أخبار عاجلة

عيوب قانون الاستثمار الجزائري القديم الجديد

ثمانية عشرة تعديلا أضيفت لقانون الاستثمار الجزائري القديم، الأسبوع الماضي، قانون كان قد نُقح ثلاث مرات منذ تاريخ صدوره في 2016، تأكيدا لأكبر العيوب التي تعاني منها قوانين الاستثمار في الجزائر، عدم الاستقرار الذي اشتكى منه الكثير من المتعاملين الاقتصاديين الوطنيين والأجانب، إطار قانوني لا أعتقد أنه العائق الجدي الوحيد أمام الاستثمارات في الجزائر، فهناك ما هو أعمق وأهم من القوانين، كالعقليات والسلوكيات الفردية والجماعية المتعلقة بالنظرة إلى العمل والجهد، والكثير من الأمور الأخرى ذات الصلة بثقافة العمل في المجتمع الجزائري ونوعية الحياة في البلد ومسألة الحريات بمفهومها الواسع، التي تأتي على رأسها مسألة استقلالية العدالة.
فقد تذكرت وأنا أتابع الصحافة الجزائرية وهي تتحدث الأسبوع الماضي عن قانون الاستثمار الذي وصفته بالجديد، هذه التجربة التي عشتها مع زميلين ألمانيين، منذ سنوات، هما في الحقيقة زوجان ألمانيان، متخصصان في الأنثروبولوجيا والعلوم السياسية، إذا كانت ذاكرتني لم تخنِ، أنجزا في الجزائر بحثا لصالح نقابة أرباب العمل الألمانية، حول ما يمكن أن نطلق عليه ثقافة العمل عند الجزائريين، قبل الشروع في إطلاق أي استثمارات جديدة ينوي الرأسمال الألماني القيام بها في الجزائر، وكالعادة عند أبناء هذه الثقافة الجدية، كان من الضروري إنجاز بحوث ميدانية للتعرف على ثقافة المجتمع وقيمه في الشغل، قبل الانطلاق في أي عمل استثماري جديد، أو توسيع القديم منه، لا تقتصر على الجوانب القانونية، توضع تحت تصرف رب العمل الألماني حتى يكون على بينة من أمره وهو يدخل هذه الأسواق الجديدة عليه بثقافتها وعلاقاتها الاجتماعية، وسلوكيات أفرادها داخل وخارج مكان العمل.
عندما انتهى الباحثان من عملهما اتصلا بي أنا وزميل آخر لمساعدتهما على فهم أعمق للنتائج المتوصل إليها التي تركزت على علاقة الجزائري بالعمل وسلوكياته داخل عالم الشغل، باعتبارنا من المتخصصين في ميدان سوسيولوجيا العمل، بحث ظهر في حلته الأخيرة على شكل مواقف – بورتريهات أنجزها الباحثان اعتمادا على مقابلات مطولة مع أرباب عمل ألمان يشتغلون في الجزائر منذ سنوات، في قطاعات اقتصادية مختلفة، على شكل شيق ومختصر لقارئ لا وقت لديه للاطلاع على نصوص طويلة وثرثارة، كما هو سائد عندنا في ميدان البحث الاجتماعي،
لإعطاء فكرة للقارئ عن هذه البورتريهات ـ المواقف التي توصل إليها هذا البحث سأقتصر على تقديم اثنين أو ثلاثة منها، لعلها تساعدنا على فهم هذه العلاقة المتوترة للجزائري مع العمل بمفهومه العصري، بالجهد والمبادرة وغيرها من الأمور الأخرى التي تحيل إلى العمل كمفهوم مركب وواسع، لا يجند الفرد فقط بقدر ما يجند المجتمع بكل ثقافته.

أول بورتريه – موقف استرعى انتباهي لتعبيره العميق عن ثقافة الجزائري وسلوكه في ميدان وعلاقات العمل، جاء على لسان رب عمل ألماني وهو يحكي كيف اتصل بمسؤول جزائري في مديرية مهمة في وزارة أكثر أهمية، لكي يقترح عليه مشاريع استثمار، أعجب الألماني بأن هذا المسؤول كان موافقا على كل العروض الذي قدمها له، أثناء اللقاء معه في الجزائر وخلال زيارة للخارج لبعض الأيام، وأثناء السفر يقول الألماني إنه كان يتحدث مع هذا المسؤول ليسمع منه الإجابة نفسها نعم نعم، بالطبع المستثمر الألماني كان يخبر شركائه كل مرة بالنتائج المذهلة لهذه اللقاءات مع الطرف الجزائري! استمر المستثمر الألماني في التواصل مع المسؤول الجزائري بعد العودة من السفر بهدف الوصول إلى الملموس مع المسؤول، فكانت المفاجأة التي لم يكن ينتظرها، لا يمكنني فعل أي شيء لأنني لست المسؤول المؤهل لاتخاذ القرار، وما عليك إلا الاتصال بصاحب الشأن، النتيجة التي توصل إليها الألماني أن في هذا المجتمع نعم لا تعني نعم، وهو العنوان الذي أعطاه الباحثان لهذا البورتريه – الموقف، الذي غابت فيه كلمة لا تماما عن قاموس هذا المسؤول.
الصورة الثانية التي سأقوم بعرضها بسرعة تتعلق بالوضع الذي وجد رب عمل نفسه فيه، عندما اكتشف أنه محاصر من قبل عائلة ومعارف سكرتيرته الجزائرية التي وظفت له سائقه وبوابه ومعاونيه المباشرين وعماله، إلخ، فقد اكتشف الرجل أن الجزائري لا يأت إلى مكان العمل وحده، بل يأتي مع عائلته وقبيلته، بكل التبعات التي يمكن أن نتصورها نتيجة هذا الوضع.
صورة ثالثة سأختتم بها هذه التجارب، تكلم عنها رجل أعمال ألماني لاحظ وهو مقدم على السفر، أن الماء يسيل من حنفيه مكتبه، وهو يقول مع نفسه إن معاونه سيصلحها أثناء سفره، عاد الرجل من السفر بعد أيام ليجد الحال كما تركه، ولما سأل معاونه كان الرد جاهزا، سيدي لم تطلب مني إصلاح الحنفية، ليكتشف الألماني أن المبادرة باتخاذ القرار مهما كان بسيطا والمجازفة مهما كانت مبررة ليست من شيم ثقافة العمل عند الجزائريين، الذين تعودوا على الحصول على تغطية وضمان قبل أي قرار يتخذونه أثناء تجربة تسييرهم البيروقراطي الذي عرفوه وتربوا داخله. وهو ما يجعلني أقول إن الجزائر في حاجة إلى أكثر من تعديل لقانون الاستثمار، فهي في حاجة إلى خلق ثقافة عمل عصرية جديدة، لم يعرفها الجزائريون إلا بوجهها البيروقراطي القبيح الذي ينزع المبادرة عن الفرد، ثقافة تكون أكثر توافقا مع ما يبحث عنه الجيل الجديد من الجزائريين والجزائريات، الذين ليس من مصلحتهم إعادة إنتاج ثقافة العمل التي كانت سائدة في المؤسسة العمومية الريعية، التي قتلت المبادرة وسطّحت الهمم وساوت بين الناس بشكل بيروقراطي.
من الأشياء الأخرى المهمة التي ستكون الجزائر في حاجة إليها، إذا أرادت فعلا أن تكون مجالا جالبا للاستثمار الوطني والأجنبي – خارج البترول والغاز- هو خلق نوعية حياة مقبولة حتى لا نقول جيدة خارج مكان العمل نفسه، الذي لم يعد مقبولا الفصل بينه وبين الحياة اليومية بمفهومها الواسع، كما هو سائد مع آبار النفط في الصحراء، فالمستثمر – الفرد والعائلة – يريد أن يجد شارعا آمنا عندما يخرج هو وابناؤه من منزله، ومطعما نظيفا إذا أراد أن يأكل خارج البيت ووسائل نقل حاضرة في الليل والنهار ومستشفى بخدمات صحية نوعية، إذا مرض، ومدرسة جيدة للأطفال وبيئة طبيعية وثقافية مقبولة للحياة، شروط غير متوفرة حتى الآن في المدينة الجزائرية، التي استكانت مع الوقت، رغم جمالها الطبيعي والعمراني، إلى وظيفتها كمدينة – مرقد أو مدينة – عبور بين مدن أوروبا وآبار النفط في الصحراء.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

انا

ماذا لو

لو حاول تبون و شنقريحة تنفيذ نصف الوعود التي خرجو بها في الانتخابات لرأينا بلدا آخر.. ولكن لا نية للعصابة في اصلاح لا البلاد ولا العباد..