أخبار عاجلة

الرئيس الجزائري يعاني من أزمة تواصل مع المواطنين

ليس من المبالغة القول إن علاقة الرئيس الجزائري بشعبه كانت غير سالكة دائما، بسبب عائق اللغة التي يتحدث بها، لأسباب متعلقة، في بعض الأحيان بمستوى تحكمه في اللغة العربية، التي لم يتعلمها أثناء مساره التعليمي القصير في الغالب، إذا استثنينا حالة الرئيس تبون، صاحب المستوى الجامعي، الوحيد حتى الآن من بين رؤسائنا، لنكون بذلك امام أول حاجز جدي لم يسمح للرئيس الجزائري بالتحكم في لغة الخطاب وهو يتحدث لشعبه.
ليحيلنا العائق الرئيسي الآخر إلى قضايا أكثر ثقافية وسياسية، على غرار رفض الاعتراف بشرعية اللغة الدارجة، كلغة تواصل سياسي بين الحاكم والمحكوم، لدى النخب الثقافية والسياسية المهيمنة، المنقسمة بحدة حول مسألة اللغة وأدوارها الوظيفية المختلفة، زيادة على الانتماء الجهوي للرئيس في علاقته بمسألة اللغة، التي تحيل إلى اللهجات المختلفة في هذا البلد القارة، بالموسيقى التي تميز كل لهجة ومخارج الألفاظ فيها ونطق حروفها، تنوع جميل يخيف الرؤية اليعقوبية الصارمة للدولة، التي تحارب التنوع مهما كان، من دون إهمال لمسألة دور مؤسسات التنشئة السياسية التي عاش داخلها ومدى حضور ما يمكن تسميته بالطموح الرئاسي لديه، قبل الوصول إلى الرئاسة وكيفية الاشتغال عليه، كما سنعرف ذلك ونحن نتطرق إلى حالة الرؤساء، الذين عرفتهم الجزائر منذ استقلال البلد في الخامس من يوليو/تموز 1962.
فالرئيس أحمد بن بلة، على سبيل المثال، الذي دشن مرحلة الاستقلال، كان لا يتورع في إلقاء خطبه باللغة الفرنسية مباشرة، خلال الفترة القصيرة التي قضاها على رأس السلطة في الجزائر، زيادة بالطبع على مستواه التعليمي المتواضع الذي اكتفى فيه بالمرحلة الابتدائية وانتمائه لجيل ـ من مواليد 1916- كانت الفرنسية هي السائدة فيها، بالإضافة إلى تنشئته التي تمت جزئيا داخل مؤسسات فرنسية، كالجيش الفرنسي الذي انتمى اليه في مرحلة الشباب، التي عرف أحمد بن بلة خلالها بنشاطه الرياضي، الذي اوصله إلى اللعب لصالح فريق أولمبيك مارسيليا 1939-1940 بكل ما تفترضه هذه النشاطات من احتكاك مع الفرنسيين بلغتهم الوطنية. وصول هواري بومدين إلى السلطة في 1965 لم يكن قطيعة على مستوى شكل الحكم السياسي فقط، بقدر ما كان أيضا على المستوى اللغوي الذي اخترنا الحديث عنه والجزائر تحتفل، بذكرى استقلالها الستين هذا الأسبوع، بومدين الذي عاش قطيعة كوسط اجتماعي وثقافي مع الحالة الاستعمارية الفرنسية، وهو يفضل الدراسة في مدرسة الكتانية التابع لحزب الشعب بقسنطينة، بعد الانتهاء من محطة التعليم الابتدائي، التي قام بها في قالمة مسقط رأسه، توجه زاد الشاب بوخروبة في تعميقه، وهو يحاول الالتحاق بجامعة الأزهر كطالب حر، أثناء اقامته في مصر التي قطعها ليلتحق بجيش التحرير-1955- بومدين الذي طور لغة سياسية وسط، بين العربية الفصحى والدارجة، وهو يتواصل مع الجزائريين، من دون لكنة جهوية غالبة، يكون قد ساعده على اكتسابها ابتعاده عن الوسط العائلي منذ الصغر والتحاقه المبكر بجيش التحرير، وتنقله بين مناطق مختلفة من التراب الوطني، وتحضيره لنفسه لتولي أعلى المسؤوليات بما فيها رئاسة الجمهورية، رغم ما ميزه من خجل لازمه طول حياته حتى وهو على رأس هرم السلطة.

عكس العقيد الشاذلي بن جديد، الذي عادت بقوة خلال فترة حكمه قضية لغة التخاطب وبانت فيها كل عيوب النخبة الرئاسية وطرق تنشئتها العسكرية، بعد أن فرض على الرئيس الجديد التحدث بلغة عربية فصحى لا يحسنها تماما، ليتحول الأمر إلى مجال واسع للتنكيت الشعبي على تدخلاته، بدل ترك الرئيس يتحدث بلغته العنابية العذبة، التي كان يمكن أن تقربه كثيرا من المواطنين، لم يلجأ إليها إلا خلال أزمة أكتوبر/تشرين الأول 1988، لوقت قصير، كما حصل مع التلفزيون العمومي الذي ما زال يصر على لغة أزهرية محنطة، زادت من تعميق القطيعة الشعبية معه. رغم قصر مدة بقاء محمد بوضياف على رأس الدولة – ستة أشهر فقط – وصعوبة الظرف السياسي والأمني، الذي جاء فيه إلى السلطة إلا أنه نجح في التواصل مع المواطنين بلغة عربية بسيطة ومفهومة، هو المناضل السياسي القديم، الذي تربى بين أحضان الحركة الوطنية، بكل عمقها الثقافي الشعبي الذي زاد عليه انتماؤه لمنطقة الحضنة المعروفة بوضوح لغة أبنائها، بوضياف المناضل السياسي، الذي لم يخف طموحاته السياسية يوما وحضّر نفسه للوصول إلى أعلى المواقع، عكس مجموعة الرؤساء الذين نزلت عليهم السلطة من السماء، ولم يحضروا أنفسهم لأداء مهام الرئاسة، كما كان الأمر مع الشاذلي أو لمين زروال العسكري المحترف، الذي لم يتمكن يوما من حسن التواصل مع المواطنين، والذي لم يتعلمه كعسكري منضبط، ضعيف الكاريزما والقدرة على التواصل، نتيجة خجله هو الآخر وتبنيه على الأرجح لقيم الثقافة الشاوية، التي لا تقيم إيجابا كثرة الكلام بالنسبة للرجال. عكس بوتفليقة الذي وظف كل تجربته كدبلوماسي محترف، ليكون من الرؤساء القلائل الذين عرفوا كيف يتواصلون مع المواطنين، حتى وهو يتحذلق كثيرا بلهجته المغربية – الوجدية التي لم يتخلص منها، مفضلا في الكثير من الأحيان، الحديث بفرنسية مدرسية، لم تعد حاضرة منذ خمسينيات القرن الماضي حتى في فرنسا، عندما كان الجنرال ديغول يحكم هذا البلد، ليسكت بوتفليقة تماما عن الكلام وإلقاء خطبه الطويلة، بعد الوعكة الصحية التي ألمت به خلال الفترة الأخيرة من حكمه، مجسدا القطيعة الكلية بين الحاكم والمحكوم في هذا البلد الذي لم يكن محظوظا مع حكامه.
التعرف على ظروف تسيير الرئيس عندما يصل إلى موقع رئاسة الجمهورية وقبل ذلك كمسار تنشئة للنخبة العسكرية والسياسية، قد يفيدنا في فهم أزمة التواصل هذه، التي عاشها رؤساء الجزائر مع شعبهم وهم يحاولون مخاطبته، لنكون أمام مفتاح قوة شخصية الرجل وحضوره كعامل تفسير، يمكن أن تساعده على فرض خياراته في هذ المجال الذي يعرف صراعا كبيرا لحد التناقض، بين النخب الجزائرية التي تصر أجزاء مهمة منها على التعامل مع اللغة الدارجة كلغة قاصرة، لا يمكن التخاطب بها مع الشعب – مثلها مثل اللغة الأمازيغية بألسنتها المتنوعة – كما كان يفعل بنجاح، جمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة وحتى جارنا الملك العلوي الحسن الثاني، ما يجعلها تلجأ إلى لغة عربية فصحى لم تتعلمها ولا تتقنها، لنكون أمام الكارثة التي أثرت سلبا في شرعية النظام السياسي ككل، منذ أيام الاستقلال الأولى، رئيس في حاجة إلى وسيط يشرح ما يقوله للمواطنين، لأنه يتكلم بلغة لا يحسنها لناس لا يفهمون ما يقوله لهم.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات