أخبار عاجلة

لماذا يخاف النظام السياسي الجزائري ومؤسسته العسكرية من الحراك الشعبي؟

ما زال الخوف سيد الموقف من الحراك الشعبي عندما يتعلق الأمر بموقف النظام السياسي الجزائري ومؤسساته السياسية، الأمنية والإعلامية، رغم مرور خمس سنوات على ذلك الحراك، كما تبينه الاعتقالات التي تطال بعض الوجوه المرتبطة بهذه الهبة السياسية الجماعية السلمية التي انطلق فيها الجزائريون بداية من 22 فبراير/شباط 2019، دون أن تحقق ما كانت تصبو اليه لأسباب عديدة لا تتعلق فقط بالمعطيات السياسية المرتبطة بلحظة الحراك نفسه، كضعف التنظيم الذي ميزه وعدم قدرته على إنتاج من يمثله سياسيا ويتحدث باسمه، بقدر ما تتعلق بمسارات تاريخية طويلة المدى، تميز المجتمع الجزائري وتاريخه السوسيو – سياسي والثقافي.
خوف من الحراك لم يتعاف منه النظام السياسي بكل مؤسساته التي سبب له هزات كثيرة ومتتالية مسته في العمق وخلطت أوراقه. حراك جعل النظام يعيش حالة اضطراب لم يخرج منها حتى الساعة، تظهر بأكثر من شكل في الداخل والخارج، كما هو سائد في سلسلة التعيينات التي يقوم بها النظام على رأس مؤسسات سيادية اقتصادية وسياسية وأمنية سرعان ما يعيد فيها النظر، بعد وقت قصير، بعد أن يتبين خطأها. تزيد كل مرة في منسوب حالة الاضطراب للنظام ككل، في وقت انتقل فيه اضطراب أداء هذه المؤسسات من القضايا الداخلية التي تعوّد عليها الجزائريون الى البعد الدولي كما تبينه حالة علاقات الجزائر مع محيطها الإقليمي المباشر، كما ظهرت في المدة الأخيرة مع دول الساحل على سبيل المثال بكم العزلة التي يمكن أن يتعرض لها البلد دوليا من قبل قوى إقليمية منافسة وحتى صديقة ومتفهمة لم تعد قادرة دائما على استيعاب عدم قدرة الجزائر على التكيف مع المتغيرات الدولية المتسارعة. وبكم الإخفاقات المرتبط بها المسجلة على الساحة الدولية التي ستزيد حتما من الضغوط على المؤسسة المركزية الأمنية والعسكرية في بلد – قارة تعرف كل حدوده تقريبا حالة اضطراب لم تكن مألوفة، ومتعود عليها في السابق عندما كانت الدبلوماسية الجزائرية حاضرة وفعالة في محيطها المباشر وخارجه.

الحراك الذي كان قد أفشل العهدة الخامسة التي طالب بها بوتفليقة وفرض على النظام التضحية بوجوهه الأكثر فسادا دون أن يتخلص من ظاهرة الفساد نفسها التي استمرت كممارسات فردية وجماعية بأشكال مختلفة، كما بينته محاكمة وزراء تم تعيينهم خلال فترة ما بعد الحراك نتيجة الاستمرارية التي ميزت شروط انتاج هذه الظاهرة على أكثر من صعيد سياسي اقتصادي واجتماعي، داخل مؤسسات النظام نفسه الذي ما زال يتعثر في بناء اقتصاد متنوع، خارج منطق الريع والاعتماد المفرط على المحروقات. وهو يصر على رفض القبول بمطالب الحراك الأساسية، رغم الإجماع الكبير عليها بين الجزائريين، كمطالب مهمة في طريق إصلاح النظام السياسي الذي يمكن أن يهدد أسس الدولة الوطنية ذاتها، إذا استمر التعنت في رفضها، كما هو حاصل لحد الآن، كتلك المتعلقة بفتح المجالين السياسي والإعلامي واحترام استقلالية العدالة التي كانت على رأس المطالب التي عبر عنها الحراك بأشكال مختلفة، كانت كفيلة بإنتاج مؤسسات سياسية شرعية تكون مجالا للتنافس السياسي بين المواطنين بواسطة انتخابات تتمتع بالحد المعقول من الشفافية والتنافس الفعلي عكس ما حصل حتى الآن.
جعل الجزائريون يتوجهون الى مقاطعتها، كما بينته آخر انتخابات نظمت بعد الحراك. حالة تكاد أن تتكرر هذه السنة التي يفترض أن تعرف تنظيم انتخابات رئاسية في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، ويتم التفكير في ترحيلها الى الصيف لتكييفها مع رزنامة الانتخابات المألوفة خارج شهر ديسمبر الذي عادة ما يكون شهر اضطرابات مناخية في المناطق الشمالية ذات الكثافة الديموغرافية الكبيرة.
انتخابات مقبلة لا يعول عليها الجزائريون، لتكون نقطة قطيعة مع المنطق السياسي المغلق الذي ساد، بعد توقف الحراك، لدرجة أن التحدي الكبير الذي سيجده النظام السياسي أمامه، سيتعلق، كما كان الأمر سائدا في جل المراحل السياسية التي عاشها النظام السياسي الوطني بعد الاستقلال، في إيجاد مرشحين يتقدمون لهذه الانتخابات لمواجهة الرئيس عبد المجيد تبون الذي سيطالب بعهدة ثانية ضرورية له كشخص وكمجموعة حاكمة، لا تملك إلا خيار الاستمرارية في الحكم لعهدة ثانية – على الأقل – كما ساد لدى هذا النظام الخائف دوما من التغيير ما يجعله يمارس منطقا مبنيا على الجمود السياسي المنتج للاضطراب السياسي الذي ارتبط كل مرة بهذه الانتخابات المغلقة التي تعيد إنتاج أزمة النظام بدل مساعدته على الخروج منها، لم تفلح بكل أنواعها في تجديد نخبه المتمتعة بالحد الأدنى من المصداقية تسمح لها بتجنيد المواطنين لهذه الانتخابات التي تُظهر كل المؤشرات أنها ستعرف مشاركة شعبية ضعيفة لأنها ببساطة من دون رهانات سياسية في هذا الظرف المغلق سياسيا وإعلاميا الذي فشل النظام حتى الآن في تجديد نخبة السياسية بواسطتها. كان يمكن أن تساهم في منح شرعية لهذه الانتخابات وللمؤسسات التي تتولد عنها كما طالب الحراك بذلك ليكون دليل خوف آخر من هذا الحراك الذي عجز النظام السياسي عن نزع شعلته من قلوب الجزائريين، من الأجيال الصغيرة تحديدا التي مثّل الحراك تجربتها السياسية المركزية التي سترتبط بها الى وقت طويل.
إنه يغلق كل مجالات النقاش السياسي حتى عندما يتعلق الأمر بالنشاط الحزبي أو الجمعوي العادي في بلد على أبواب انتخابات لدرجة منع الجزائريين من التعبير العفوي عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض الى حرب إبادة في غزة.
وضع إعلامي وسياسي يقوم الجزائريون يوميا بمقارنته مع ما كانوا يعيشونه في أزمنة سياسية أخرى، لتكون نتيجة المقارنة دائما ليس في صالح فترة ما بعد الحراك هذه التي يعيشونها كحالة خوف استثنائية، لا يتصورن أنها ستستمر معهم لوقت طويل، بعد أن عادت للظهور بعض السلوكيات التي عاشها الجزائريون في أزمنة سياسية كانوا يظنون أنها اختفت من حياتهم كأن يتوقفون فجأة عن الحديث فيما بينهم في المقاهي عندما يقترب منهم النادل أو حين يجلس بالقرب منهم غريب، خوفا من التنصت عليهم، كما كان يحصل في أحلك فترات الأحادية التي ظنوا أنهم قد ابتعدوا عنها.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

مغربي

......

موضوع لا يستحق النشر لانه ليس ميزة جزاءرية ولكن كل حكام العرب يخافون من الحراك الشعبي ولو انه مستحيل ان يكون هناك حراك في اي بلد عربي ودوافع الخوف لا تتعدى حب الكرس والسلطة والمال والجاه لا اقل ولا اكثر وهناك من يفضل حرق البلد باكمله على الاسنسلام او الاستقالة او التنازل على السلطة .

احمد العربى

عندما يسمع صوت الرعد ولا يعرف اين يسقط المطر

الدولة العميقة فى فرنسا تطبخ على نار هادئة كيفية التحول وتغير استراتجيتها على مستوى العالم بسبب انهيار نفودها من امد وليس فى اسابيع اوشهورالماضية، -- من خلال ماحدث ويحدث كيف يصير حال وماهو موقع جزائر فرنسا بعد التغيرالدى يحدث ،نعتقد ان من هو صاحب الشأن فى هدا وهو الشعب الجزائرى الدى لا يزال يعيش فى زمن ماقبل 62 ، ولا علاقة لهم فى ما يحدث الآن فى محيطهم بسبب قررات فرنسا التى يتم تحويلها الى هرطقات و اساطيرالاولين من طرف كبرناتها وبيادقهم الدين يعتقدون ان الامور تسير معهم بسلاسة ولا يدركون انهم فى منحدر ،لانهم يجهلون ان المعركة التى امامهم لايملكون سلاحها فقط خردة مهترئة لقمع الشعب ،