وسّعت قوات جيش الاحتلال من حربها ضد المشافي الفلسطينية، وإلى جانب حصارها المستمر منذ الأسبوع الماضي على مشفى “الشفاء” بمدينة غزة، هاجمت بشكل مفاجئ مشفيي “ناصر” و”الهلال الأحمر” بمدينة خان يونس، وفرضت عليهما حصاراً مشدداً، في الوقت الذي تواصلت فيه مناشدات المحاصرين في غرب مدينة غزة، الذين يعانون من خطر الموت والجوع، وذلك على وقع غارات إسرائيلية دامية تستهدف المنطقة، وباقي مناطق القطاع.
استمرار حصار “الشفاء”
ولا يزال سكان منطقة غرب مدينة غزة، القريبة من مجمع “الشفاء” الطبي، يواجهون حصاراً محكماً من قبل قوات جيش الاحتلال، التي تتعمد، منذ بدء العملية العسكرية هناك، تنفيذ غارات دامية بالطيران الحربي والمدفعية، تستهدف العمارات السكنية، ما أوقع عشرات الشهداء، الكثير منهم لا يزالون إما تحت الركام أو في الشوارع.
وحسب روايات جديدة لسكان من هناك، بعضهم لا يزال تحت الحصار، وآخرون نزحوا قسراً إلى مناطق وسط وجنوب القطاع، فإن التوغل الإسرائيلي الحالي، والذي بدأ الأسبوع الماضي، كان الأعنف منذ بدء الحرب.
وقال أحد الشبان بعد اجتيازه مدينة غزة ودخوله وسط القطاع، فاراً كمئات المواطنين المجبرين على النزوح القسري، إنه لم يشهد منذ بداية الحرب هجمات كالتي تحدث منذ بدء العملية العسكرية الأخيرة ضد مشفى “الشفاء”.
وقال خالد، وهو شاب كان برفقة أسرته التي فرّت من الحرب: “كل فترة برمي (يلقي) الجيش منشورات تطلب إخلاء المنطقة، على أنها منطقة عمليات عسكرية”، ويضيف: “كل مرة كنا نخلي المكان ونروح لمكان آخر، ورغم الموت والدمار في غزة، إلا أن المرة هذه كانت الأعنف”.
وحسب ما أكد هذا الشاب، فإنهم اضطروا مؤخراً، بسبب الجوع وعدم توفر الأكل أو الماء، إلى تناول حشائش الأرض، وقال إن الحصار الأخير على “الشفاء”، والغارات الجوية التي صاحبته، واقتحامات جيش الاحتلال، لم يعهدها من أول الحرب، رغم معايشته وأسرته العديد من الهجمات، ونزوحه داخل غزة أكثر من خمس مرات سابقة.
روايات المحاصرين
وتواصلت مناشدات المواطنين المحاصرين في مناطق قريبة من الشفاء، وتحديداً في المناطق الغربية، وحسب رواية شهود عيان، فإن الطيران الحربي الإسرائيلي بشتى أنواعه يستهدف كل متحرك في تلك الشوارع، وقال أحدهم لـ “القدس العربي”، وفضّل عدم ذكر اسمه، إن جيراناً لهم استشهدوا بسبب تواجدهم على مقربة من إحدى نوافذ المنزل.
وأشار هذا الرجل إلى أن هناك مصابين كثراً في المنازل، وآخرين قضوا في الطرقات، لعدم تمكّن طواقم الإسعاف من الوصول إليهم، بسبب منعهم من قبل جيش الاحتلال.
وتحدث أيضاً عن سماع أصوات القصف والتدمير على مدار الساعة، ويقول: “في كل لحظة نفكر إنه سيضربنا صاروخ ونتعرض لقصف”.
والجدير ذكره أن نساء وصلن بأطفالهن إلى مناطق وسط القطاع أكدن أن قوات جيش الاحتلال التي اقتحمت منازلهن، قامت باعتقال الرجال، بعد تجريدهم من الملابس، وأجبرتهن على المشي بطرقات موحشة وسط الدبابات وتحت الطائرات، والتوجه إلى مناطق وسط القطاع، وقد التقت بعض هذه العوائل برجالها بعد يومين، عقب إطلاق سراحهم، حيث تعرضوا لتحقيق قاس من قبل الجيش، تخلله الضرب والتعذيب الشديد.
وقد روت إحدى السيدات ما عايشته في رحلة النزوح بعد اعتقال نجلها وزوجها، حيث استهدف جنود جيش الاحتلال خلال سيرها في شارع الرشيد غرب مدينة غزة زوجة نجلها، ما أدى إلى استشهادها، وقد اضطرت هذه السيدة الخمسينية لترك الأم على جانب الشارع، وفرّت بالأطفال، لافتةً إلى أن أياً من الطواقم الطبية لا يستطيع الوصول إلى الضحايا، وهم كثر في الطرقات.
وقد استمرت مناشدات المحاصرين الذين يخشون الخروج من المنازل خوفاً من الاستهدافات، وطالب المحاصرون في مبنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، القريب من مجمع “الشفاء”، من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتحرك لنجدتهم وتأمين خروجهم من المكان.
ولا يزال سكان مناطق غرب مدينة غزة يشتكون من قيام جيش الاحتلال بحرق الكثير من المنازل، وتنفيذ عمليات “إعدام ميدانية” للكثير من المواطنين هناك.
الهجوم على “ناصر” و “الأمل”
وقامت قوات جيش الاحتلال بمحاصرة مشفى “ناصر” ومشفى “الأمل” غرب المدينة، بعد أن كانت قد أزاحت عنهم الحصار مؤخراً.
وذكرت مصادر طبية من المدينة أن آليات الاحتلال، بمختلف أنواعها، قامت بمحاصرة المشفيين، وشرعت بأعمال تجريف واسعة في محيطهما.
وتلا ذلك أن أغلقت قوات جيش الاحتلال مداخل مشفى الأمل بالسواتر الترابية، وطالبت الطواقم الطبية والمرضى والنازحين بالخروج من المشفى.
وأكدت جمعية الهلال الأحمر التي تدير مشفى “الأمل” أن جميع طواقمها باتت “تحت الخطر الشديد”، مؤكدة أن هذه الطواقم لا تستطيع الحركة نهائياً.
وأشارت إلى أن الاحتلال مستمر في استهداف القطاع الطبي في قطاع غزة.
وقد استشهد أمير أبو عيشة من طواقم الهلال الأحمر، وقد أعلنت الجمعية أنها بسبب الحصار والاستهدافات المركزة، لم تستطع موارته الثرى داخل المشفى.
ولا يزال هناك عدد كبير من المواطنين لجأوا إلى هذين المشفيين بعد أن تقطعت بهم السبل، بسبب الهجوم البري على مدينة خان يونس.
ومن شأن هذه العملية أن تزيد من مأساة سكان مدينة خان يونس والمرضى داخل المشفيين، خاصة أنهما يعانيان من نقص كبير من الأدوية والمعدات والطواقم الطبية، التي سبق أن اعتقلت قوات الاحتلال عدداً منها.
وحذرت وزارة الخارجية والمغتربين من ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي “مجازر جماعية” في مجمع “ناصر” الطبي، ومستشفى الأمل في خان يونس، وقالت الخارجية” إن الاحتلال يحاصر مستشفيي “ناصر” و”الأمل”، في الوقت الذي يواصل فيه ارتكاب أبشع أشكال الجرائم والتنكيل بحق مجمع “الشفاء” الطبي ومحيطه والمتواجدين فيه من طواقم طبية وإسعافية ومرضى ونازحين وتدمير متواصل لأجزائه”.
وأكدت أن جيش الاحتلال يتعمد ضرب جميع مقومات وجود المواطنين في قطاع غزة، ويركز على إخراج جميع المستشفيات العاملة في القطاع، أو التي عادت للعمل، عن الخدمة، من خلال قصفها وحرق أجزاء منها وحرق المباني المحيطة بالمجمع، وترهيب النازحين والطواقم الطبية والجرحى لإجبارهم على الخروج منها، وكذلك محاصرتها وتدميرها بحجج وذرائع واهية.
وقالت: “إن المجتمع الدولي والمسؤولين الأمميين وقادة الدول يواصلون إصدار سيل من المطالبات والتصريحات والمواقف والمناشدات وبذل الجهود من أجل تحقيق وقف فوري إنساني لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن والأسرى وحماية المدنيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية الأساسية وإدخال المساعدات بشكل مستدام، ولكن دون جدوى، ودون أن تجد تلك المطالبات والمواقف الدولية آذاناً إسرائيلية صاغية”.
وأشارت إلى أن جيش الاحتلال يمعن في “إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وتحويله إلى أشلاء متناثرة في دائرة موت محققة، أو دائرة تهجير يتم التخطيط والإعداد لها”. مؤكدة أن الحكومة الإسرائيلية تُفشل على مدار الساعة جميع المطالبات الدولية والأمريكية وتعمق من العجز الدولي ليس فقط في حماية المدنيين وإدخال المساعدات، وإنما أيضاً في توفير الحد الأدنى من الحماية للمؤسسات الصحية وإنهاء حصارها لها.
وشددت الخارجية، وهي تنتقد العجز الدولي، على أنه لا يوجد أي مبرر “لهذا الفشل الدولي، خاصة أن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وآليات المحاسبة والمساءلة الدولية، وفرت للعالم وللدول حلولاً قانونية إنسانية من شأنها فرض إرادة الإنسانية الدولية على الطرف المعتدي وإجباره على احترامها”، مؤكدة بأن هذا العجز يوفر مزيداً من الوقت لإسرائيل المحتلة لضرب أي مصداقية للقانون الدولي ومؤسسات الشرعية الدولية، بما فيها الأمم المتحدة.
هجمات دامية
وواصلت قوات الاحتلال هجماتها ضد مناطق أخرى في المدينة، واستهدفت مناطق تقع شرق مشفى “ناصر”، وأخرى في منطقة “بطن السمين”، حيث استخدم جيش الاحتلال في الهجمات الطيران الحربي والمروحي والمسيرات.
وأعلنت الطواقم الطبية أيضاً عن انتشال جثامين ثمانية شهداء سقطوا جراء استهداف الطيران الحربي منزلاً يقع في مدينة رفح جنوب القطاع.
وأعلنت وزارة الصحة بغزة أن قوات جيش الاحتلال ارتكبت 8 مجازر جديدة ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 84 شهيدًا و106 إصابات خلال الـ24 ساعة الماضية.
وذكرت أن هناك عدداً من الضحايا لا زالوا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وأعلنت كذلك عن ️ارتفاع حصيلة الحرب على غزة إلى 32226 شهيدًا و74518 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات