أخبار عاجلة

الجزائري قوة ضاربة افتراضية مع وقف التنفيد

لم ينتظر الجزائري الوسائط الاجتماعية الحديثة لكي يعبر عن حضوره الإعلامي القوي بشتى الطرق، وهو يتواصل كفرد مع الكثير من الإذاعات والقنوات التلفزيونية العربية، الداعية الديني المتطرف، الذي ظهر مع موجات التشدد والعنف لاحقا، استمر في التواصل معه وهو في لندن، بعد أن غادر عمان والقاهرة، من دون أن ينسى السؤال عن جديد المطربين والمطربات، وأحوالهم العائلية، وعلاقاتهم الغرامية في القاهرة وبيروت.

سمعت أكثر من مرة من يشتكي منها، من ممثلين وممثلات عرب، كان من الصعب عليهم فهم اللغة المستعملة في التواصل، التي تبدو لأغلبيتهم صعبة وغير مفهومة، لا يحسن التعامل بها في النهاية إلا القليل من الفنانين والفنانات، وبعض رجال الدين، وهم يجيبون على أسئلة الجزائري البسيطة والغارقة في تفاصيل البحث عن رأي ديني، يؤيد القرارات التي يكون قد اتخذها مسبقا.. على منوال «مات الشيخ وخلانا أنا وخاوتي تقرقيبة».

بالطبع الأمر أخذ أبعاد مختلفة بعد ظهور الوسائط الاجتماعية، التي استغلها هذا الشاب في التوسع والانتشار سمحت له أن يوصل رأيه إلى بلدان وقارات بعيدة، بعد أن ارتفع مستوى تعليمه وتحسن استعماله للعربية بعد تعريب المدرسة بالمحتوى المحافظ الذي أعطي لها، بواسطة هذا التعليم القاعدي الذي تحصل عليه والذي أخرجه من الأمية الأبجدية، فلم يعد مطلوبا منه القيام بمجهود في الكتابة وتحسين خطه، وقد تخلص من الحبر والورق ليرتاح ساعي البريد من الأحمال التي تصله يوميا من عند إخوانه الجزائريين، الذين لا هم لهم كما يظهر إلا كتابة الرسائل للاستفسار عن صديق فلانة وعشيقة فلان، في قاهرة السادات التي زاد انفتاحها وإنتاجها الفني الرديء، فقد حان الوقت الذي أصبح فيه التواصل مباشر ومن دون أي وسيط، فعاث هذا الجزائري الافتراضي العابر للقارات فسادا في الأرض، وهو يتدخل في كل القضايا، لا ترتبط فقط بالمجال الفني، زاد عليها في السنوات الأخيرة قضايا كرة القدم، كما عبرت عنها واقعة أم درمان المعروفة، التي كادت أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه بين الجزائر ومصر، من دون أن ينسى قضية فلسطين، التي يتعامل معها كقضية مقدسة لا يفهم كيف لا يؤيدها كل العرب من المحيط إلى الخليج، رغم أنه عاجز على العموم داخل بلده في التعبير عن تضامنه مع هذا الشعب، بأشكال سياسية فعالة احتراما لهذه الافتراضية التي لا يستطيع أن يتخطاها.

ليركز مع الوقت هذا الكائن الافتراضي كل جهوده على كرة القدم، التي وسّع اهتمامه بها بشكل جنوني جعله يناقش استراتيجية غراديولا في أدق تفاصيلها كل أسبوع، بكل راحة بال، فلم تعد الساحة الوطنية هي مجاله الوحيد، تماما كما كان الحال مع الساحة الفنية، ليكتشف أنه في صلب العولمة، فصب اهتمامه على بعض البطولات الأوروبية والإنكليزية، كما هو حال النوادي التي يلعب فيها لاعبون جزائريون مثل سيتي الإنكليزي الذي يلعب فيه رياض محرز، بل حوّل اهتمامه بهذه اللعبة إلى مقياس مهم للعلاقات الدولية بين الدول والشعوب، يتقرب من شعوب كما حصل مع المصريين، ويبتعد عن أخرى، بعد نتيجة كل مباراة. هوس بكرة القدم عبّر عنه هذا الكائن الافتراضي الأسبوع الماضي وهو يلاحق اللاعب يوسف بلايلي بعد التحاقه بفريق برست الفرنسي، فريق حار مسيّروه وهم يلاحظون كيف وصل المتابعون لموقع الفريق إلى مليون متابع في وقت قياسي، بعد التحاق بلايلي بالفريق، وهو ما زال لم يلعب مقابلة واحدة، بلايلي الذي يحتل مكانة خاصة في قلوب كل الجزائريين لما ميز مساره الرياضي والشخصي من محطات قطيعة وفترات صعبة، عاشها هذا الشاب وخرج منها أكثر قوة.

لا تتوقف غزوات هذا الكائن الجزائري الافتراضي على المجالين الفني والرياضي بالطبع، فالسياسة لها نصيب ونصيب كبير جدا، قد يزداد في أوقات معينة، كما كان الحال في فترة الحراك الذي سيحتفل الجزائريون بذكراه الثالثة بعد أسبوعين 22 فبراير، حراك أخرج لأول مرة الجزائري من هذا الحضور الافتراضي، نحو ممارسة سياسية بقيت سلمية في الغالب، محدودة في الزمن والمكان، تمت على شكل مسيرات أسبوعية حاشدة تحولت إلى طقوس معروفة، متى وكيف تبدأ وكيف تنتهي، سرعان ما تم توقيفها وقمعها، عندما حاولت الخروج عن المألوف في أيام السبت الأخيرة من عمر الحراك، حراك لم ينجح في خلق ضغط كاف، وبالتالي ميزان قوى يسمح بالوصول إلى تحقيق ما خرجت من أجله هذه «الحشود»، التي رفضت التمثيل السياسي وإنتاج نخبة تعبر من خلالها تدخلها في المجال السياسي، بدل التعبير المباشر الذي اختارته، من دون تغيير لمدة طويلة. خارج الحراك الذي سنعود إليه بالتفصيل بمناسبة ذكراه الثالثة في الأيام المقبلة، استمر الحضور الافتراضي لهذا الكائن السياسي – قد يكون وصف ما قبل السياسي أكثر دقة وتعبيرا عن الوضع – الذي ازعج السلطات كثيرا، ما جعلها تطور ترسانتها القانونية القمعية بشكل كبير، للتكفل بمراقبة كل ما يكتبه ويقوله هذا الكائن الافتراضي داخل الوسائط الاجتماعية، بعد أن توقف الحراك وزاد إغلاق الساحة الإعلامية والسياسية أكثر، في مجتمع لم يعرف فعليا حرية التعبير منذ حصوله على استقلاله السياسي إلا كاستثناء، وفي فترات قصيرة جدا عادة ما تتوقف بسرعة وتُغلق اللعبة، لتكون الأجهزة الأمنية بالمرصاد لكل من تسول له نفسه توسيع فسحة الحرية، كما حصل آخر مرة مع الحراك الذي زاد بعده مباشرة منسوب الاعتقالات للكثير من الناشطين الذين قاموا الأسبوع الماضي بإضراب عن الطعام، حسب جمعيات حقوقية وطنية وعدد قليل من المحامين من الذين التصقوا بالحراك منذ أيامه الأولى ودافعوا عنه، للتنديد بسجنهم وبشروط اعتقالهم وطول مدة حبسهم، إضراب كذبته العدالة في الجزائر، رغم تواتر المعطيات التي تحدثت عن نقل المساجين وتفريقهم بين مختلف جهات الوطن، لكسر هذا الإضراب الذي بدأت بعض الأوساط الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية في الاهتمام به، ما قد يزعج السلطات ويجعلها في موقف ضعيف على المستوى الدولي وهي تريد العودة إلى الساحة الدولية بعد غياب طويل، على أرض الواقع وليس افتراضيا، كما كان الحال منذ سنوات وهي تعيش على مكانة جزائر السبعينيات القديمة التي لم تعد قائمة.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات