أخبار عاجلة

ألمانيا تدخل على خط التحقيق في حادث تحطم طائرة الوفد العسكري الليبي فوق أنقرة

تكثف السلطات التركية تحقيقاتها في حادث تحطم الطائرة الخاصة التي كانت تقل وفدًا عسكريًا ليبيًا رفيع المستوى، يتقدمه رئيس الأركان العامة بحكومة «الوحدة الوطنية» الفريق أول محمد الحداد، وذلك في ظل توسيع نطاق التحقيقات ليشمل التعاون مع ألمانيا لفحص الصندوقين الأسودين للطائرة، وسط استمرار الغموض حول الأسباب الحقيقية للحادث الذي وقع بعد إقلاع الطائرة من مطار «أسن بوغا» في العاصمة أنقرة باتجاه طرابلس.
وأفادت وكالة «الأناضول» بأن النيابة العامة في أنقرة وضعت موقع تحطم الطائرة تحت طوق أمني مشدد، وأدرجته ضمن مسرح التحقيق القضائي والفني بإشراف مباشر من نائب المدعي العام، في خطوة تعكس حساسية القضية وتعقيداتها. وطلبت تقارير عاجلة من خبراء فنيين مختصين بالطيران المدني لتقييم الحالة الفنية للطائرة، وتحديد مدى صلاحيتها للطيران، إلى جانب فحص سجلات الصيانة الأخيرة والمسؤوليات المحتملة لطاقم الصيانة أو أي تقصير فني سابق.
وشملت التحقيقات التحفظ على تسجيلات كاميرات المراقبة في مطار «أسن بوغا»، إضافة إلى إدراج جميع الاتصالات اللاسلكية التي جرت بين برج المراقبة والطائرة ضمن ملف التحقيق، في محاولة لإعادة بناء اللحظات الأخيرة قبل سقوطها. كما أخذت عينات من وقود الطائرة ومن حطامها، تحسبًا لاحتمال وجود تلوث في الوقود أو استخدام وقود غير مطابق للمواصفات، إلى جانب طلب تقارير مفصلة عن الأحوال الجوية المحلية في توقيت الإقلاع.
وفي تطور لافت، أعلن وزير العدل التركي يلماز تونج، التواصل رسميًا مع السلطات الألمانية لترتيب إجراءات فحص الصندوق الأسود للطائرة في «دولة محايدة»، في إشارة إلى ألمانيا، موضحًا أن هذه الخطوة تهدف إلى ضمان أعلى درجات الشفافية والدقة الفنية في تحليل بيانات الرحلة. وأكد تونج أن التحقيقات تشمل كل تفاصيل الإقلاع والمسار الجوي، سواء ما يتعلق بطاقم الطائرة أو بالعاملين المناوبين في المطار، مشيرًا إلى أن الإجراءات القضائية والفنية تسير «بدقة متناهية».
وفي موازاة ذلك، لا تزال عمليات الطب الشرعي مستمرة، حيث لم تكتمل بعد عملية مطابقة عينات الحمض النووي المأخوذة من الرفات مع العينات التي جُلبت من ليبيا، بحسب وزير العدل التركي. وتعد هذه الخطوة ضرورية قبل استكمال إجراءات تسليم الجثامين ونقلها إلى الأراضي الليبية.
وكان وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا قد أعلن، الثلاثاء، وصول فرق الدرك إلى حطام الطائرة على بعد نحو كيلومترين من قرية «كسيك كاواك»، بعد سقوطها مساء الثلاثاء عقب إقلاعها من مطار «أسن بوغا». وأوضح أن الطائرة كانت تقل رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، ورئيس أركان القوات البرية اللواء فيتوري غريبيل، ومدير جهاز التصنيع العسكري محمود قطيوي، ومستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، إضافة إلى المصور الرسمي لرئاسة الأركان محمد محجوب، إلى جانب طاقم الطائرة المكوّن من ثلاثة أفراد.
وفي تقييم فني للحادث، نقلت قناة «سي إن إن ترك» عن خبير الطيران التركي مراد هيردم، قوله إن الحادث قد يتجاوز فرضية العطل الفني التقليدي، مرجحًا سيناريو «وضع خطير» أدى إلى تعطل كامل في النظام الكهربائي للطائرة، وهو ما قد يشير إلى نشوب حريق داخلي أو احتمال تدخل خارجي. وأوضح هيردم أن الطيار لم يتمكن من إرسال نداء استغاثة قصوى «مايداي» بسبب سرعة تطور الأحداث، مكتفيًا بإرسال إشارة «بان بان»، التي تدل عادة على وضع غير طبيعي لكنه قابل للسيطرة، قبل أن تتدهور الأوضاع بشكل مفاجئ.
و أشار رئيس مركز «DIPAM» للدراسات، تولغا ساكمان، إلى أن حادث تحطم الطائرة لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأوسع في شرق البحر المتوسط، لافتًا إلى أن هيكلية الجيش الليبي، المدعومة تدريبيًا من تركيا، باتت عنصرًا مؤثرًا في معادلات التوازن الإقليمي، وهو ما يضفي على الحادث أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز الجانب الفني البحت.
على الصعيد الليبي، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» مباشرة اللجنة الليبية الموفدة إلى تركيا مهامها في التحقيق، موضحة أن عملها يشمل استكمال إجراءات نقل الجثامين، وأخذ عينات الحمض النووي من الضحايا ومقارنتها بعينات ذويهم، إضافة إلى مواصلة البحث والتحري عن حطام الطائرة بالتنسيق مع السلطات التركية. وأكدت الوزارة أن اللجنة تشكلت بقرار من وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، وتعمل ضمن إطار التعاون القضائي والفني المشترك.
وفي هذا السياق، تلقى رئيس جهاز المباحث الجنائية اللواء محمود عاشور إحاطة رسمية بشأن سير التحقيقات، خلال زيارة قام بها إلى مكتب المدعي العام التركي في أنقرة، حيث أكد الجانبان استعدادهما لتبادل المعلومات والتعاون الكامل وفق الأطر القانونية المعمول بها في البلدين.
كما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، استمرار التعاون والتنسيق مع الجانب الليبي في كل ما يتعلق بالتحقيقات والإجراءات الفنية، معربًا عن تعازيه في ضحايا الحادث. وبينما تتواصل التحقيقات القضائية والفنية، يبقى حادث تحطم طائرة الوفد العسكري الليبي محاطًا بتساؤلات مفتوحة، في انتظار ما ستكشفه نتائج تحليل الصندوق الأسود في ألمانيا، والتي قد تشكل نقطة فاصلة في تحديد أسباب الحادث، وما إذا كان ناجمًا عن خلل فني جسيم، أو عوامل أخرى أكثر تعقيدًا.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات