أخبار عاجلة

ما سبب خوف النظام الجزائري من اليسار؟

بعد الحكم بسنتي سجن نافذة على فتحي غراس المنسق الوطني للحركة الديمقراطية الاجتماعية – حزب الطليعة سابقا، وريث الحزب الشيوعي الجزائري ـ بتهمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية، وإهانة هيئة نظامية، ونشر معلومات كاذبة من شأنها تعريض النظام العام للخطر وتقويض الأمن والوحدة الوطنية، ها هي العدالة الجزائرية تحكم مرة أخرى على حزب العمال الاشتراكي بتعليق نشاطه وغلق مقره الوطني في العاصمة، بعد أن أيد مجلس الدولة الدعوى التي رفعتها وزارة الداخلية ضد هذا الحزب اليساري – تروتسكي – بتهمة عدم تنظيم الحزب لمؤتمره، ومخالفة القوانين المنظمة للعمل الحزبي في الجزائر.

بالطبع تهم رفضتها قيادات الحزبين، وهي تركز بالعكس على البعد السياسي للحكم في الحالتين، الذي يأتي في وقت تعرف فيه العلاقة بين المعارضة السياسية والسلطة حالة تشنج قصوى، عبّرت عن نفسها في عدة أشكال، كان من بينها رفع دعوى ضد حزب الاتحاد من أجل التغيير والتقدم، من قبل وزارة الداخلية، رفضها المجلس الأعلى للدولة هذا الشهر، طالبت بتجميد نشاطات الحزب الذي تترأسه المحامية زبيدة عسول، في السياق نفسه، يمكن فهم ما يتعرض له محسن بلعباس رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وهو يوضع تحت الرقابة القضائية خلال هذا الشهر كذلك.

أحزاب سياسية متفاوتة الحضور والقوة، مختلفة من حيث توجهاتها السياسية، يجمعها موقفها المعارض والنقدي من السلطة، عبرت عنه تنظيميا داخل هيئة البديل الديمقراطي، كتنسيق حزبي معارض يطالب بمرحلة انتقال سياسي، ومدنية الدولة، وهو ما يرفضه الطرف الرسمي، ليبقى التميز واضحا في ما يخص الحكم الصادر ضد حزب العمال الاشتراكي، الذي كان الوحيد حتى الآن الذي عُلق نشاطه كحزب، وغُلق مقره الوطني، فما الذي يخيف النظام في هذا الحزب التروتسكي، صاحب الحضور المتواضع حتى يتم الحكم عليه بالإعدام السياسي في هذا الشكل؟ حزب سياسي سنحكم عليه بالضعف والهامشية، إذا قمنا بالتركيز على القراءة الكلاسيكية التي نعتمدها عادة لقياس حضور الأحزاب، كالقاعدة النضالية والنتائج الانتخابية والحياة التنظيمية، أو الحضور الإعلامي، فما الذي يزعج السلطة من هذا الحزب المصنف سياسيا على أقصى اليسار؟ سوسيولوجية الحزب الاشتراكي للعمال، تخبرنا بأننا أمام حزب وطني معترف به قانونيا منذ 1989 كان حاضرا كمجموعة سياسية نشيطة منذ سبعينيات القرن الماضي داخل الحركتين العمالية – النقابية والطلابية، بتمركز واضح في منطقة القبائل، ولاية بجاية تحديدا، التي فاز فيها أحد قياديي الحزب، وهو أستاذ جامعي في الاقتصاد في الانتخابات المحلية برئاسة إحدى بلدياتها، وهي مدينة برباشة لثلاث دورات، منذ 2007 ، حزب يغلب عليه طابع الشباب من الجنسين، بأغلبية طلابية وحضور عمالي وفلاحي ضعيف، كأغلبية الأحزاب اليسارية في منطقتنا التي يغلب داخلها العنصر المثقف القريب من الفئات البورجوازية الصغيرة، الحضرية. في المقابل، قوة الحزب وهذا ما يزعج السلطة منه، تكمن في قربه من الحركات الاجتماعية والنقابية، كما أظهر ذلك في حراك بجاية والعاصمة منذ سنة 2019، تاريخ انطلاق الحراك، الذي أعاد للحزب حيوية سياسية أخافت السلطة بشكل واضح، إذا قسناها بالتوقيفات التي تعرض لها مناضلوه ومناضلاته، وبالحل الذي تعرضت له حركة – راج- القريبة من هذا الحزب على المستوى الفكري والامتدادات السوسيولوجية، وحتى المنشأ التاريخي، في وقت يؤكد فيه الحزب بعده عن الانغلاق الدوغماتي، الذي كان معروفا به اليسار في السابق، ما جعله مؤهلا إلى أخذ مكانة مرموقة داخل، وعلى رأس الحراك، في أكثر من ولاية وتحديدا بجاية والعاصمة. قُرب الحزب من الحراك هو الذي يتبادر كتفسير لفهم الموقف العدائي الذي اتخذته السلطة من حزب العمال الاشتراكي وكل الأحزاب والجمعيات والقوى السياسية اليسارية، التي تم التضييق عليها في المدة الأخيرة، بعد توقف المسيرات الشعبية، أحزاب كانت قد قررت مقاطعة كل الاستحقاقات السياسية الرسمية على غرار الانتخابات والاستفتاء على الدستور، الذي اقترحه الرئيس تبون، علاقة قرب من الحراك التي تعرف السلطة أكثر من غيرها ضعفه التنظيمي وقابليته للاختراق من قبل قوى سياسية منظمة، حتى لو كانت قليلة العدد وضعيفة الحضور في البداية، كما حصل أكثر من مرة في تاريخ الحركات الاجتماعية بالجزائر، كان آخرها عندما استطاع تيار الإسلام السياسي الجذري، ممثلا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتياراتها السلفية الراديكالية، من ركوب الحركة الشعبية في بداية التسعينيات والتوجه بها نحو مسارات عنيفة ومعادية للدولة الوطنية، لم تكن حاضرة لديها كحركة اجتماعية في الأصل. تجربة لا تريد السلطة ترك الأمور تفلت منها، لكي تتكرر هذه المرة مع اليسار الجذري، الذي تتخوف منه النخب الرسمية وهي تتوجه يمينا في خياراتها الاقتصادية والاجتماعية، وتزداد بعدا عن الفئات الشعبية وعالم الشغل تحديدا، الذي لا تعرف عنه الكثير أو تعاديه، نظرا لتنشئتها الفكرية والسياسية المحافظة، عالم الشغل الذي ما زال يملك فيه حزب العمال الاشتراكي بؤرا عمالية ونقابية – على قلتها – يمكن أن تتطور في حالة توجه الجزائر نحو انفتاح سياسي أكبر، وانطلاق الحراك من جديد، خاصة في العاصمة ومنطقة القبائل، التي يملك الحزب داخلها حضورا متعدد الأوجه، يتراوح بين البعد العمالي – النقابي، والحركة الثقافية الأمازيغية، والحركة النسوية، رغم الضعف الذي اعتراها في السنوات الأخيرة.

فرضية الانغلاق هذه على مستوى النظام السياسي التي بدأت ملامحها الجدية في البروز لدرجة تجعلنا نفكر أن هناك بوادر لإعادة النظر في التعددية الحزبية في الجزائر، اكثر من ثلاثين سنة من الاعتراف بالأحزاب السياسية، قد تعني فرض التوجه على هذه القوى السياسية اليسارية المنظمة والمتمرسة على العمل السياسي في ظل الأحادية – بالسرية التي عرفتها ومارستها – قبل التعددية إلى العمل بعيدا عن المسرح السياسي الرسمي الضيق أصلا، الذي بدأت ملامح التضييق داخله في الحضور بقوة أكثر، كما بينته تجربة حزب العمال الاشتراكي هذا الشهر، المفارقة أن هذا التضييق يحصل في وقت يظهر فيه اهتمام كبيرا بالسياسية والشأن العام لدى الشباب في الجزائر، لا يقتصر على الحزبيين من الأجيال الكبيرة في السن، كما بينته يوميات الحراك، حتى إن كان الطلب على الأحزاب ما زال ضعيفا حتى الآن من مختلف تياراتها السياسية، فأين المفر بالنسبة لهذه الأجيال الشابة المتعلمة التي تريد بناء بلدها في كنف السلم والديمقراطية؟ أتمنى أن تكون لدى السلطة إجابة عن هذا السؤال خارج التضييق والمنع، حتى لا تدخل هذه الأجيال الشابة في تجربة سيئة جديدة ليست في حاجة إليها بالتأكيد، لا هي ولا الجزائر كبلد عانى طويلا من الانغلاق وهدر الفرص.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات