في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) 2015 كتبت في هذه المساحة عن جنرالات الجزائر في ذروة قرار الراحل بوتفليقة عزل الجنرال محمد مدين بعد ربع قرن من قيادته لجهاز المخابرات وتفكيك الجهاز بشكل يخدم الرئيس وطموحاته، ثم تنكيله ببعض الجنرالات الأوفياء لمدين. كان عنوان المقال: ماذا يحدث لجنرالات الجزائر؟
السؤال ذاته يبقى صالحا ومطروحا أكثر اليوم.
بين الشهر الماضي والحالي توفي اثنان من كبار قادة الجيش الجزائري السابقين في السجن: العميد رشيد شواقي، المدير العام السابق لإدارة التصنيع العسكري في وزارة الدفاع، وبعده (بداية هذا الأسبوع) اللواء جمال العروسي قائد الناحية العسكرية الثانية (غرب البلاد) التي تضم قاعدة «مرسى الكبير» في وهران، أكبر قاعدة بحرية للجيش الجزائري.
توفي الرجلان وهما رهن الاعتقال بتهم فساد مرتبطة بأدائهما وظائفهما. في الحالتين لم تقل الجهات الرسمية الكثير.
لا يعرف الجزائريون بالضبط عدد العمداء المعتقلين بتهم فساد مرتبطة بالوظيفة. لكنهم بلا شك عشرات الألوية والعمداء، من كل الأسلاك ومن مختلف الوظائف. هناك مدراء مركزيون ومسؤولون إداريون كبار على رأسهم اللواء عبد الحميد غريس الأمين العام لوزارة الدفاع سابقا، أي الرجل الثاني في الوزارة بعد الراحل أحمد قايد صالح. هناك الذين قادوا جهاز المخابرات أبرزهم اللواء بشير طرطاق واللواء واسيني بوعزة. وهناك قادة نواح عسكرية أبرزهم اللواء عبد الرزاق الشريف، واللواء سعيد باي الذي تولى من المناصب القيادية العليا ما يؤهله ليكون وزير الدفاع. وهناك قادة الدرك بينهم اللواء مناد نوبة، وعبد الرحمن عرعار. وهناك ألوية تولوا مناصب ميدانية وأخرى إدارية بينهم علي عكروم مدير إدارة التنظيم والإمداد في قيادة الأركان، وبوجمعة بودواور مدير عام الخزينة والمالية.
بعض هؤلاء محكومين بـ15 سنة نافذة. وبينهم مصابون بأمراض مزمنة، وآخرون مرشحون لأمراض جسدية ونفسية لا ترحم.
إلى جانب هؤلاء هناك الهاربون في الخارج، أبرزهم اللواء غالي بلقصير القائد السابق للدرك، واللواء الحبيب شنتوف القائد السابق للناحية العسكرية الأولى التي تضم العاصمة وولايات الوسط بكل ثقلها الاستراتيجي. كما هناك عدد كبير من العقداء وأصحاب الرتب العسكرية الأخرى.
بينما تردد أن اللواء شواقي توفي في زنزانته بالسجن العسكري في البليدة (60 كلم جنوب غرب العاصمة) متأثرا بمرض مزمن، ويتردد أن الجنرال العروسي توفي في ظروف غامضة وهو رهن الاعتقال.
بغض النظر عن تفاصيل الوفاة وظروف الاعتقال، نحن أمام حالة لافتة للانتباه، إذ لا يذكر التاريخ بلدا في العالم سجنَ مثل هذا العدد الهائل من كبار القادة العسكريين والسياسيين والمدنيين في وقت واحد.
هل هؤلاء جميعا فاسدون ويستحقون العقاب؟ هذا يدين أجهزة الدولة على سماحها بانتشار الفساد على هذا النطاق في أعلى المستويات داخل أكثر المؤسسات انضباطا. هل هم معتقلون ضمن حملة انتقام وتصفية حسابات؟ هذا خطأ فادح لأن الدول والمجتمعات لا تدار بالأحقاد والانتقام.
هناك أيضا إشكالات أخرى وأسئلة تفرضها هذه الاعتقالات، أبرزها تتعلق بالثقة محليا ودوليا وبالرسالة التي يريد أصحاب هذه الاعتقالات إرسالها.
