغرب من صدمة وذعر جرّاء ما يجري في الجامعات. لا بد أن لسان حالهم يكرر أن إسرائيل، بخسارتها الجامعات الأمريكية، خسرت المستقبل. فهؤلاء الذين يلوّحون في أفضل جامعات أمريكا بلافتات مناهضة لإسرائيل، هم النخبة وقد يكون لهم مستقبل في مجلس الشيوخ والمحاكم العليا ومواقع القيادة المالية والاقتصادية وحتى في البيت الأبيض. وبما أن الاحتجاجات امتدت إلى جامعات أوروبا فسنراهم في مواقع قيادية عبر أوروبا أيضا. ما يعني أن عهد دلال إسرائيل.
إخفاق إسرائيل وحلفائها في قراءة العالم لا يضاهيه إلا إخفاق فجر السابع من أكتوبر. عجيب كيف فشلوا في استيعاب أن حبل الكذب قصير وأن العالم يتغيّر كثيرا وبسرعة. فاتهم أن كذبة معاداة اليهود في الاعتصامات يمكن نسفها في لحظة، وقد نسفها العديد من الطلاب اليهود، بعضهم يتزعمون الاحتجاجات، عندما شهدوا في وسائل الإعلام بأنهم لم يتعرّضوا لأي عنف أو ترهيب، بل العكس. وفاتهم أن كذبة الجامعات أصبحت مرتعا للفوضى والخوف يمكن أن تفندها صور الهواتف المحمولة، وقد فعلت، نافية وجود أيّ اشتباكات بين الطلاب أو مع الشرطة، وأن الشرطة اعتقلت الطلاب من دون الحد الأدنى من المقاومة، وأن بعض المندسِّين الذين حاولوا رفع شعارات معادية لليهود سرعان ما انكشف أمرهم وطُردوا من الاعتصامات.
الأهم والأخطر، فات إسرائيل وحلفاؤها أن الطلاب المعتصمين ينتمون إلى جيل يختلف عن جيل آبائهم وأجدادهم الذين وجّهتهم وسائل الإعلام كما شاءت، وينتمون إلى فئة أخرى غير فئة السياسيين والمشرّعين الذين اشتروهم بالمال. فاتهم أن سلاح الإعلام الاجتماعي، ورغم أنه صنيعتهم، لا يمكنهم فرض سيطرة مطلقة عليه، عكس الإعلام التقليدي الذين تحكموا فيه وفعلوا به ما شاؤوا حتى أفقدوه كرامته قبل مصداقيته.
هناك دروس وعِبر في «تمرد» الأجيال الجديدة في الغرب. يعبّر هذا «التمرد» عن تغييرات جوهرية تنتظر العالم، عن نهاية شيء وبداية شيء آخر مختلف. أبرز معالم هذا التحوّل وصول زمن المتاجرة بالمحرقة وبمعاداة السامية إلى نهايته.
من المؤكد أن قوى ما تعمل في الظلام على وضع قوائم سوداء بأسماء الطلاب المؤثرين في الاحتجاجات لمعاقبتهم بعد التخرج بمنعهم من الوظائف المرموقة التي يتقدمون لها.
لكن هل سيستطيعون معاقبة أجيال كاملة؟ وفي ماذا سيفيد هذا الانتقام إسرائيل؟

توفيق رباحي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

غزاوي

مجرد تساؤل.

مجرد تساؤل. ماذا يحصل في الغرب !!!؟؟؟ جاء في المقال نقلا عن صحيفة وول ستريت ما نصه: "أن المحتجين (في الجامعات الأمريكية) تلقوا أموالا مقابل حضورهم الاعتصامات " انتهى الاقتباس ما يحصل اليوم في الغرب بعد عملية بوتين العسكرية في أوكرانيا وطوفان الأقصى، هو صورة أكثر فظاعة وبشاعة من ما كان ينقله الإعلام الغربي عن ما كان يحصل في عالم الظلام حسب النتن ياهو ومحور الشر حسب بوش الابن. كل الممارسات القبيحة، الحقيقية والملفقة عن كوريا الشمالية وإيران وروسيا والصين وديكتاتوريات إفريقيا نرها اليوم في أفظع وأبشع صورها في الغرب من فرنسا إلى أمريكا مرورا بألمانيا وبريطانيا وفي الكيان. صور لن يمحوها الزمان، لأن ما سيحدث في المستقبل من أحداث سيدفعنا لتذكيرهم بها. ذكرني المقال بما حصل يوم:04/03/2023 أثناء مؤتمر صحفي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بنظيره الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، وفي رده عن تزوير الانتخابات قال الرئيس الكونغولي ما نصه: " لماذا تختلف رؤية الأشياء حين يتعلق الأمر بأفريقيا، لماذا لا تتحدثون عن تسوية أميركية مثلا حينما تكون هناك مخالفات في الانتخابات الأميركية أو تسوية فرنسية حين تحدث مخالفات في الانتخابات الفرنسية خصوصا زمن شيراك." انتهى الاقتباس