ليس سرا أن جلّ المعتقلين حاليا محسوبون على الراحل الفريق أحمد قايد صالح. في الفترة الوجيزة التي أحكم خلالها قبضته على السلطة في أعقاب الإطاحة بالرئيس بوتفليقة، شنّ قايد صالح حملة تطهير واسعة استهدفت خصومه وكل مَن اعتقد أنهم وقفوا ضده يوما ما في الماضي أو سيقفون في المستقبل. وهكذا وجد العديد من كبار الضباط والقادة أنفسهم في السجن العسكري. بعضهم كانوا وزراء يخشون التلفظ بأسمائهم مثل الفريق محمد مدين المدعو توفيق. طالت الملاحقات حتى اللواء خالد نزار فاضطر إلى الفرار نحو إسبانيا. لكن مع وفاة قايد صالح ووصول عبد المجيد تبون إلى الرئاسة (بدعم قوي من قايد صالح نفسه) فُتحت أبواب الجحيم على مساعديه والمحسوبين عليه وبدأت تلاحقهم حملة اعتقالات هي نسخة مطابقة للتي شنّها هو ذاته بمساعدة أذرعه في مختلف المناصب والمواقع.
وهكذا اشتغل «الباب الدوار» وتم تفعيل شعار «يوم لك وآخر عليك» فغادرت طائفة من القادة الزنازين إلى مكاتب وقصور الحكم، مثل اللواء مهنا جبار الذي يقود اليوم المخابرات الخارجية، وحلت محلها في الزنازين طائفة أخرى أكبر عددا كانت سيّدة الأمس.
هذا وضع غير طبيعي نتيجته ستكون انعدام الشعور بالأمان بين كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وهم في الوظيفة وحتى بعد تقاعدهم.
تبون ذاته احتج يوما أمام الصحافيين على كثرة الملاحقات القضائية بحق المسؤولين في الدولة لمجرد الوشاية بهم برسائل مجهولة، وقال إن هذا يمنعهم من العمل وتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات اللازمة. كان تبون يقصد المسؤولين المدنيين، لكن هل يختلف الأمر داخل الجيش؟
من عواقب هذا الوضع أيضا أن حملة التطهير التي هلل لها الجزائريون مباشرة بعد الحراك، وهم يرون «رب الجزائر» (الفريق مدين) وآخرين يُقتادون إلى السجن، بدأت تثير الشك والتوجس. اليوم لم يعد اعتقال جنرال يثير اهتمام الرأي العام كما في 2019، ولم يعد يشفي غليل الجزائريين لأنه استقر في أنفسهم أنها قضية وقت ومسألة أدوار وأقدار.. السجَان اليوم كان سجينا بالأمس، والعكس.
كما أن هذه الاعتقالات والمحاكمات بالجملة لن تعيد ثقة الجزائريين المهزوزة في قضاء بلادهم.
ويلعب الإعلام الحكومي، وحتى الخاص الذي لم يعد يختلف في شيء عن الحكومي، ومعهما مؤسسات الدولة دورا في قتل ثقة الجزائريين. لهذا لا يُصدّق الرأي العام بسهولة الروايات الرسمية حتى عندما يتوفى جنرال قضاءً وقدرا كما كان الحال مع وفاة قايد صالح المفاجئة ذاته، ومع العميد رشيد حراث مدير الاتصالات والتنصت في الرئاسة الذي توفي الشهر الماضي (في حادث سير على ما يبدو) فأورد الإعلام الحكومي خبر الوفاة دون أن يذكر أي تفاصيل عن تاريخها ومكانها وسببها.
توفيق رباحي
تعليقات الزوار
نريد ان نرى في الجزائر جنرالا واحدا بقوى عقلية وبدنية سليمتين
دار العجزة كلها inapte وبدون استثناء . مجموعة من الهياكل العظمية أصابها التلف والخرف ولا تصلح لاي شيء في البلد ، قد تليق للقبر إن رضي بها ، لا رجولة لا ثقافة لا هبة لا عقل سليم لا كرامة لا شخصية ... هم عبارة عن مجموعة من الموميات المحنطة من الواجب وضعهم في صناديق من الزجاج